انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 1004/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1004/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1952



أحبابي الموتى

للأستاذ أنور العطار

فيا عهدهم لازلت نضرا على البلى ... ترف رفيف النور في أضلع الزهر

أحن إليكم كلما ذر شارق ... وأبكيكم ما عشت في السر والجهر

أحباي يا سؤلي ويا غاية المنى ... طويتم ضلوع القلب في على الجمر

وبت أناجيكم اهفوا إليكم ... واصبوا إلى لقياكم آخر الدهر

كأني لحن الحب قيثارة الهوى ... أنوح على الأحباب بالدمع الحمر

أصوغهم شعرا يفيض مواجعا ... وأنظمهم عقدا يتيه على الدر

وأودعهم قلباً تقطع حسرة ... عليهم، وعيناً دمعها أبداً يجري

فيا عهدهم لازالت نضراً على البلى ... ترف رفيف النور في أضلع الزهر

ويا طيفهم زدني اشتياقا ولوعة ... يزدك الهوى ما شئت من دامع الشعر

فيا أيها الغادون لا البين صدهم ... ولا حجبت أنوارهم ظلمة القبر

جفوني مأواهم، ضلوعي قبورهم ... فيا قلبور خطها الحب في صدري

سلوا الجفن هل طافت به سنة الكرى ... سلوا الليل هل دارت به مقلة الفجر

إلى الله أشكو ما أقاسي من النور ... وما يتنزى في الخواطر من ذكر

بروحي أنتم من محبين ودعوا ... فودعت أفراحي وفارقني صبري

ولم تؤوني الأرض الفضاء كأنني ... سجين أقضي العمر في النفي والأسر

بعيد عن السلوان، صفر من الآلي ... أشاع هواهم لذة الشعر في ثغري

فهل علم الأحباب أن خيالهم ... سميري في حلو الحياة وفي المر

إذا نسي الإنسان في اليسر صحبه ... فلا خير في التذكار في ساعة العسر

أأيامنا لا زلت معسولة الجني ... كروض شذي رف في حلل خضر

أناجيك بالقلب اللهيف من الجوى ... وأرعاك بالود البريء من الغر

وأسقيك دمع العين سقيا كريمة ... إذا ضن جفن السحب بالساكب القر

سلام على تلك العهود فإنها ... أمدت خريف العمر بالورق النض وزانت أناشيدي ووشت مدامعي ... فمن لؤلؤ نظم إلى لؤلؤ

وما شئت من ظل رخي ومن شذا ... وما شئت من طير يغني ومن

أماني في زهو الحياة وفجرها ... مرصعة الأوفياء يا الممتع المغر

أراك بعيم قد تنكر دهرها ... وما ألفت إلا الوفاء على النكر

وأصبوا إلى ذكراك والذكر راحة ... لمن عاش في الهم المبرح والخسر

وأشتاق آلافا سقاني ودادهم ... كؤوس الهوى حتى انتشيت من السكر

وحتى كأن الدهر طوع أناملي ... ينولني قصدي ويبلغني أمر

إذا زرتني يا طيفهم في حمى الكرى ... فقد زارني سعدي وعاودني بشر

وأشرقت الدنيا بعيني وازدهت ... ليالي بالأنوار والأنجم الزر

وهون ما ألقاه من لاعج الضنى ... وخفف ما أشكوه من ثائر الفكر

مررت على الدار التي غالها البلى ... وقوضها حتى استحالت إلى قر

فنازعني قلب يذوب صبابة ... إليها، ودمع لا ينهنه بالزحر

أطوف بها والروح يعصرها الشجا ... ويعمرها بالبشر حيناً وبالذر

هنا الأهل والأحباب والقصد والمنى ... هنا الملتقى بعد القطيعة والهجر

هنا تجثم الذكرى هنا ترقد الرؤى ... هنا الموت يبدو في غلائله الصر

هنا يقرأ الإنسان سفر حياته ... ويا هول ما يلقاه في ذيلك السر

صحائف إن قلبتها ازدتت حسرة ... على ما بها من غائل الغدر والشر

هنا العبرة الكبرى التي دق شأنها ... وأعوزها سبر فأعيت على السر

هنا يخشع القلب الشجي مرددا ... كتاب الردى المحتوم سطراً إلى سطر

بنفسي أرواح رقاق حبيبة ... مضخمة الأعطاف مسكية النشر

تأرج بالذكرى وتعبق بالهوى ... كأن بها عطراً أبر على العصر

أعيش بها خذلان يسعجني الرضا ... ويقنعني منها الخيال إذا يسر

سلام على الأحباب إن طيوفهم ... لتملأ هذا الفكر بالنائل الغر

ولولاهم لم أجن ريحانة الهوى ... ولولاهم ما شمت بارقة العبر

ولا صغت أنغاما لطافا شجية ... أرق من النجوى وأصفى من الخمر يرى المفرد الحيران فيها أليفة ... وينسى بها دار الخديعة والمكر

عفاء على الدنيا فما هي لذة ... إذا كانت في شطر وقلبك في شطر

ويا بؤس محيانا ويا طول غمنا ... ويا شد ما نلقاه في الدهر من قسر

ويا شوقنا للصحب في غمرة الردى ... وفي هدأة المثوى وفي رقدة العفر

نمر خيالات يوشجها الأسى ... وننزع أثواب الحياة ولا ندري

ونطرح أياما ثقالا رهيبة ... براء من الألوان خلواً من السحر

أنور العطار