انتقل إلى المحتوى

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 31/باب الفكاهة والملح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 31/باب الفكاهة والملح

ملاحظات: بتاريخ: 5 - 2 - 1917



مذكرات بكويك

(2)

المستر ونكل على الثلج

كان المستر بكويك وتلاميذه وخادمه ضيوفاً عند أحد سراة الأرياف - المستر واردل - برهة من الزمن وجاء يوم عيد الميلاد أثناء هذه الضيافة فاجتمعوا للطعام ولما رفع الخوان اقترح عليهم صاحب الدار أن يقضوا ساعة باللعب على الثلج فارتاح الحضور للاقتراح إلا رجال النادي لعجزهم عن أمثال هذه الألاعيب وكان في القوم خلاف أصحابنا الأربعة طالبان من طلبة الطب وجماعة من النساء - من أهل بيت المستر واردل صاحب الضيعة، وأقارب أحد الطالبين.

قال المستر واردل ماذا قولكم في ساعة على الثلج؟

قال بنيامين ألين أحد الطالبين هذا أصوب شيء ورب هذا اليوم

وقال بوب سويلر (ليس بعد ذلك شيء)

قال واردل (أنت تجيد اللعب على الثلج ولا شك يامستر ونكل؟)

المستر ونكل (أ - أ - أظن ذلك - ولا - ولا - ولكني بعيد العهد به)

السيدة اربيلا (أخت بنيامين) بل تلعب يا مستر ونكل أني أبتهل إليك أن تفعل. إني لأشتهي ذلك من صميم قلبي وتقول آنسة أخرى (لله ما أبدع هذا اللعب وما أحلاه)

وتقول غادة ثالثة (أجل والله ما أرشقه) ورابعة تقول (ما أشبهه بخفة الغزلان وتمايل الأغصان)

ونكل ما أشد حرصي على إتيان كل ما يسركن ويحمر خجلاً ولكن ليس لي مزلقان (خفان للتزلق على الثلج)

فسرعان ما أزيل هذا العائق بإحضار مزلقين وحينئذ عبر لسان ونكل عن مزيد السرور والفرح وثم وجهه عن مزيد الكمد والترح.

ثم أن المستر واردل والطالبان لبسوا المزالق ونزلوا إلى الساحة الثلجية فأتوا منفردين ومجتمعين من عجيب إلا لاعب ما أدهش الحضور. كل ذلك والمستر ونكل يحاول لبس خفيه وقد عكس وضعهما وعقد الأربطة تعقيداً لا يرجى حله مستعيناً في عمله بصاحبه سنودجراس الذي لعله لا يعرف من أمر هذه اللعبة أكثر مما يعرف زنوج أفريقيا. وأخيراً بمعونة سام ولر توقف المستر ونكل إلى أحكام وضع الخفين المشئومين على قدمه وربطهما ثم أنهضه سام قائلاً انطلق يا سيدي وأر القوم كيف يكون اللعب.

قال ونكل مهلاً يا سام مهلاً! قف سام قف! قال ذلك وهو يرجف ويرتعد وقد أمسك ذراعي سام بقبضة الغريق ما أشد بلل هذا الثلج يا سام وما أزلقه للقدم!

سام (ليس هذا بمستغرب من الثلج يا سيدي ثبت قدمك واستمسك يا سيدي!

نطق سام بهذه العبارة بمناسبة حركة عجيبة حدثت من المستر ونكل إذ ذاك وهو أنه هم بطرح رجليه في الهواء والاستلقاء فوق الثلج.

قال ونكل (هذان - هذان الخفان ثقيلان جداً - أليس كذلك يا سام) قال هذا ورجلاه تضطكان من الرعشة.

