مبلغ الأرب في فخر العرب/الباب الثالث
فصل قبائل لها فضائل
[عدل]الأولى قريش
[عدل]في الصحيحين: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) .
وخبر: (لا يزال هذا الأمر في قرش ما بقى منهم اثنان) .
وخبر: (قريش والأنصار، وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالى ليس لهم مولى من دون الله ورسوله) .
وفي البخارى خبر: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين) .
وفي مسلم خبر: (الناس تبع لقريش في الخير والشر) .
وخبر: (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم أثنا عشر رجلا كلهم من قريش) .
وخبر: (لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش) .
وخبر: (لا يزال هذا الدين منيعا إلى إثنى عشر خليفة كلهم من قريش) .
وخبر: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمى، فقال: (لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة) .
قال الزين العراقي: وليس المراد بالإثنى عشر خليفة على الولاء، بل المراد من اجتمعت عليهم الكلمة من قريش، وكانوا أهل عدل، والظاهر أن آخرهم المهدى، فإنه بملك جميع الأرض، وبعده يقع الهرج، ويدلل لذلك خبر أبى داود (وكلهم تجتمع عليه الأمة) .
إذ قرينته أن من لم تجتمع عليه ليس منهم كيزيد بن معاوية، بخلاف عمر ابن عبد العزيز، بل عد من الخلفاء الراشدين.
وخبر أيضا: (لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش) فكبر الناس وضجوا، فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: (ثم يكون الهرج) .
فإذا تبين أن الخلفاء الإثنى عشر ليسوا على الولاء، وأن آخرهم المهدى، ففيه بشارة لهذا الأمة أن الدين في هذه الأزمان عزيز، قائم ولله الحمد في بلاد الإسلام العامرة، وقد كان شيخ شيوخنا الإمام العلامة القونوى يقول: إن مصر والشام مسجد الأرض، وقد كان آخر القرن السبع، ورأى ما حدث في تلك البلاد من التغير والمنكرات، وهي تدل أنهم ليسوا على الولاء، والخبر الصحيح: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت) .
ومما يدل على تخلل أمراء الجور بين أمراء العدل الحديث الحسن: (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء، ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله) .
ولا ينافي ذلك الحسن أيضا: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يكون ملكا) .
لأن المراد خلافة النبوة الأولى جمعا بين الحديثين على أن الأولى أصح، والمراد بخلافة النبوة الأولى، ومدة الخلفاء الأربعة، فإنها ثلاثون سنة لإنقضائها سنة أربعين من الهجرة، وقد عين بعض الأثنى عشر في حديث: (يكون بعدى أثنا عشر خليفة منهم أبو بكر الصديق، لا يلبث بعدى إلا قليلا، وصاحب رحا دارة العرب، يعيش حميدا، ويموت شهيدا) .
قالوا: ومن هو؟ قال: (عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: إن ألبسك الله ميصا، فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه) رواه الطبراني، وأشار إلى غرابة فيه، والذهبي وقال: العجب من يحيى بن معين مع جلالته ونقده كيف يروى مثل هذا الباطل، ويسكت عنه، واحتج بأن في أحد روانه صاحب منا كير وعجائب، ورد بأن كثيرين وثقوه.
وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن علي - كرم الله وجهه - قال: سمعت أذناى، ووعى قلبى من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (الناس تبع لقريش صالحهم تبع لصالحهم، وشرارهم تبع لشرارهم) .
وصح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام على باب بيت فيه نفر من قريش، وأخذ بعضادني الباب فقال: (هل في البيت إلا قرشي؟) .
فقيل: يا رسول الله غير فلان ابن أختنا.
فقال: (ابن أخت القوم منهم، ثم قال: إن هذا الأمر في قريش، ماإذا استرحموا رحموا، وإذا أقسموا قسطوا) . الحديث.
وصح أيضا خير: (الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا: ما حكموا فعدلوا واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا) الحديث.
وخبر: (الأئمة من قريش إن لهم عليكم حقا، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إذا استرحموا رحموا، وإن عاهدوا فوفوا، وإن حكموا عدلوا) الحديث.
وفي خبر، في سنده غرابة: (الأئمة من قريشن أبرارها أمراء أبرازها، وفجارها أمراء افجارها، ولكل حق، فآتوا كل ذي حق حقه، وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا، ما لم يخير أحدكم بين إسلامه وضرب عنقه، فإذا خبر بين إسلامه وضرب عنقه، فليمدد عنقه ثكلته أمه، فلا دنيا له، ولا آخرة بعد ذهاب دينه) .
