انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 108/حول الفقه الإسلامي والفقه الروماني

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 108/حول الفقه الإسلامي والفقه الروماني

مجلة الرسالة - العدد 108
حول الفقه الإسلامي والفقه الروماني
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 07 - 1935



للأستاذ محمد محسن البرازي

الأستاذ بمعهد الحقوق في الجامعة السورية

صدفتني أشغال شاغلة عن قراءة (الرسالة) ومطالعة كتب الأدب عامة منذ شهر أو اكثر؛ ولما عدت، وبعد تحرري من قيود الموانع، إلى النظر فيما فاتني من أعداد مجلتنا المحبوبة، ألفيت فيها مقالين في موضوع الفقه الإسلامي والفقه الروماني، أحدهما لمواطننا السيد علي الطنطاوي بعنوان: (حول الأوزاعي أيضاً) (العدد الحادي والتسعون)، والآخر للسيد صالح بن علي الحامد العلوي السنغافوري بعنوان: (هل تأثر الفقه الإسلامي بالفقه الروماني أم الحقيقة هي العكس) (العدد السابع والتسعون)؛ فرأيت أن الواجب العلمي يدعوني إلى أن أقول كلمة في الموضوع الذي عالجاه. فجئت إلى صاحب (الرسالة) أرجو منه أن يكرم وفادة كلمتي هذه، وله الشكر خالصاً

يتلخص ما جاء في المقالين في مادتين اثنتين: (1) كون الفقه الإسلامي لم يؤخذ عن الفقه الروماني ولم يتأثر به (2) كون الفقه الروماني مأخوذاً عن الفقه الإسلامي

إنني لا أريد أن أبحث الآن في الشطر الأول من هذا الرأي، لأسباب منها أنه لا يجوز عندي الخوض في موضوع خطير كهذا بكلمة عجلى؛ وأما الشطر الثاني فلا أرى منتدحاً عن البحث فيه، وأعتقد أنه يحتمل الإيجاز

علم أصحاب المقلين أن الشريعة الرومانية هي أقدم عهداً من الشريعة الإسلامية، وأنه لا يمكن لعاقل أن يزعم ما زعماه بصورة بسيطة مجردة، ولذلك لجأ إلى تأييد دعواهما بدليل ليس بأقل منها غرابة، وهو أن الفقه الروماني المعروف اليوم هو - في نظرهما - فقه جديد (لفقه طائفة من العلماء بعد أن اندثر الفقه الروماني القديم) في كلمات لا تزيد على العشرين، وفي أقل من مدة قلم، يقضي الأستاذ الطنطاوي ببطلان ما أجمع علماء الحقوق والتاريخ بلا استثناء على صحته، وأنكر ما لم يختلف فيه اثنان منذ أن اشتغل الناس يدرس تاريخ الرومان وحقوقهم

ثم أيد الأستاذ العلوي دعوى زميله الطنطاوي، معتمداً على ما كانت نشرته مجلة حضرمية منذ ربع قرن لأحد السادة العلويين الحضارمة، فلم يخرج ما جاء به عن المناقضات إن دعوى كهذه لا يعبأ بها في البيئات العلمية، لأنها تخالف حقيقة علمية تعد بمثابة البداهة؛ ولو أنها نشرت في صحيفة غير موثوق بها، أو مجلة من عامة المجلات، لما كنت حركت في موضوعها قلماً؛ ولكنها نشرت في مجلة لم يكتب لغيرها من المجلات العربية ما كتب لها من الحظوة عند ذوي العلم والأدب، وسعة الانتشار في مختلف الأمصار؛ تصدر عن عاصمة الأدب العربي والفكر الإسلامي في هذا العصر، وينظر الناس إلى ما يكتب فيها ممثلاً بصورة إجمالية لآراء عمدتها الذين هم من أركان النهضة الأدبية العربية الجديدة، ونزعة الإسلام الحديثة. لذلك خشيت أن يحسب علماء الغرب هذا الرأي العجيب معبراً عن اتجاه جدي للرأي العام الإسلامي المثقف، فيحكموا علينا بما لا نستحقه

