مجلة الرسالة/العدد 118/الذكر
مجلة الرسالة/العدد 118/الذكر
للأستاذ فخري أبو السعود
صوتٌ مِنَ الأمس ما أنْفَكُّ أسمعُهُ ... مُرَدَّدُ اللحن في بالي مُرَجَّعُهُ
لحنُ شجيُّ لطيف الوقع ساحرُهُ ... يَدُ الليالي على قلبي تُوَقِّعه
إذا تَرَدَّدَ منه في الضلوع صدًى ... ثار الحنينُ ونَدَّ الجَفْنَ مدمعه
نهرُ يَظَلُّ بنفس المرءِ مُنْسَرِباً ... وفي مجاهِل ماضي العيش منبعه
طيفُ مدى العمرِ مِن ماضيَّ يتبعني ... وَدِدْتُ لو أَنني ما شاء أَتْبَعُهُ
مَنْ أَنْتَ يا مَنْ مِنَ الماضي يخاطبني ... وَمِنْ قرارةِ نفسي بِتُّ أسمعه؟
تَظَلُّ تُحي الذي قد مات من عُمُرِي ... وما تَشَتَّتَ مِنْ ماضيَّ تَجْمَعُهُ
نعَمْ وِتَحْكِي لقلبي من مآربه ... ما كان يَنْشُدُهُ قِدْماً ويُزْمِعُهُ
حديثُك العذبُ مها طال يْؤنِسهُ ... وبالزمان الذي قد مَرَّ يولعه
يا رُبَّ عهٍد غضيرِ الحُسن رائِقِه ... قد راح وهْو حثيثُ الخطو مسرعه
مرتْ عليه بَنَانُ منك ساحرةُ ... فهاج بي الشَّوْقَ مغناه ومربعه
وهام قلبي على آثارِهِ لهِجاً ... يَوَدُّ لو أنَّ هذا الدهرَ يُرْجِعُهُ
وَرُبَّ وادٍ بنفسي مُزْهِرٍ نَضِرٍ ... صَوَّرْتَهُ فَهْوَ حالِي النبت مُمْرعه
ومنظرٍ مِنْ طُيُوفٍ أنْتَ رَاسِمُهُ ... ومِنْ حنينٍ خَفِيّ أنْتَ مُبْدِعه
وصورة لِذُكاءِ وهْيَ غاربةُ ... هفاَ لها الكونُ إذْ هَمَّتْ تُوَدِّعه
ومَشْرِقٍ حَيِّتِ الأرْوَاحَ غُرَّتُهُ ... ونَبَّهَ الطيرَ والأزهارَ مطلَعُه
هذا ادِّكاريَ: ملءُ القلبِ من صُوَرٍ ... مِنَ الطبيعِة تَشْجُوهُ وتُمتُعِه
وسالفاتِ عهودي في مباهجها ... يُظِلُّني ثَمَّ ناَدِى الزهر مُونِعُهُ
حُسْنُ الطبيعيةإلُفُ في الفؤادِ له ... عهدُ بِقَلْبيَ باقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وليس بالقلب ذِكْرُ مِنْ أخي مِقَةٍ ... يبقَى بقَلْبي مَدَى الأيام موْضِعُهُ
فَكُلُّ ثَوْبِ وَدَادٍ كنتُ ألْبَسُهُ ... يَرَثُّ وَهْوَ جَديدُ ثُمَّ أخْلعُهُ
فكيف أهفو إلى رَثَ ومُنْخَرِق ... من العهود وَباَلٍ لستُ أرْقَعُهُ؟
مَنْ رام صافِيَ وُدٍّ غير ذي كدر ... ففي الطبيعة للوُرَّادِ مَشْرَعُهُ أليِفُهَا حيثما راقتْه صُحبتُها ... مُمَتَّع النفس راوي الطرف مُترعه
أصْفَى الوداد وُرُوداً ثُمَّ أَدْوَمُهُ ... عهداً وأعْذَبُهُ ذِكْراً وأنْقَعُهُ
فخري أبو السعود