انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 1001/خطاب مفتوح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1001/خطاب مفتوح

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 09 - 1952



إلى الأستاذ محمد فتحي مستشار الإذاعة

من الأستاذ علي متولي صلاح

يا أخي الأستاذ

الآن وقد عاد إليك مكانك الطبيعي في الإذاعة التي اقترنت باسمك منذ مولدها، واقترنت أنت بها منذ مطلع سبابك وباكورة عملك في الحياة. . والآن وقد عاد إليك مكان المشورة والرأي والتوجيه في الإذاعة، وقد صارت مؤسسة ذات خطر في الدولة وذات أثر في الناس، وأصبحت عاملا هاما في التثقيف والتهذيب والمعرفة الصحيحة. .

والآن وقد عاد إليك مكانك هذا في عهد جديد سعيد كأنما انسقت عنه السماء ليكون برزخا فاصلا بين النقيضين: الرذيلة والفضيلة، وليكون تغييراً لمعالم الحياة في مصر، وليكون قبرا أخير للفساد والظلم والطغيان والاستعباد وما إلى ذلك مما تردت فيه البلاد حقبة ليتها لم تكن في تاريخها!

الآن وقد عاد إليك مكانك هذا في عهد كهذا، فإن على كاهلك ليقع عبء كبير ثقيل لا ينهض به إلا أولو العزم من الرجال، وإني أعيذك أن تحتسب الأمر هينا سهلا، فإنك - إن تردج الإصلاح حقا - لتنفق من ذات نفسك وجهدك الشيء الكثير.

إن الإذاعة - حتى اليوم - مهزلة كبرى وفضيحة لمصر ليس وراءها فضيحة، وكأنما تنفق الدولة ما تنفقه على هذه الإذاعة ابتغاء التشهير بها والنيل من كرامتها وقدرها أمام العالم أجمع، فهذا العبث الذي ترسله الإذاعة، وهذا التخنث الذي يشيع في الأغلب الأعم من أغانيها من أمثال قولهم (ما قال لي وقلت له، وجالي ورحت له، يا عواذل فلفلوا) وسواه مما لا اذكره احتراما لقلمي أن يخطه ويتلوث بذكره، إنما هو فضيحة ليس وراءها فضيحة. . وهذا النفاق الذي يتدفق من شعراء الإذاعة وكتابها، هؤلاء الذين كانت تجرهم الإذاعة كالثيران البدنية ليلقوا على الناس عقود المديح والثناء والإطراء في الطغيان والعسف والظلم والاستبداد، هؤلاء المنافقون الدجالون عليك إبعادهم ونفيهم وكتم أنفاسهم، وتطهير الإذاعة منهم فإنهم رجس يجب ألا يعيش في هذه الأيام. .

إن عليك يا أخي أن تمحو من الأغاني والأناشيد والأحاديث كل ما يضعف الرجولة ويشيع الوهن والضعف والاستخذاء في النفوس. أمح من الإذاعة بجرة قلم جميع هذه الأغاني المخنثة المائعة التي يغنيها الرجال والنساء على السواء! يغنيها المغنون - يا أخي - بأصواتهم الغليظة فيجملونها بالتأوه والتعوج وإرسال الزفرات الحارة والتنهدات المتسعرة! أمح هذا العار الذي يحيل هؤلاء الرجال إلى إناث بعيدي الأنوثة ينافسون الإناث فيما اختصهن به الله!

إن عليك يا أخي أن تمحو باب الارتزاق - لمجرد الارتزاق - أمام كل من هب ودب من هؤلاء الذين يسقطون على الإذاعة وكأنها تكية السلطان! هؤلاء الذين يقدمون إلى الإذاعة أي كلام وأي أغاني وأي مسرحيات، ثم يضمنون إذاعتها دون مراجعة ودون اعتراض، معتمدين على ما لهم في الإذاعة من صلات وقرابات!

إن عليك ألا تكل إلى أحد من رجال الإذاعة مالا يفهم! فإن الناس ليعجبون كيف ينهض بالأمر في الإذاعة من لا يحسنه؟ وكيف يسند إليه من الأعمال ما لا يؤهله له علم أو فهم؟ أعط القوس باريها، ولا تعهد بعمل إلى رجل ألا إذا سبقت له به دربة كافية ودراية طويلة، ولا تقم وزنا لهذا الذي جاء به الوزير الفلاني والكبير العلاني. فإن هذه دولة قد دالت ويجب ألا يكون لها وزن في حياتنا الراهنة. . وإن الإذاعة - كما يعرف الناس جميعا موبوءة مشحونة بمن جلبتهم الشفاعات والوساطات لا يحسنون عملا ولا تعدو إليهم ضرورة!

هذه خطوط رئيسية جدا أنت أدرى الناس بها وبأكثر منها، فعليك أن تأخذ الأمر بالحزم والصرامة، وأنت تعلم ما الإذاعة وما خطرها وما أثرها في تتوجيه الدولة في الداخل وحسن سمعتها في الخارج؛ وأنت بعد اليوم مسؤول عن كل كلمة نسمعها في الإذاعة، فإن أحسنت وغيرت أيدناك، وإلا خذلناك وما نرى إلا محسنا إن شاء الله.

علي متولي صلاح