كتاب الأم/الدعوى والبينات/باب الدعوى في الشراء والهبة والصدقة
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها بمائة درهم، ونقده الثمن، وادعى الآخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم، ونقده الثمن ولم توقت واحدة من البينتين وقتا فإن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده، ويرجع على البائع بنصفه فإذا اختار البيع فهو جائز لهما فإن اختار أحدهما البيع، واختار الآخر الرد فللذي اختار نصفها بنصف الثمن، ولا يكون له كلها إذا وقع الخيار من الحاكم. [قال الربيع]: وفيه قول آخر أن البيع كله مفسوخ بعد الأيمان إذا لم يعرف أيهما أول، ويرجع إلى صاحبها الأول فمن أقر له المالك بأنه باعه أولا فهو للذي باعه أولا، وهو قياس قول الشافعي.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي رجل أو العبد أو الأرض أو الدابة أو الأمة أو الثوب فأقام رجل البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى، ونقده الثمن فادعى آخر أنه اشتراه من رجل، وهو يملكه بثمن مسمى، ونقده الثمن، وأقام على ذلك بينة فإنه يقضي بالثوب للذي هو في يديه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان الثوب في يدي رجل فأقام رجلان عليه البينة كل واحد منهما يقيم البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف درهم أو أنه باعه منه بألف درهم، ولم تقل الشهود إنه ثوبه قال يقضي به بينهما نصفين، ويقضي لكل واحد على المشتري بنصف الثمن لأن كل واحد يستحق نصفه، ولو شهد لكل واحد على إقرار المشتري أنه اشترى منه قضى عليه بالثمن لكل واحد، وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدابة في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها من فلان بمائة درهم، وهو يملكها، ونقده الثمن، وادعى آخر أن فلانا آخر وهبها له، وقبضها منه وهو يومئذ يملكها، وكان معهم من يدعي ميراثا عن أبيه، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة، وادعى آخر صدقة من آخر، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة قال فمن قضى بالبينتين المتضادتين قضي بها بينهم أرباعا، ومن قال أقرع بينهم قضى بها لمن خرجت له القرعة، ومن قال ألغيها كلها إذا تضادت ألغاها كلها. [قال الربيع]: ألغيها كلها إذا تضادت.
[قال الشافعي]: رحمه الله تعالى فإذا كان الكراء بدا فاسدا فعليه كراء مثل الدار فيما سكن بقدر ما سكن.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تنازع الرجلان المال فأنظر أيهما كان أقوى سببا فيما يتنازعان فيه فأجعله له فإذا استوى سببهما فليس واحد منهما بأحق به من الآخر، وهما فيه سواء فإذا تنازعا المال فهما مستويان في الدعوى فإن كان ما يتنازعان فيه في يد أحدهما فللذي هو في يديه سبب أقوى من سبب الذي ليس هو في يديه فهو له مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة فإن أقام الذي ليس في يديه بينة بدعواه قيل للذي هو في يديه البينة العادلة التي لا تجر إلى نفسها بشهادتها، ولا تدفع عنها إذا كانت للمدعي أقوى من كينونة الشيء في يدك من قبل أن كينونته في يدك قد تكون، وأنت غير مالك فهو للذي أقام البينة بفضل قوة سببه على سببك فإن أقاما معا البينة عليه قيل قد استويتما في الدعوى، واستويتما في البينة، وللذي هو في يديه سبب بكينونته في يده هو أقوى من سببك فهو له بفضل