مجلة الرسالة/العدد 138/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 138/البريد الأدبي
وفاة الأستاذ الشيخ محمد زيد بك
استأثرت رحمة الله بالأستاذ العلامة المغفور له الشيخ محمد زيد الابياني، فرزئت بفقده الشريعة الإسلامية التي كان علماً من أعلامها، ورزئ العلم الغزير، والإفتاء الصائب، والخلق الكريم، والتواضع الجم. كان الفقيد من أبناء مديرية الغربية، وتلقى دراسته بدار العلوم، وعين منذ تخرجه فيها لتدريس الشريعة الإسلامية بمدرسة الحقوق؛ ومازال زهاء أربعين عاماً يتبوأ منصة التدريس في هذا المعهد الجليل، متوفراً في نفس الوقت على دراسة الأصول والمسائل الشرعية حتى غدا بحق مرجعها الفذ وحجتها الثقة؛ وكانت الشريعة الإسلامية إلى هذا العهد تدرس بأساليب عتيقة مضنية، قلما تعاون على خلق العقلية الفقهية الصحيحة، فاستطاع الفقيد بذكائه ومثابرته وعقليته الفقهية المستنيرة أن يختط لتدريسها منهجاً بديعاً قريب المأخذ جم الفوائد؛ ووضع لهذه الغاية عدة مؤلفات قيمة، تشهد له بغزارة المادة وبراعة الاستقراء والعرض هي: شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، وشرح المعاملات الشرعية، مباحث المرافعات الشرعية، مباحث الوقف. وما زالت هذه الآثار التي تضارع في وضوحها ودقتها وحسن تنظيمها أقوم الشروح القانونية الأوربية، مرجعاً نفيساً لطلاب الحقوق والأزهر، ونبراساً قيماً لرجال القضاء والمحامين
ولا نعرف أستاذاً من أساتذة الجيل المنصرم له ما للعلامة الراحل من فضل وأثر سابغين في بعث النهضة الفقهية الحديثة، وتكوين العقلية الشرعية المعاصرة، بل لا نعرف أستاذاً من أساتذة الجيل المنصرم تخرج على يده مثل تلك الجمهرة الحافلة الممتازة التي تخرجت على يد الشيخ زيد. وقلما تجد بين عظماء مصر وبين زعمائها وساستها ومفكريها وكتابها - وجلهم من خريجي الحقوق - من لم يدرس على يد الشيخ، وليس بين أعلام القضاء وأعلام المحاماة المعاصرين، بل ليس بين رجال القانون والقضاء المصريين جميعاً من لم يتلق عنه ويتخرج على يديه؛ فهؤلاء جميعاً أحداثاً وفتياناً، ونهلوا من غزير مورده، واستطاعوا جميعاً أن يقدروا مواهبه ورفيع خلاله
وكان الفقيد يتمتع فوق علمه الغزير، بأخلاق طاهرة وشمائل باهرة؛ فقد كان جم التواضع والأدب، كثير الحلم والرفق، سباقاً إلى الخير، يعامل طلابه معاملة الأب البار، ويتمتع بحبهم وتقديرهم جميعاً
طيّب الله ثراه، وشمله بواسع رحمته، وعوض عنه الأسرة القضائية خير عوض
(ع)
كتاب عن إبراهيم باشا
صدر أخيراً كتاب بالإنكليزية عن إبراهيم باشا المصري (ابن محمد علي) عنوانه (ترجمة جديدة لإبراهيم باشا بقلم الأستاذ ب. كرابتيس الأمريكي الذي ظل منذ أعوام طويلة قاضياً بالمحاكم المختلطة بمصر؛ والأستاذ كرابتيس يعنى أثناء إقامته الطويلة بمصر بالشؤون والمسائل المصرية الفقهية والتاريخية والاجتماعية ويكتب عنها في مختلف المجلات الأجنبية؛ وقد تزود في وضع مؤلفه الجديد عن إبراهيم باشا بطائفة من الوثائق والمراجع الرسمية وغير الرسمية التي يحتفظ بها سراي عابدين، واستطاع أن يجمع أشتاتاً قيمة أخرى من المعلومات والوقائع المجهولة عن تاريخ ذلك العهد وعن حياة القائد الكبير