أحس صاحب المقال الأول بوهن دليله، فنهج منهجاً غريباً بعد ذلك، إذ طلب التدليل على عكس ما أدعى، أي على أن الفقه الروماني الحديث هو الفقه الروماني القديم قائلاً: (ليأتونا بالأسانيد الصحيحة والروايات المضبوطة)

الله! الله! أيطلب من أحبار العلم التدليل على ما أقرته أجيال من الأعلام المحققين لمجرد دعوى انفرد بها أدبينا الطنطاوي، وهو على الرغم من تفوقه على أكثر أقرانه بذكاء كان موضع إعجابنا، لم يتح له أن يدرس الحقوق الرومانية أكثر من غيره من الطلاب في معهد الحقوق بدمشق، ولم يتأت له النظر في تأريخ الحقوق، ولم يقيض له بعد أن يطلع على ما ظهر في العالم من مؤلفات في الحقوق الرومانية وما أكتشف من آثار تاريخية

أن من يقدم على الجزم بأمر كهذا يحدث - أن صح - انقلاباً في العالم العلمي لا يعادله أي انقلاب عرفه التاريخ في الدين والسياسة أو الاجتماع، لا يحق له أن يكتفي بأن يقول لهذا العالم العلمي: (دلل أيها العالم على صحة ما عكفت على دراسته باعتباره صحيحاً منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً)

البينة على من ادعى؛ فعلى من يقول أن الفقه الروماني الذي نعرفه الآن مختلق أن يثبت اختلاقه ويبين مختلقه، ويظهر مكنون الفقه الروماني القديم، أسوة بما يفعله العلماء إذ يكشفون القناع عن الوثائق التاريخية المزورة والكتب المنتحلة

لئن جاز في نظرنا لأحد من النصارى أو اليهود المتعصبين أن يجزم بأن القرآن الذي بأيدينا هو غير القرآن الذي أنزل على محمد ()، وأنه مختلق من جماعة من علماء المسلمين الحديثين، مكتفياً للتدليل على ذلك بأن يقول لنا: (هاتوا دليلكم) فقد حق كذلك لصاحبي المقالين المتحمسين للإسلام هذا التحمس أن يزعما ما زعماه

لقد جمع نصوص الشريعة الرومانية وآراء فقهائها حتى بدء القرن السادس المسيحي، تلك النصوص القانونية والآراء الحقوقية التي هي أساس لدرس الحقوق وبحثها في جامعات العالم، ذلك الإمبراطور المتشرع الروماني جوستنيان (المتوفى سنة 565 ب. م) في خلال ست سنين (528 - 534 ب. م) وأضاف إلى ذلك القوانين التي أصدرها؛ وقد عرفت هذه المجموعة الحقوقية منذ بدء القرون الوسطى بـ وكان بين العلماء الذين يشتغلون تحت رعاية الإمبراطور الفقيه أساتذة في معهد حقوق بيزانس: (القسطنطينية)، ومعهد حقوق بيروت

إن هذه المجموعة الحقوقية قد انتقلت إلينا بنصها وفصها، وهي مؤلفة من أربعة كتب أو مجموعات صغيرة: الـ والـ (ديجست والـ (انستيتود الـ (نوفل ولا تزال نسخ قديمة من هذه الكتب أو المجموعات القيمة محفوظة في المكاتب الكبرى في أوربا يرجع عهد بعضها إلى القرن السادس (ب. م)، أي إلى القرن الذي عاش فيه جامعها وواضعها الإمبراطور جوستنيان نفسه

