كتاب المواقف/موقف الكشف والبهوت
أوقفني في الكشف والبهوت وقال لي انظر إلى الحجب، فنظرت إلى الحجب فإذا هي كل ما بدا وكل ما بدا فيما بدا، فقال انظر إلى الحجب وما هو من الحجب.
وقال لي الحجب خمسة حجاب أعيان وحجاب علوم وحجاب حروف وحجاب أسماء وحجاب جهل.
وقال لي الدنيا والآخرة وما فيهما من خلق وحجاب هو حجاب أعيان وكل عين من ذلك فهي حجاب نفسها وحجاب غيرها.
وقال لي العلوم كلها حجب كل علم من حجاب نفسه وحجاب غيره.
وقال لي حجاب العلوم يرد إلى حجاب الأعيان بالأقوال وبمعاني الأقوال وحجاب الأعيان يرد إلى حجاب العلوم بمعاني الأعيان وبسرائر مجهولات الأعيان.
وقال لي حجاب الأعيان منصوب في حجاب العلوم وحجاب العلوم منصوب في حجاب الأعيان.
وقال لي حجاب الحروف هو الحجاب الحكمي وحجاب الحكم هو من وراء العلوم.
وقال لي لحجاب العلوم ظاهر هو علم الحروف وباطن هو حكم الحروف.
وقال لي عبدي كل عبدي هو عبدي الفارغ من سواي ولن يكون فارغاً من سواي حتى أوتيه من كل شيء فإذا أتيته من كل شيء أخذ إليه باليد التي أمرته أن يأخذ بها ورد إلي باليد التي أمرته أن يرد.
وقال لي إذا لم أوت عبدي من كل شيء فليس هو عبدي الفارغ وإن تفرغ مما أتيته لأنه قد بقي بيني وبينه ما لم أؤته، وإنما عبدي الفارغ إلا مني فهو عبدي الذي آتيته من كل شيء سبباً وأتيته منه علماً وأتيته منه حكماً فرأى الحكم جهرة ثم تفرغ من العلم وتفرغ من الحكم فألقاهما معاً إلي فذاك هو عبدي الفارغ من سواي.
وقال لي لا تبدو الولاية لعبد إلا بعد الفراغ.
وقال لي أتدري ما قلب عبدي الفارغ قلبه بيني وبين الأسماء وذاك هو مقامه الأول الذي هو مهربه وفيه أيته، فأنقله منه إلى رؤيتي فيراني ويرى الاسم والأسماء بين يدي كما يرى كل شيء بين يدي ويرى الاسم لا يملك من دوني حكماً فذاك هو مقام قلب عبدي الفارغ فذاك مقام البهوت وفي البهوت بين يدي أخر ما وقفت القلوب.
وقال لي البهوت صفة من صفات الجبروت.
وقال لي الواقف بحضرتي يرى المعرفة أصنافاً ويرى العلم أزلاماً لانه واقف بين يدي لا بين يدي العلوم فهو يرى العلم قائماً بين يدي أغرس فيه قلب من أشاء وأخرج منه قلب من أشاء، فذاك هو شأني في القلوب إلا قلوبي التي بنيتها لنظري لا لخبري وإلا قلوبي التي صنعتها لحضرتي لا لأمري تلك هي القلوب التي تسري أجسامها في أمري.
وقال لي في العلوم بيت فمنه أحادث العلماء، ولي في المعارف بيت فمنه أحادث الفهماء.
وقال لي البيوت حجب ومن وراء الحجب الأستار ولكل من الأستار مقام فإذا تعرفت إلى قلب من ذلك البيت فلا معرفة له إلا ما أبديت.
وقال لي ما بحضرتي بيوت ولا لأهل حضرتي بيوت، أضعفهم من يخطر له الاسم وإن نفى وأعجزهم من يخطر له الذكر وإن نفى.
وقال لي إذا نفيت الاسم والذكر كان لك وصول، فإذا لم يخطر بك الاسم والذكر كان لك اتصال وإذا كان لك اتصال فأردت كان.
وقال لي إذا أردت أن لا يخطر بك الاسم والذكر فأقم في النفى ينتف لأن النفى بي لا بك فإذا أنتفى أثبتك فثبت لأن الإثبات بي لا بك.
وقال لي إذا وقفت في حضرتي فلا تقف مع الرباني فتحتجب بحجابه ويكون لك كشف ولك حجاب، وإذا رأيت العلم والعلماء في حضرتي فأجلس في حضرتي وخاطبه في حضرتي، فإن لم يتبعك فلا تخرج من حضرتي فيستخرج هو من أقصى علمه ويعلم أنه قد خرج، وإن تبعك فقف به على ما صدق ولا تمش به معك، فإنه لا بد أن يخرج إلى مقامه فإن رجع وحده تاه وإن رجعت معه خرجت من حضرتي فتهت.
وقال لي كل ما يخاطب به العلم والعلماء فهو مكتوب على ما أقصى علم العالم فهو يريد أن يعبره ويعبره وأنت تريد أن تقف فيه فهو لا يقف لأن العبارة والعبور حده فكذلك أنت لا تعبره لأنه مقامك.