كتاب المواقف/موقف العز
أوقفني في العز وقال لي لا يستقل به من دوني شيء، ولا يصلح من دوني لشيء، وأنا العزيز الذي لا يستطاع مجاورته، ولا ترام مداومته، أظهرت الظاهر وأنا أظهر منه فما يدركني قربه ولا يهتدي إلي وجوده، وأخفيت الباطن وأنا أخفي منه فما يقوم علي دليله ولا يصح إلي سبيله.
وقال لي أنا أقرب إلى كل شيء من معرفته بنفسه فما تجاوزه إلي معرفته، ولا يعرفني أين تعرفت إليه نفسه.
وقال لي لولاي ما أبصرت العيون مناظرها، ولا رجعت الأسماع بمسامعها.
وقال لي لو أبديت لغة العز لخطفت الأفهام خطف المناجل، ودرست المعارف درس الرمال عصفت عليها الرياح العواصف.
وقال لي لو نطق ناطق العز لصمتت نواطق كل وصف، ورجعت إلى العدم مبالغ كل حرف.
وقال لي أين من أعد معارفه للقائي لو أبديت له لسان الجبروت لأنكر ما عرف، ولمار مور السماء يوم تمور موراً.
وقال لي إن لم أشهدك عزي فيما أشهد أقررتك على الذل فيه، وقال لي طائفة أهل السموات وأهل الأرض في ذل الحصر، ولي عبيد لا تسعهم طبقات السماء ولا تقل أفئدتهم جوانب الأرض.
أشهدت مناظر قلوبهم أنوار عزتي فما أتت على شيء إلا أحرقته، فلا لها منظر في السماء فتثبته، ولا مرجع إلى الأرض فتقر فيه.
وقال لي خذ حاجتك التي تجمعك علي وإلا رددتك إليها وفرقتك عني.
وقال لي مع معرفتي لا تحتاج، وما أتت معرفتي فخذ حاجتك.
وقال لي تعرفي الذي أبديته لا يحتمل تعرفي الذي لم أبده.
وقال لي لا أنا التعرف ولا أنا العلم، ولا أنا كالتعرف ولا أنا كالعلم.