ومن أجل هذه النسخ المخطوطة نسخة من الـ كتبها خطاطون إغريقيون في القرن السادس والقرن السابع (ب. م)، معرفة بالـ (فلورنسية لوجودها في مدينة (فلورنسة) منذ سنة 1406. وقد نشرت هذه المخطوطات مصورة تصويراً فوتوغرافياً، وحققها العلماء الاختصاصيون في المخطوطات، ولم يطعن عليها طاعن؛ وعثر على مخطوطات كثيرة من عصر (جوستنيان) مكتوبة في اللغة اليونانية على الورق البردي، نشر قسماً منها العالمان الألمانيان (ميتس و (ويلكن سنة 1912 ونشر الأستاذ (جان ماسبيرو عدداً كبيراً من هذه المخطوطات المدونة على ورق البردي في مجموعة متحف القاهرة ' (سنة 1910 - 1914) بل إن المتاحف والمكاتب تحفظ أيضاً نسخاً مخطوطة أصلية لمجموعات قانونية سابقة لعهد (جوستنيان) كالمجموعة القانونية للإمبراطور (ثيودوسيوس وكتاب المتشرع (غايوس المعروف بالـ ومؤلفات أخرى، منها مؤلف معروف في القرن الرابع (ب. م) وعثر عليه في مكتبة الفاتيكان سنة 1820 ثم أن الفقه الروماني هذا قد عمل به بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية في روما، وبعد وفاة الإمبراطور جوستنيان، وبعد سقوط الإمبراطورية البيزنطية، وهذا أمر لم يختلف فيه العلماء المؤرحون. فبلاد فرنسا الجنوبية ظلت خاضعة لأحكام الفقه الروماني بصفة حقوق عرفية حتى قبيل الثورة الفرنسية. هذا عدا البلاد التي تأثرت كثيراً أو قليلاً بالحقوق الرومانية، كأيطاليا وألمانيا، حتى إنكلترا بلاد العرف والتقاليد. وقد بقي الفقه الروماني معمولاً به في عصرنا هذا في بلاد جنوبي إفريقية الخاضعة لأنكلترة

أما المناقضات التي وقع فيها السيد صالح العلوي نقلاً عن السيد العلوي الحضرمي، فأشير منها إلى ما جاء في السطر الثاني من الجانب الأول من الصفحة الـ (781) من الرسالة. فبعد أن قال أن الفقه الروماني (اختفى ثم اكتشف، ولم يظهر ويعمل به إلا في القرن الثاني عشر، وانه لم يكن معروفاً حتى عند الرومان أنفسهم قبل القرن الحادي عشر)؛ وقال في السطر (22) من الصفحة نفسها: (أن دعوى اختفائه أكذوبة)، ثم ما لبث أن استند إلى قول العلامة (سافنيه): (إن القوانين الرومانية لم تختف لأنها ظلت معمولاً بها إلى اليوم من غير انقطاع)

أما وقد صح لدى السيد العلوي قول (سافنيه) هذا، فهو مضطر إلى الاعتراف إذن بان الفقه الروماني المعروف لدينا الآن، هو تلك (القوانين الرومانية التي لم تختف لأنها ظلت معمولاً بها إلى اليوم)، ومرغم على التسليم بان تلك القوانين الرومانية القديمة التي هي أقدم عهداً من الفقه الاسلامي، لم تختلق اختلاقاً ولم تلفق تلفيقاً من قبل العلماء الحديثين، ولم تؤخذ عن الفقه الإسلامي، خلافاً لما ادعى. ولا أدري كيف يورد قول سافنيه هذا ويؤيده، ثم يحاول، بعد القول المستشهد به بسطر واحد أن يأتي بأدلة على اقتباس القوانين الرومانية من الحقوق الإسلامية

قلنا انه لا يجوز مبدئياً طلب التدليل على أن الفقه الروماني الحديث هو نفس الفقه الروماني القديم لمجرد دعوى وحيدة في بابها. ثم إذا قبلنا لزوم التدليل، فما هي وسائل البينة؟

إن السيد الطنطاوي يتطلب (الأسانيد الصحيحة، الروايات المضبوطة)

إن البينات تختلف بحسب الأمور المراد إثباتها؛ فإذا كانت هذه الأمور غير مدونة بنفسها، كالحديث الشريف فلابد حينئذ من ذكر الأسانيد وسرد الروايات، وإقامة الدليل على صدق الرواة، إلى آخر ذلك مما هو معروف في أصول علم الحديث. أما إذا كان المراد إثباته مدوناً بنفسه، لم يعد مجال حينئذ إلى الأخذ بطريقة الرواية والإسناد، وصار لابد من التدليل عليه بنسخته الأصلية التي وضع بها، أو بالنسخة التي أخذت عن هذه. فالقرآن الكريم مثلاً، لما كان قد دون في العهد الذي نزل فيه، وجمعت صحفه المدونة في عهد الخليفة الأول، وانتقلت إلينا نسخ مخطوطة منه كتبت في عهد قريب من عهد نزوله، لم يلجأ إلى الرواية لإثبات صحته