وصح: الخلافة، وفي رواية: (الملك في قريش والحكم في الأنصار) .
وفي رواية: (القضاء في الأنصار والدعوة في الحبشة) .
وفي رواية: (الأذان في الحبشة) الحديث.
وفي رواية: (والشرعة في اليمن، والأمانة في الأزد) .
وفي خبر حسن: (الناس تبع لقريش في الخير والشر) .
وفي آخر حسن: (إن خيار أئمة قريش خيار أئمة الناس) .
وروى الطبراني خبر: (أمان لأهل الأرض من الغرق القوس، وأمان لأهل الأرض) .
وفي رواية: (أمتى من الإختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله) .
وفي رواية أنه قال هذا ثلاث مرات: (فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس) في سنده مختلف فيه.
قال الزين العراقي: وأحسن ما قيل قول أبي حاتم الرازي: صالح ليس بالمتين.
وفي خبر حسن: (من يرد هوان قريش أهانة الله) .
وفي رواية سندها حسن أيضا عن عمرو بن عثمان - رضي الله عنهما - أن أباه قال له: يا بني إن وليت من أمر الناس شيئا فأكرم قريشا، فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: (من أهان قريشا أهانة الله) .
وفي رواية: (أهانه الله قبل موته) .
وصح خبر جمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قريشا فقال: (هل فيكم من غيركم؟) قالوا: لا، إلا ابن أختنا وحليفنا ومولانا. فقال: (ابن أختكم منكم، وحليفكم منكم، ومولاكم منكم، إن قريشا أهل أمانة وصدق، فمن بغى لها العواثر كبه الله في النار لوجهه) .
وصح أيضا أن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لعمر: (اجمع لي قومك) فجمعهم عمر عند بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ثم قال: (ألا تسمعون إن أوليائي منكم المتقون، فإن كنتم أولئك فذلك، وإلا فأبصروا، ثم أبصروا يأتين الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال، فيعرض عنكم، ثم رفع يديه فقال: يا أيها الناس إن قريشا أهل أمانة فمن بغى لهم العواثر كبه الله لمنخريه، قالها ثلاث مرات) .
وصح خبر: (لولا تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله) .
وصح أن رجلا نال منهم فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (لا تسين قريشا فإنه لعلك أن ترى منهم رجالا تزدرى عملك مع أعمالهم، وفعلك مع أفعالهم، وتغبطهم إذا رأيتم، لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالذي لهم عند الله تعالى) .
وفي خبر سنده مرسل جيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لخالد بن الوليد يوم فتح مكة: (هذا يوم يذل الله فيه قريشا) فقيل يا رسول الله ألا تسمع ما يقول أبو قتادة، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (مهلا يا أبا قتادة إنك لوزنت حلمك مع حلومهم، لحقرت حلمك مع حلومهم ولوزنت رأيك مع آرائهم لحقرت رأيك مع آرائهم، ولوزنت فعلك مع أفعالهم لحقرت فعلك مع أفعالهم، لا تعلموا قريشا، وتعلموا منهم، فلولا أن تبطر قريش لأخبرتهم بما لهم عند رب العالمين) .
وصح خبر: (إن الرجل من قريش قوة رجلين من غير قريش) أي من حيث الرأي، قاله الزهرى.
وفي حديث حسن: (أيها الناس لا تقدموا قريشا فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنها فتضلوا، ولا تعلموها، وتعلموا منها فإنهم أعلم منكم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله) .
وفي آخر حسن أيضا: (التمسوا الأمانة في قريش، فإن أمين قريش له فضل على أمين من سواهم، وإن قوى قريش له فضل على قوي من سواهم) .
وفي خبر في سنده مقال: (قدموا قريشا، ولا تقدموها، وتعلموا من قريش ولا تعلموها، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لخيارها عند الله) .
وفي خبر حسن: (العلم في قريش، والأمانة في الأنصار) .
وخبر: (الأمانة في الأزد، والحياء في قريش) في سنده مجاهيل. وأخرج الطبراني عن عدى بن حاتم قال: كنت قاعدا عند النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حين جاء من بدر، فقال رجل من الأنصار: وهل لقينا إلا عجائز كالجزر المعلقة فنحرناها، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى رأيته كأنه تفقا فيه حب الرمان، ثم قال: (يا ابن أخي لا تقل ذلك، أولئك الملأ الأكبر من قريش، أما لو رأيتهم في مجالسهم بمكة لهبتم، فوالله لأتيت مكة فرأيتهم قعودا في المسجد في مجالسهم فما قدرت أن أسلم عليهم من هيبتهم، فذكرت قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (لو رأيتهم في مجالسهم لهبتم) .
