انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 124/وداع والد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 124/وداع والد

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 11 - 1935



للأستاذ محمود خيرت

أخوان ما آب المسافر منهما ... حتى استطاب أخوه هجران الحمى

فالقلب بينهما الغداةَ موزَّع ... حيرانُ يخفق نشوةً وتألُّماَ

ولشدّ ما يجد المُفارِقُ ما انتهى ... مِن جنة اللّقيا إليه جهنما

يا أكبر الأبناء خلّف بعده ... صبراً تقطّع حبلُه وتصرّما

لم تَدْرِ يوم البين ما فعَل الأسى ... بأبيك لما أن دنوتَ وسَلّما

عقد الذهولُ عن الكلام لِسَانَه ... فتكلَّم الدمع العَصِيُّ وترجما

ومشى إليك مشرّداً متخاذلاً ... يأبى عليه الهول أن يتقدّما

حتى إذا نأتِ السفِين بركبها ... وغدوتَ بالبُعد الطويل ملثَّما

بَدَتِ الحقيقة كالخيال فها أنا ... إما أراك غداً أراك توهّما

والدار تنعى أُنسها الماضي وقد ... أمسى على ظَمْأَى النفوس محرّما

يا من كساها مِن بشاشته سَنىً ... عكسَت جوانبُها صداه تبسّما

للدور أرواح تحِنّ لأهلها ... وتطوف مِن خَلل الحواجِز حُوّما

وضّاءة بهمُ الزمانَ فإِن هُمو ... نزحوا تغشاها الظلام وخيّما

كم كنت ترعاني وتأسُو علَّق ... وتحولُ دون الدّاء أن يتحكَّما

ولكَم سهرتَ عليّ فيه ليالياً ... لا عابساً فيها ولا متبرِّما

وتخِذتُ منك وأنتَ منّي عدّة ... عند الزمان إذا الزمان تجهّما

فالبعد أقسى ما يمُرُّ به أبٌ ... ثقُلت عليه همومُه فتهدّما

لكنْ رحلتَ ونصبُ عينك غايةٌ ... كانت أعزّ من البقاء وأكرما

وطَّنتَ نفسك في أمانيها على ... أن تركب الأخطار كي تتعلّما

محمود خيرت