وكذلك أيضاً شأن الشرع الروماني الذي دون وجمع في عهد جوستنيان، فهو لا يثبت بالروايات والأسانيد، ولكنه يثبت بنسخة المخطوطة القديمة التي هي من عصر جامعه ومصلحه جوستنيان. وهذه النسخ قد عثر عليها ولا تزال محفوظة؛ ولو لم يكن على الفرض، بأيدينا منها، إلا ما هو منذ القرون الوسطى، لوجب أيضاً إلا نشك في صحتها، لأن علماء تلك القرون المظلمة لم يكن لديهم من الكفاية والمقدرة العلمية ما يمكنهم من وضع حقوق راقية كالشرع الروماني، فالأولى ألا يشار الروايات والأسانيد في موضوع الحقوق الرومانية وغيرها من الحقوق التي دونت عند وضعها

هل بعد الوثائق الأثرية والنسخ المخطوطة القديمة حاجة لدليل على صحة؟ إن القوانين والأحكام الحقوقي الرومانية المعروفة في عهدنا هذا هي نفس القوانين والأحكام التي عرفها الرومان في القرن السادس الميلادي وقبله

قد يغضب صاحبا المقالين فيقولان إن النسخ المخطوطة القديمة نفسها مصطنعة لفقها الأوربيون؛ فإذا بلغت بهما الحماسة الدينية القومية هذا الحد من إنكار الحقائق العلمية التاريخية الراهنة لم يعد آنئذ مجال للبحث

ولكن هل يجوز لنا أن نتهم جميع علماء الغرب بلا استثناء بالتزوير؟ وما الذي يسوغ لنا ذلك؟ أولا نجد بينهم إناسا وضعوا الحقيقة في أعلى المنازل وجعلوها فوق كل شيء؟ ألا نرى بينهم عدداً غير قليل دافع عما يعتقد أنه الحقيقة مخاصماً بذلك رجال الدين، ومعادياً في هذا السبيل السلطان الجائر؟

ألم ينافح كثير من علماء المشرقيات عن ديننا الحنيف، ونبينا العربي، وحضارتنا الاسلامية، ومدنيتنا الشرقية، تجاه حملات المتعصبين من أبناء جلدتهم ودينهم؟

حسبنا أن نذكر على سبيل المثال أسماء الفرنسيين: (جوستاف لوبون) صاحب كتاب حضارة العرب و (وهوداس) و (منارسيه)، مترجمي صحيح البخاري للفرنسية، و (درمنغيهم) صاحب كتاب حياة (محمد)، و (ماسينيون) مدرس العلوم الاجتماعية الإسلامية في كلية فرنسا، وصاحب المؤلفات الكثيرة عن الإسلام، ومدير مجلة المباحث الإسلامية؛ ويكفينا أن ننوه بتلك الوقفة الشريفة التي وقفها هذا الأستاذ الأخير سنة 1928 دفاعاً عن المدنية الإسلامية، ورده البليغ على المسيو (لويس برتران) الذي حمل على الإسلام والعرب في مقال نشرته في ذلك العام جريدة (الفيجارو) الباريسية

أيعقل ألا يوجد رجل واحد شريف منزه عن التزوير بين علماء أوربا من فرنسيين، وألمان، وإنكليز، ومجر، وإيطاليين وأسبان، وروس الخ.؟ فلو لم يوجد إلا عالم واحد صادق يقول الحق، لكان بلا ريب قد رفع صوته عالياً أمام هذه الفرية الفظيعة التي يتهم بها السيدان، الطنطاوي، والعلوي العالم في الغرب؛ ولكنا شهدنا قبل مقالي حضرتيهما حرباً قلمية دونها حرب البسوس، وخصاماً علمياً دونه خصام الملل والنحل، ودعاوى ذم وتزوير لا تجاريها دعاوى (آثار كلوزيل الحفرية. ونحن نعلم أن العلماء في أوروبا يتجادلون ويتناظرون في أمور نعدها فرعية وزهيدة