قال عدى بن حاتم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (يا معشر الناس أحبوا قريشا، فإن من أحب قريشا فقد أحبني، ومن أبغض قريشا، فقد أبغضني، إن الله حبب إلى قومي، فلا أتعجل لهم نعمة، ولا استكثر لهم نعمة، اللهم إنك أذقت أول قريش نكالا، فأذق آخرها نوالا، ألا إن الله تعالى علم ما في قلبي من حبي لقومي فسرني فيهم، قال الله عز وجل: (وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسئَلون) .
فجعل الذكر والشرف لقومي في كتابه: (وَأَنذِر عَشيرَتَكَ الأَقرَبين، وَاِخفِض جَناحَكَ بِمَن اِتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنين) ، يعني قومه، والحمد لله الذي جعل الصديق من قومي، والشهيد من قومي، والأئمة من قومي، إن الله تعالى قلب العباد ظهرا وبطنا فكان خير العرب قريش، وهي الشجرة المباركة التي قال الله تعالى: (مَثَلاً كَلِمَةٍ طَيِّبَىٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) قريش (أَصلُها ثابِتٌ) يقول: أصلها كريم، (وَفَرعُها في السَّماءِ) يقول الذي أشرف شرفهم الله بالإسلام الذي هداهم له، وجعلهم أهله، ثم أنزل فيهم سورة محكمة في كتابه: (لإِيلافِ قُرَيشٍ. إِيلافَهِم رِحلَةَ الشِّتاءَ وَالصَيفِ فَليَعبُدوا رَبَّ هذا البَيتِ الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ، وَآمَنَهُم مِن خَوف) .
قال عدى: ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذكرت عنده قريش بخير قط إلا سر، حتى يبين السرور في وجهه، وكان يتلو هذه الآية ب (وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسئَلون) .
أعل هذا الحديث بأن فيه وهما من بعض رواته، فإن إسلام عدى بن حاتم تم متأخرا، ولم يقدم على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حين جاء من بدر كما وقع في هذا الحديث، وإنما جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة، ولأن في سنده من لا يعرف.
أخرج الطبراني في خبر: (أحبوا قريشا، فإن من أحبهم أحب الله عز وجل) . وفيه عبد المهيمن منكر الحديث.
ومر حديث (حب قريش إيمان، وبغضهم كفر) .
وفي خبر حسن: (بغض بني هاشم والأنصار كفر، وبغض العرب نفاق) .
وفي خبر: قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إن فلانا الثقفي قتل، وقد أسلم، فقال: (أبعده الله إنه كان يبغض قريشا) .
وفي مرسل صحيح ذكر للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رجل من ثقيف مات يوم حنين، وهو كافر، فقال: (أبعده الله، فإنه كان يبغض قريشا) .
لا منافاة بين هذا، وما قبله لاحتمال أنهما رجلان مسلم وكافر، وأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دعا على كل منهما.
وفي حديث آخر في سنده مقال: وقف صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على رجل من ثقيف مقتول فقال: (أبعدك الله، فإن كنت تبغض قريشا بسبع خصال لم يعطها أحد بعدهم، فضل الله قريشا: بأنى منهم، وأن النبوة فيهم، وأن الحجابة فيهم، وأن السقاية فيهم، ونصرهم على الفيل، وعبدوا الله عشرين سنة، لا يعبده غيرهم) .
أي باعتبار الغالب، فلا يرد مثل أبي ذر ممن أسلم قديما وليس منهم، (وأنزل فيهم سورة من القرآن لم تنزل في أحد غيرهم) .
وصح أن صحابيا قال عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - قال: لئن قلت ذلك إن فيهم - أي قريش - خصالا أربعة إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيركم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك) .
وورد نحو هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وجاء عن عمرو موقوفا عليه أيضا: (قريش خالصة لله من نصب لها حربا، أو حاربا سلب، ومن أرادها بسوء خزى في الدنيا والآخرة) .
ومر خبر (واختار من مضر قريشا (.
وخبر (واصطفى من بني كنانة قريشا) .
وخبر (وكانت خيرة الله في قريش) .