وقد كانت حياة إبراهيم دائماً تعتبر في المرتبة الثانية إزاء حياة والد العظيم؛ ذلك أن شخصية محمد علي وجهوده السياسية والإصلاحية الجبارة كانت تلقي حجاباً على جهود ولده إبراهيم، ولم يكن إبراهيم في نظر التاريخ سوى ساعد والده الأيمن وقائد جيشه؛ ولم يكن له ضلع في السياسة أو الشؤون العامة، ولكن الأستاذ كرابتيس يحاول أن ينفي هذا التصوير؛ فقد كان إبراهيم في نظره سياسياً عظيماً كما كان قائداً عظيماً؛ وكان له في السياسة والشؤون العامة أثر فعال؛ بيد أنه لم يكن يتفق دائماً في الفكرة مع أبيه، فقد كان يرى مثلاً أن فوزه بتحطيم الوهابية في الحجاز خطوة أولى في سبيل تحقيق حلمه العظيم بإنشاء إمبراطورية عربية إسلامية، ولكن محمد علي كان دائماً يجانب هذه الفكرة مؤثراً مصانعة السلطان والتفاهم مع الدولة العلية
ويستعرض المؤلف حياة إبراهيم العسكرية، وحملاته وغزواته المختلفة بدقة وإفاضة، ويقول لنا إن أطماع محمد علي لبثت في سبيل التحقيق والنجاح ما بقيت محصورة في بلاد العرب، ولكنها مذ بدأت تتجه نحو الشمال، أخذ الحظ يجانبه والمصاعب تتفاقم في وجهه؛ وقد كان اشتراك مصر في حوادث اليونان ظرفاً مشئوماً جنت منه مصر شر العواقب. بيد أن محمد علي لم تفتر همته وأطماعه، حين حطم أسطوله في نافارين، فأنشأ دار صناعة جديدة بالإسكندرية؛ وكان ذلك الرجل بعيد النظر يعلق دائماً أهمية كبيرة على قوة مصر البحرية
ويقول لنا الأستاذ كرابتيس إن الزمن لم يفسح مجالاً لإبراهيم ليثبت عبقريته السياسية بصورة فعالة، ولكن الموت عاجله، ولما يمض على صدور الفرمان بتعيينه والياً لمصر سوى ستة أسابيع؛ وقد توفي في التاسعة والخمسين من عمره، بعد أن عانى تباريح الآلام والمرض ردحاً من الدهر
الحياة الأخرى
ما زالت مسائل الروح والحياة الأخرى تثير على كر العصور طلعة الإنسان وروعه؛ وقد اشتركت أديان الأرض جميعاً؛ والمدنيات في كل قطر وعصر، في التحدث عن الحياة الأخرى، ولكن التفكير الإنساني لم يهتد حتى اليوم إلى نتائج حاسمة في هذا الموضوع الخفي، ومازال في كل عصر يحوم حوله بمختلف الفروض والنظريات. وقد صدر أخيراً كتاب بالفرنسية في هذا الموضوع عنوانه: (الحياة بعد الموت في معتقدات الإنسانية) بقلم كاتب أمريكي هو جيمس تاير أديسون، وقد اتّبع المؤلف في كتابه الأسلوب العلمي، ولكنه يعرض لنا من جهة أخرى في عدة فصول وصور قوية بعض ما ينتاب الإنسانية من أسباب المخاوف والروع من جراء تصور الحياة الأخرى وما وراء الموت. وما زال الموت يروع الأحياء الذين يرون ملايين الموتى يذهبون تباعاً إلى عالم لا يعرف كنهه، ولكن الأحياء يخضعون حتماً إلى قدرهم. ويبسط لنا المؤلف مختلف المعتقدات والنظريات الإنسانية والعلمية في مسألة الحياة والموت، في كل عصر وكل قطر؛ وهذا القسم أمتع أقسام الكتاب، ويلاحظ أن التباين في المعتقدات الإنسانية على كر العصور وفي مختلف الأمم لم يمنع من وجود بعض التماثل بين معتقدات الإنسان الأول وبين معتقدات أرقى المجتمعات؛ والظاهر أن هذا التماثل إنما يرجع إلى أن غريزة الفضول والروع لا تختلف في جوهرها عند الإنسان الهمجي والإنسان المتمدن، فكما أن الجميع سواء أمام الحياة والموت، فكذلك يشعر الجميع بنفس الجزع والفضول والروع
ويحدثنا المؤلف أيضاً عن مختلف النظم والرسوم التي تتبع في مختلف الأديان والأمم للعمل على سلام الروح، وتزكية الراحلين عن هذا العالم إلى العالم الآخر