انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 189/حديث الأزهار

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 189/حديث الأزهار

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 02 - 1937



للكاتب الفرنسي آلفونس كار

الفونس كار من أبرز أدباء القرن التاسع عشر وقد أشتهر بأسلوب خاص من السهل الممتنع، ومن ابلغ آثاره (حديث الأزهار) وهو مجموعة قطع صغيرة في كل منها مجال وسيع للتفكير، وهذه بعض أحاديث أزهاره أنقلها إلى العربية وأقدمها إلى قراء الرسالة.

ف. ف

(1)

الزهرة الأولى

لقد انبلج صبح نيسان (أبريل) فإلى الحقول يا بنات الأمل لاقتطاف أول زهرة من أزهار الربيع.

اقطفي أول زهرة يا فتاتي وضعيها تحت طيات ثوبك على صدرك، فأنها طلسم السعادة يشدد العزم ويحيى الأمل.

ليست الوردة ولا البنفسجة أولى أزهار الربيع، بل هي الزهرة التي تلمحها العين قبل سواها؛ هي التي يبدو لمرتاد الحقول كأول ابتسامة ترسلها الطبيعة من خلال دموع الشتاء.

لقد كانت الوردة أول زهرة أعلنت إلى قدوم الربيع في السنة الماضية؛ وكانت زهرة البنفسج رسول الحياة إلى قلبي في أول هذا الربيع. ومن يدري ما تكون الزهرة الأولى بعدها، فلعلها زهرة القبور.؟

من أي نوع كنت يا زهرة الربيع، أنت ابتسامة الحياة بعد الموت، ولمعة الأمل بعد اليأس. أنت الزهرة الأولى، لا تلمسك يد دون أن ترتجف، ولا تقع عليك عين دون أن تترطب بندى الأجفان.

إن الناظر إليك يا أولى الزهار، ليشعر بأن فتوة القلب ستعود مع فتوة الزمان، وأن النفس ستنور مع تتويج الأزهار وتخضّر ذاوياتها مع اخضرار الأوراق.

أنت الأمل يا زهرة نيسان، بل أنت ابتسامة أوهام ينخدع بها المرء فيؤمن بإمكان رجوع المنصرم وعودة خطوات الزمان.

أولى الأزهار شبيه بالأعياد في دوران الأعوام، فهي درة في عقد الساعات والايام، إذا ما بدت في الحاضر نبهت ما مضى بمثل زمانها الغابر ودفعت بالقلب إلى العودة نحو الزمان القديم إنها لوقفة يربط الإنسان فيها حلقة الآن الحاضر بمثلها من الآن البعيد، فيحسب نفسه إلهاً ينفخ في الأموات نسمة الحياة. وما أوجع ما يشعر به حينما يرى هذه الرجعة وهماً تولده حرارة القلب وتبدده عاصفات الأقدار.

ما أجملك أيتها الزهرة الأولى، وما أحلى وما أمر ما تفعلين بالقلوب، ينشر مشهدك من جوانب التذكار ألوفاً من مجنحات الحياة ثم يطويها ليردها مكسورة الأجنحة إلى قبر الزمان.

إنها لسريعة الذبول، أولى أزهار الربيع، وما أشبهها بما تولد في القلب من شعور.

سلاماً على وريقاتك يا زهرة الربيع وبلسماً من عبيرك على قلوب العاشقين والشعراء، على قلوب الحزانى والآملين.

لئن كان في وهمك بعض العذاب، فان فيه ما يعيد إلى التذكار برهة من متلاشيات الحياة.

في أول قطفك برهة من الشباب للشيخ، ولحظة أمومة للثكلى، وفترة بنوة لليتيم. وما بين وريقاتك الباسمة فترة لقاء لأبناء هذه الحياة بأحبابهم الراحلين الثاوين في القبور

سلام عليك يا زهرة الربيع، فأنني وجدت بك وأنا أقتطفك لوحدي ما كنت أجده وأنا أقتطفك من قبل مع الأحبة المودعين.

فليكس فارس