وخبر (الدعاء لهم بالنوال والهداية والتفقه في الدين) .
الثانية الأنصار
[عدل][الأوس والخزرج]
صح عن أنس أنه قيل له: أرأيتم اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله؟.
فقال: بل سمانا الله عز وجل.
وأخرج الطبراني أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن الله أيدني بأشد العرب ألسنا وأذرعا يا بني قيلة الأوس والخزرج) .
وأخرج بسند ضعيف أيضا عن أبي واقد الليثي قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأتاه آت فالتقم أذنه، فتغير وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وأثار الدماء في أساريره، وقال: (هذا رسول عامر بن الطفيل يتهددني، ويتهدد من بأزائي، فكفانيه الله بالنبين من ولد إسماعيل بابنى قيلة) يعنى الأنصار.
وصح في البخاري أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رأى نساءهم وصبيانهم مقبلين من عرس فقام، وقال: (اللهم أنتم من أحب الناس إلي) .
وفيه وفي مسلم جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ومعها صبي لها فكلمته، فقال: (والذي نفسي بيده، إنكم لأحب الناس إلى مرتين) .
وصح أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مر ببعض المدينة فإذا الجوارى يضربن بدفهن، ويقلن نحن جوار من بنى النجار يا حبذا محمد من جار.
فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (اللهم بارك فيهن) .
وأخرج الشيخان وغيرهما أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله) .
وأنه قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) .
وصح خبر: (إن هذا الحي من الأنصار حبهم إيمان، وبغضهم نفاق) .
وخبر: (حب الأنصار إيمان، وبغضهم نفاق) .
وخبر: (لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله ورسوله) .
وفي رواية للبزار: (من أحبني أحب الأنصار، ومن أبغضني، فقد أبغض الأنصار، لا يحبهم منافق، ولا يبغضهم مؤمن، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله، الناس دثار، والأنصار شعار ولو سلك الناس شعبا، والأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار) .
وفي خبر حسن: (لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار) .
وفي رواية للطبراني وغيره، فيها غرابة: صعد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (أيها الناس لا صلاة بلا وضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولم يؤمن بالله من لم يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار) .
وصح خبر: (من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله) .
وخبر: (والذي نفسي بيده لا يحب رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى وهو يحبه، ولا يبغض الأنصار رجل حتى يلقى الله تبارك وتعالى وهو يبغضه) .
وصح عن أنس رضى الله تعالى عنه قال: افتخرت الحيان من الأنصار: الأوس والخزرج، فقالت الأوس للخزرج: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب - أي لأنهم غسلوه يوم أحد لموته جنبا، كان يجامع أهله فسمع الدعاء للقتال فخرج، واستشهد - ومنا من اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا من أجيزت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
وثال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل) .
وصح خبر: (من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله) .
وخبر: (من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضى أبغضهم) .
وأخرج الشيخان وغيرهما عن أنس قال: قالت الأنصار يوم فتح مكة: أعطى قريشا، والله إن هذا لهو العجب، سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فدعا الأنصار، وقال: (ما الذي بلغني عنكم؟) وكانوا لا يكذبون، فقالوا: هو الذي بلغك.
فقال: (أو لا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - وكرم ومجد وشرف وعظم وفخر - إلى بيوتكم، لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادى الأنصار أو شعبهم) .
وفي رواية صحيحة: (والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلكت الناس شعبا، والأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار) فبكى الأنصار حتى خضبوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قسما وحظا.
وفي البخارى: (لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت وادى الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار) .
وصح أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال على المنبر: (ألا إن الناس دثار، والأنصار شعار، ولو سلك الناس واديا، وسلك الأنصار واديا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار، فمن ولى أمر الأنصار فليحسن إلى محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم، فقد أفزعني) .
وروى الطبراني في أكبر معاجمه بسند فيه مقال: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قسم غنائم حنين، ففضل كثيرا من قبائل العرب، فبلغه من الأنصار ما سبق، فقال: (يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان، وخصكم بالكرامة، وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأناصر رسوله، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا، وسلكتم واديا لسلكت واديكم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم الشاة والغنم والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم) .
فلما سمعت الأنصار قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قالوا: رضينا. قال: أجيبوني فما قلب؟ قال الأنصار: يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك وصحبك وسلم وجدتنا في ظلمة، وأخرجنا الله بك إلى النور، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك، ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك، فرضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحل.