أضف إلى ذلك أن العلماء الاختصاصيين في الحقوق الرومانية ليسوا جميعاً من عرق لاتيني أو ثقافة لاتينية، بل هم من مختلف الأعراق والأمم؛ وثم علماء من الألمان هم جهابذة في الفقه الروماني، أمثال (سافيني و (ايهرينغ لا يمكن أن نتهمهم بتعصب للرومان، وقد ساروا جميعاً في ضوء الحقيقة التاريخية المقررة مطابقة الفقه الروماني المعروف في عصرنا للفقه الروماني القديم

لم يمنع العلماء الأوربيين عامة تفاخرهم بشرع الرومان الذي ورثوه من الإقرار باقتباس الرومان شيئاً غير يسير من شرائع الأمم الشرقية التي سلفتهم أو عاصرتهم مباشرة، أو عن طريق الإغريق، حتى أن عالماً عظيم القدر هو من أكابر الأثريين الأستاذ الفرنسي وضع كتاباً دلل فيه على اقتباس قسم عظيم من أحكام قانون (الأثني عشر لوحاً) الروماني، وهو اقدم قانون لدى الرومان من شريعة المصريين القدماء مورداً للنص الروماني والنص المصري، ومبيناً ما بينهما من شبه لا مراء فيه؛ وبهذه الطريقة العلمية، وبعد تنقيب وبحث مدة أعوام، عمد إلى إثبات دعوى الاقتباس والأخذ، لا بمجرد القول يثيره غرب الشباب

إن علماء يوجد بينهم أمثال (ريفيو)، وأمثال المستشرق الفرنسي (هوداس) الذي يقول: (إن القرآن ليحوي بصورة كامنة جميع ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري من معارف) و (كولد زيهر) الذي يقول: (يجب على المرء إذا شاء أن يكون عادلاً إن يسلم بأن في نظريات الإسلام قوة فعالة متجهة نحو الخير، وبأن توافق هذه النظريات تستطيع أن تكون حياة لا تشوبها شائبة من الناحية الخلقية؛ فهي توجب الرحمة لمخلوقات الله جميعاً، وحسن النية في المعاملات، والمحبة والوفاء، وكبح غرائز الأثرة)، والبارون (كارادي فو) الذي يكتب صراحة عن ابن خلدون (انه لم يسبق قط لعقل من العقول أن يكون لديه فكرة في فلسفة التاريخ أكثر وضوحاً من فكرة ابن خلدون؛ وأن ابن خلدون هو سلف علمائنا الاجتماعيين الحديثين الخ). وعلماء آخرون هم في هذه المنزلة أو أسمى؛ إن علماء كهؤلاء لا يمكن أن يزوروا بداعي التعصب الديني شريعة يسمونها بالفقه الروماني ويقتبسونها عن الشرع الإسلامي؛ ولا يعقل أن يسكتوا أمام تزوير كهذا

ثم إن بين أحكام الحقوق الرومانية، وأحكام الشريعة الاسلامية، ولا سيما فيما له صلة بالأحوال الشخصية، وحقوق الأشياء (حق الملك وما يتفرع عنه) اختلافاً وتبايناً لا يدعان عدا الأدلة التي ذكرناها مجالاً للشك بأن دعوى اختلاق الفقه الروماني من قبل علماء حديثين اقتبسوه عن الفقه الإسلامي ضرب من الخيال

فأولى بشبابنا ألا يكونوا أسرى عواطفهم من تعصب للدين والقومية، وكره لأوربا والثقافة الغربية، فيسرفوا في القول حتى يجانبوا المنطق

إن لحقيقة فوق العاطفة والهوى، والعلم لا وطن له. ثم إن في دعاواهم الغربية وتهمهم الفظيعة، بنية خدمة الإسلام ما قد يضر بالإسلام ويسيء بثقافة المسلمين الظنون

محمد محسن البرازي

أستاذ في معهد الحقوق بالجامعة السورية