قال سام (أخشى أن يكون الثقل صفة لابسهما لا صفتهما وهنا صاح المستر بكويك ولم يكن يعرف من نكبة صاحبه شيئاً هلم يا ونكل! السيدات كلهن تطلع لرؤية حذقك ومهارتك

قال ونكل وعلى وجهه ابتسامة حزينة (سأفعل يا سيدي)

قال سام وهو يحاول التملص من قبضة ونكل سيبدأ يا سيدي. انطلق يا سيدي انطلق! قال ونكل تشبث بسام تشبث المعشوقة بالعاشق ساعة الوداع مهلاً يا سام! لحظة يا سام أصغ لي يا سام أن عندي كسوتين جيدتين في المنزل لا حاجة لي إليهما يا سام. هما تحت تصرفك يا سام

قال سام (شكراً لك يا سيدي)

قال ونكل (لا داعي لأن تخلص يدك من يدي لتؤدي لي تحية الشكر يا سام. لا داعي لذلك يا سام. لقد كان في نيتي منذ أمس أن أعطيك خمس شلنات هبة العيد يا سام. وسأعطيكها هذا المساء يا سام

قال سام (ما أحسن تعطفاتك يا سيدي)

قال ونكل (ساعدني في مبدأ هذه المشقة يا سام. لا تتركني وحدي يا سام. هذا حسن يا سام. أراني سأعرفها قريباً يا سام لا تسرع يا سام لا تسرع) وبينما كان ونكل يسير فوق الثلج مطوقاً بذراعيه ساماً منحنياً فوقه بهيئة تخالف رشاقة الغزلان وتمايل الأغصان (كما وصفت إحدى السيدات شكل لاعبي هذه اللعبة في بدأ هذا الحديث) احتاج المستر بكويك خادمه لبعض شؤونه فصاح به عن غير تعمد إساءة (سام؟)

قال سام (لبيك يا سيدي)

بكويك (أنت هنا. إني أُريدك)

سام يخاطب ونكل (أطلقني يا سيدي، ألا تسمع المستر بكويك يدعوني)

وهنا نزع سام نفسه من قبضة ونكل بأشد ما في طاقته فانزلق ونكل فوق الثلج بسرعة الشهاب المنقض فاصطدم بالمستر بوب سويار عندما كان هذا الشاب يبهر الأبصار بأبدع ما يأتيه أستاذ في هذا الفن فهوي الاثنان على الجليد. وحينئذ أسرع بكويك إليهما. فأما بوب سويار فكان قد نهض إلى قدميه وأما ونكل أعقل من أن يفعل مثل ذلك في هذه البقعة المهلكة. فقعد فوق الثلج يبذل أقصى الجهد في محاولة التبسم. ولكن وجهه كان ينم عن غاية الكمد والكربة.

قال بنيامين ألين هل أصابك أذي يا مستر ونكل؟

قال ونكل (ليس بالأذى البليغ) وأخذ يحك ظهره

قال بنيامين (ليتك تدعني أفصدك)

ونكل (كلا! شكراً لك)

قال بنيامين (في اعتقادي أنه أولى لك)

ونكل (أشكرك. أولى لي ألا أفعل)

فالتفت بنيامين إلى المستر بكويك وقال (ما رأيك يا مستر بكويك؟)

وكان على وجه بكويك تلوح دلائل الأسف الشديد الغيظ فالتفت إلى سام وقال (انزع خفيه في الحال).

قال ونكل (كلا! كلا! أنا لم أكد أبتدي دعني أحاول ثانياً).

قال بكويك مشدداً (انزع خفيه).

إنه لم يكن في طاقة ونكل عصيان أمر أستاذه لذلك أذعن ومد رجليه إلى سام فخلع الخفين

وقال بكويك (أنهضه فأنهضه سام).

فتنحى بكويك عن القوم مسافة وأومأ إلى ونكل فدنا منه. ثم إن يكويك وجه إلى صاحبه نظرة حادة قاسية وقال بصوت منخفض جلي:

(إنك لسفيه يا سيدي)

فاندهش ونكل وقال (إنني ماذا؟)

قال بكويك (سفيه يا سيدي. وإذا شئت أن أزيدك تبياناً وإيضاحاً فأنت دعي يا سيدي خادع غشاش).

وبعد هذه الكلمات ولى صديقه كتفيه وعاد إلى زمرة أصدقائه.