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتهم، لو قلتم ألم تأتنا طريدا، فآويناك، ومكذوبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وقبلنا ما رد الناس عليك، لو قلتم هذا لصدقتم) .
فقال الأنصار: بل لله المن علينا، والفضل على غيرنا، ثم بكوا وكثر بكاؤهم، وبكى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم معهم.
وفي البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، أيها الناس فإن الناس سيكثرون، وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولى منكم أمرا يضر فيه أحدهم أو ينفعه، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم) .
وأخرج الشيخان عن أنس قال: مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما - بمجلس من مجالس الأنصار، وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصد النبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشى وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقى الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
وفي خبر حسن: كتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال في الأنصار: (اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
وفي آخر حسن أيضا أن أبا سعيد الخدري قال: قال رجل من الأنصار لصحابه: أما والله لقد كنت أحدثكم أنه قد استقامت الأمور، لقد آثر عليكم، فردوا عليه ردا عنيفا، فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فجاءهم، فقال لهم أشياء لا أعرفها، قالوا: بلى يا رسول.
قال: (فكنتم لا تركبون الخيل) ، فكلما قال لهم شيئا، قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: فلما رآهم لا يردون عليه شيئا، قال: (أفلا تقولون خذلك قومك فنصرناك، وأخرجك قومك فآويناك) .
قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله، أنت تقوله.
قال: (يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وتذهبون برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: (ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، الأنصار كرشى، أهل بيتي وعيبتي التي أوبت إليها، فاعفوا عن مسيئهم، واقبلوا من محسنهم) .
وصح أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، واستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال: (إنكم يا معشر المهاجرين تزيدون، والأنصار لا يزيدون، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، أكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، فإنهم قد قضوا الذي عليهم، وبقى الذي لهم) .
وصح أيضا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خرج عاصبا رأسه فقال في خطبيته: (أما بعد. يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) .
وفي رواية: (إن لكل بني عيبة وعيبتي هذا الحي من الأنصار، ولولا الهجرة كنت امرأ من الأنصار، والأنصار شعار، والناس دثار، فمن ملك من الأمر شيئا فليحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم) .
وفي الصحيحين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لما قسم غنائم حنين فأعطى المؤلفة دون الأنصار، وبلغه عنهم ما سبق، قال لهم ما سبق، وفي آخره: (لو سلكت الناس واديا أو شعبا، وسلك الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار، وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدى أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) .
وفي البخاري: (فتجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض) .
وفيهما أن رجلا من الأنصار قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: (ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) .
وفي البخاري أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دعا الأنصار إلى أن يعطيهم البحرين، فقالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال: (إما لا، فاصبروا حتى تلقوني، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة) .
وفي حديث حسن أن أسيد بن حضير من أكابر الأنصار قال للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: جزاكم الله عنا خيرا يا رسول الله.
قال: (وأنتم فجزاكم الله عني خيرا ما علمت أعفة صبر) .
قال: وسمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني) .
وفي حديث حسن غريب: أن الأنصار كانوا إذا وجدوا نخلهم قسم الرجل ثمرة نصفين، أحدهما أقل من الآخر، ثم يجعلون السعف مع أقلتهما، ثم يخبرون المسلمين، فيأخذون أكثرهما، ويأخذ الأنصار أقلهما، من أجل السعف، حتى فتحت خيبر، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (قد وافيتم بالذي كان لنا عليكم، فإن شئتم أن تطيب أنفسكم بنصيبكم من خيبر، وتطيب لكم ثماركم فعلتم) .
فقالوا: فإنه قد كان لكم علينا شروط، ولنا عليكم شروط، بأن لنا الجنة، فقد فعلنا الذي سألتنا على أن لنا شرطنا.
قال: فكذلكم لكم هذا.
وفي آخر حسن غريب أيضا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (أسلمت الملائكة طوعا، وأسلمت الأنصار طوعا، وأسلمت عبد القيس طوعا) .
وفي آخر حسن غريب أيضا: (ألا إن لكل شيء تركة وضيعة، وإن تركني وضيعتي الأنصار، فاحفظوني فيهم) .
ومر في أدعيته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لقبائل العرب ما يتعلق بالدعاء للأنصار، وسيأتي قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (ليس لهم مولى دون الله ورسوله) .
وفي حديث غريب أيضا: (الأنصار أحبائي، وفي الدين إخواني، وعلى الأعداء أعواني) .