قوة سببه، وهذا معتدل على أصل القياس لو لم يكن فيه سنة، وفيه سنة بمثل ما قلنا [أخبرنا الربيع] قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله: (أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله ﷺ للذي هي في يديه)، وهذا قول كل من حفظت عنه ممن لقيت في النتاج، وفيما لا يكون إلا مرة، وخالفنا بعض المشرقيين فيما سوى النتاج، وفيما يكون مرتين فقال إذا أقاما عليه بينة كان للذي ليس هو في يديه، وزعم أن الحجة له أن النبي ﷺ قال: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه)، وزعم أنه لا يخلو خصمان من أن يكون أحدهما مدعيا في كل حالة، والآخر مدعى عليه في كل حالة، ويزعم أن المدعي الذي تقبل منه البينة لا يكون إلا من لا شيء في يديه فأما من في يديه ما يدعي فذلك مدعى عليه لا مدع، ولا نقبل البينة من المدعى عليه فقيل له أرأيت ما ذكرنا، وذكرت من أن رسول الله ﷺ قبل البينة من صاحب الدابة الذي هي في يديه، وقضى له بها، وأبطل بينة الذي ليس هي في يديه لو لم يكن عليك حجة إلا هو أما كنت محجوجا على لسانك أو ما كان يلزمك في أصل قولك أن لا تقبل بينة الذي هي في يديه؟ فإن قال إنه إنما قضى بها للذي في يديه لأنه أبطل البينتين معا لأنهما تكافأتا. قلنا فإن قلته دخل عليك أن تكون البينة حين استوت باطلا. [قال]: ولو أقام على دابة رجل في يديه بينة أنها لكل واحد منهما أبطلته، ولو أقاما بينة على شيء في يد أحدهما من غير نتاج أبطلتها لأنها قد تكافأت، ولزمك في ذلك الموضع أن تحلف الذي في يده الدابة لأنه مدعى عليه كمن لم يقم بينة، ولم تقم عليه [قال]: ولا أقول هذا، وذكر أن إحدى البينتين لا تكون أبدا إلا كاذبة من قبل أن الدابة لا تنتج مرتين. قلنا فإن زعمت أن إحداهما كاذبة بغير عينها فكيف أبطلت إحداهما، وأحققت الأخرى فأنت لا تدري لعل التي أبطلت هي الصادقة، والتي أحققت هي الكاذبة فقل ما أحببت [قال]: فإن قلت هذا لزمني ما قلت، ولكني أسألك. قلت بعد قطعك الجواب قال أسألك قلت: فسل قال أفيخالف الحديث الذي رويتموه في النتاج الحديث عن النبي ﷺ في قوله: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه؟) قلنا: لا قال فمن المدعي، ومن المدعى عليه؟ قلت: المدعى عليه كل من زعم أن شيئا له كان بيديه أو بيدي غيره لأن الدعوى معقولة في كلام العرب أنها قول الرجل هذا لي، والمدعى عليه كل من زعم أن قبله حقا في يديه أو ماله أو قوله لا ما ذهبت إليه. [قال]: فما يدل على ما قلت؟ قلنا ما لا أحسب أحدا يجهله من اللسان [قال]: فما قوله: (البينة على المدعي) قلنا السنة في النتاج، وإجماع الناس أن ما ادعى مما في يديه له حتى تقوم عليه بينة بخلافه يدلان على أن قوله: (البينة على المدعي) يعني الذي لا سبب له يدل على صدقه إلا دعواه، واليمين على المدعى عليه لا سبب يدل على صدقه إلا قوله. [قال]: فأين هذا؟ قلنا من قال لرجل لي في يديك مال ما كان أو عليك حق قلته أو فعلته فقال مالك قبلي، ولا علي حق أليس القول قوله مع يمينه؟ قال: بلى قلنا فهذا يدلك على أن المدعي للبراءة مما ادعي عليه، والمال في يديه هو الذي لا يكلف بينة، وإن كان مدعيا أو يكلف الذي لا سبب له بدعواه البينة أرأيت لو كان هذا حين ادعى البراءة مما ادعي عليه، وادعى الشيء الذي في يديه، وله سبب يدل على صدقه يكلف بينة أما كان الحق لازما له إلا ببينة يقيمها؟ قال فإن قلت هو المدعى عليه أليس هو المدعي؟ قلنا فإذا كان مدعى عليه لم تقبل منه بينة؟ قال نعم قلنا فإن أقام بينة ببراءة من حق دفعه أو بطل عنه بغير وجه الدفع أتقبلها منه؟ قال نعم، وأجعله حينئذ مدعيا قلنا فهو إذا قد يكون في الشيء الواحد مدعيا مدعى عليه، وليس هو هكذا زعمت.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدابة في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها من فلان بمائة درهم، وهو يملكها، ونقده الثمن، وادعى آخر أن فلانا آخر وهبها له، وقبضها منه وهو يومئذ يملكها، وكان معهم من يدعي ميراثا عن أبيه، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة، وادعى آخر صدقة من آخر، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة قال فمن قضى بالبينتين المتضادتين قضي بها بينهم أرباعا، ومن قال أقرع بينهم قضى بها لمن خرجت له القرعة، ومن قال ألغيها كلها إذا تضادت ألغاها كلها. [قال الربيع]: ألغيها كلها إذا تضادت.
[قال الشافعي]: رحمه الله تعالى فإذا كان الكراء بدا فاسدا فعليه كراء مثل الدار فيما سكن بقدر ما سكن.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تنازع الرجلان المال فأنظر أيهما كان أقوى سببا فيما يتنازعان فيه فأجعله له فإذا استوى سببهما فليس واحد منهما بأحق به من الآخر، وهما فيه سواء فإذا تنازعا المال فهما مستويان في الدعوى فإن كان ما يتنازعان فيه في يد أحدهما فللذي هو في يديه سبب أقوى من سبب الذي ليس هو في يديه فهو له مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة فإن أقام الذي ليس في يديه بينة بدعواه قيل للذي هو في يديه البينة العادلة التي لا تجر إلى نفسها بشهادتها، ولا تدفع عنها إذا كانت للمدعي أقوى من كينونة الشيء في يدك من قبل أن كينونته في يدك قد تكون، وأنت غير مالك فهو للذي أقام البينة بفضل قوة سببه على سببك فإن أقاما معا البينة عليه قيل قد استويتما في الدعوى، واستويتما في البينة، وللذي هو في يديه سبب بكينونته في يده هو أقوى من سببك فهو له بفضل قوة سببه، وهذا معتدل على أصل القياس لو لم يكن فيه سنة، وفيه سنة بمثل ما قلنا [أخبرنا الربيع] قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله: (أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله ﷺ للذي هي في يديه)، وهذا قول كل من حفظت عنه ممن لقيت في النتاج، وفيما لا يكون إلا مرة، وخالفنا بعض المشرقيين فيما سوى النتاج، وفيما يكون مرتين فقال إذا أقاما عليه بينة كان للذي ليس هو في يديه، وزعم أن الحجة له أن النبي ﷺ قال: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه)، وزعم أنه لا يخلو خصمان من أن يكون أحدهما مدعيا في كل حالة، والآخر مدعى عليه في كل حالة، ويزعم أن المدعي الذي تقبل منه البينة لا يكون إلا من لا شيء في يديه فأما من في يديه ما يدعي فذلك مدعى عليه لا مدع، ولا نقبل البينة من المدعى عليه فقيل له أرأيت ما ذكرنا، وذكرت من أن رسول الله ﷺ قبل البينة من صاحب الدابة الذي هي في يديه، وقضى له بها، وأبطل بينة الذي ليس هي في يديه لو لم يكن عليك حجة إلا هو أما كنت محجوجا على لسانك أو ما كان يلزمك في أصل قولك أن لا تقبل بينة الذي هي في يديه؟ فإن قال إنه إنما قضى بها للذي في يديه لأنه أبطل البينتين معا لأنهما تكافأتا. قلنا فإن قلته دخل عليك أن تكون البينة حين استوت باطلا. [قال]: ولو أقام على دابة رجل في يديه بينة أنها لكل واحد منهما أبطلته، ولو أقاما بينة على شيء في يد أحدهما من غير نتاج أبطلتها لأنها قد تكافأت، ولزمك في ذلك الموضع أن تحلف الذي في يده الدابة لأنه مدعى عليه كمن لم يقم بينة، ولم تقم عليه [قال]: ولا أقول هذا، وذكر أن إحدى البينتين لا تكون أبدا إلا كاذبة من قبل أن الدابة لا تنتج مرتين. قلنا فإن زعمت أن إحداهما كاذبة بغير عينها فكيف أبطلت إحداهما، وأحققت الأخرى فأنت لا تدري لعل التي أبطلت هي الصادقة، والتي أحققت هي الكاذبة فقل ما أحببت [قال]: فإن قلت هذا لزمني ما قلت، ولكني أسألك. قلت بعد قطعك الجواب قال أسألك قلت: فسل قال أفيخالف الحديث الذي رويتموه في النتاج الحديث عن النبي ﷺ في قوله: (البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه؟) قلنا: لا قال فمن المدعي، ومن المدعى عليه؟ قلت: المدعى عليه كل من زعم أن شيئا له كان بيديه أو بيدي غيره لأن الدعوى معقولة في كلام العرب أنها قول الرجل هذا لي، والمدعى عليه كل من زعم أن قبله حقا في يديه أو ماله أو قوله لا ما ذهبت إليه. [قال]: فما يدل على ما قلت؟ قلنا ما لا أحسب أحدا يجهله من اللسان [قال]: فما قوله: (البينة على المدعي) قلنا السنة في النتاج، وإجماع الناس أن ما ادعى مما في يديه له حتى تقوم عليه بينة بخلافه يدلان على أن قوله: (البينة على المدعي) يعني الذي لا سبب له يدل على صدقه إلا دعواه، واليمين على المدعى عليه لا سبب يدل على صدقه إلا قوله. [قال]: فأين هذا؟ قلنا من قال لرجل لي في يديك مال ما كان أو عليك حق قلته أو فعلته فقال مالك قبلي، ولا علي حق أليس القول قوله مع يمينه؟ قال: بلى قلنا فهذا يدلك على أن المدعي للبراءة مما ادعي عليه، والمال في يديه هو الذي لا يكلف بينة، وإن كان مدعيا أو يكلف الذي لا سبب له بدعواه البينة أرأيت لو كان هذا حين ادعى البراءة مما ادعي عليه، وادعى الشيء الذي في يديه، وله سبب يدل على صدقه يكلف بينة أما كان الحق لازما له إلا ببينة يقيمها؟ قال فإن قلت هو المدعى عليه أليس هو المدعي؟ قلنا فإذا كان مدعى عليه لم تقبل منه بينة؟ قال نعم قلنا فإن أقام بينة ببراءة من حق دفعه أو بطل عنه بغير وجه الدفع أتقبلها منه؟ قال نعم، وأجعله حينئذ مدعيا قلنا فهو إذا قد يكون في الشيء الواحد مدعيا مدعى عليه، وليس هو هكذا زعمت.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تداعى الرجلان الشيء، وهو في يد أحدهما دون الآخر فأقاما معا عليه بينة فالبينة بينة الذي هو في يديه إذا كانت البينة مما يقضى بمثله مثل شاهد وامرأتين أو شاهدين فأقام الآخر عشرة وأكثر فسواء لأنا نقطع بهؤلاء كما نقطع بهؤلاء، وسواء كان بعضهم أرجح من بعض لأنا نقطع بالأدنيين إذا كانوا عدولا مثل ما يقطع بالأعليين ألا ترى أنا لا ننقص صاحب الأدنيين لو أقامهما على الانفراد عما يعطى صاحب الأعليين لو أقامهما على الانفراد؟ فإذا كان الحكم بهم واحدا فسببهما من جهة البينتين مستو، وقال في الإبل، والبقر، وجميع الدواب الضواري المفسدة للزرع أنه لا حد، ولا نفي على بهيمة، وقد قضى رسول الله ﷺ فيما أفسدت المواشي أنه ضامن على أهلها، وقضى على أهل الأموال بحفظها بالنهار، وقضاؤه عليهم بالحفظ لأموالهم بالنهار إبطال لما أصابت في النهار، وتغريم لما أصابت في الليل، وفي هذا دلالة على أنها لا تباع على أهلها، ولا تنفى من بلدها، ولا تعقر، ولا يعدى بها ما قضى به النبي ﷺ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل للرجل بشيء ما كان من ذهب أو فضة أو عرض من العروض فوصل إقراره بشيء من الكلام من معنى الإقرار بصفة لما أقر به أو أجل فيما أقر به فالقول قوله في أول الكلام وآخره، وذلك مثل أن يقول له علي ألف درهم سوداء أو طبرية أو يزيدية أو له علي عبد من صفته أو طعام من صفته أو ألف درهم تحل في سنة أو سنتين فالقول قوله في هذا كله لأني إذا لم أثبت عليه من هذا شيئا إلا بقوله لم يجز أن أجعل قولا واحدا أبدا إلا حكما واحدا لا حكمين. ومن قال أقبل قوله في الدراهم، وأجعل ذكره الأجل دعوى منه لا أقبلها إلا ببينة لزمه أن يقول إذا أقر بألف درهم كانت نقد البلد الذي أقر به فإن أقر به فإن وصل إقراره بأن يقول طبرية جعلته مدعيا لأنه قد نقص من وزن ألف درهم، ومن أعيانها، وإن أقر بطعام فزعم أنه طعام حولي جعلت عليه طعاما جديدا، ولزمه أن يقول لو قال له علي ألف درهم إلا عشرة يلزمه ألف، ويبطل الثنيا، ولزمه لو قال امرأته طالق ثلاثا إلا واحدة أن يقع الثلاث، ويبطل الثنيا في الواحدة، ولزمه لو قال رقيقي أحرار إلا واحدا أن يكونوا أحرارا، ويبطل الثنيا، ولكنه لو قال علي ألف درهم ثم سكت وقطع الكلام ثم قال إنما عنيت ألف درهم إلا عشرة ألزمناه إقراره الأول، ولم نجعل له الثنيا إذا خرج من الكلام، ولو جعلناه له بعد خروجه من الكلام وقطعه إياه جعلناه له بعد أيام، وبعد زمان، وإن قال لك علي ألف درهم من ثمن متاع بعتنيه أو وديعة أو سلف، وقال إلى أجل فسواء، وهي إلى الأجل إلا في السلف فإن السلف حال، الوديعة حالة فلو أن رجلا أسلف رجلا ألف درهم إلى سنة كانت حالة له متى شاء أن يأخذ السلف لأن السلف عارية لم يأخذ بها المسلف عوضا فلا يكون له أخذها قبل ما شرط المسلف فيها، وهكذا الوديعة، وجميع العارية من المتاع، وغيره فلصاحبه أخذه متى شاء، وسواء غر المعار أو المسلف من شيء أو لم يغره إلا أن الذي يحسن في هذا مكارم الأخلاق، وأن يفي له فأما الحكم فيأخذها متى شاء، وإذا كان للرجل على الرجل الدين إلى أجل من الآجال قريب أو بعيد فأراد الذي عليه الدين السفر، وسأل الذي له الدين أن يحبس عن سفره، وقال سفره بعيد، والأجل قريب أو يؤخذ له كفيل أو رهن لم يكن ذلك له، وقيل إذا حل الأجل طلبته حيث كان أو ماله فقضى لك فيه من يرى القضاء على الغائب، ومالك حيث وضعته، وكما وضعته لا يحيله عما تراضيتما به خوف ما لا يدري يكون أو لا أنت ترضى أن تكون أعطيته إياه لا سبيل لك عليه فيه إلى الأجل ثم نجعل لك عليه السبيل قبل الأجل، ولسنا نعطي بالخوف ما لم يكن لما أعطيته، ولا ترضى ذمته، ونأخذ لك مع ذمته رهنا، وجميلا به، وكذلك لو بعته متاعا إلى أجل فلم تدفعه إليه حتى تعلم أنه غير مليء جبرناك على دفعه إليه، ولم نفسخ بينكما البيع حتى يحل الأجل فيكون مفلسا لأنه قد يمكن أن يوسر قبل الأجل.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أقر الرجل للرجل بشيء ما كان من ذهب أو فضة أو عرض من العروض فوصل إقراره بشيء من الكلام من معنى الإقرار بصفة لما أقر به أو أجل فيما أقر به فالقول قوله في أول الكلام وآخره، وذلك مثل أن يقول له علي ألف درهم سوداء أو طبرية أو يزيدية أو له علي عبد من صفته أو طعام من صفته أو ألف درهم تحل في سنة أو سنتين فالقول قوله في هذا كله لأني إذا لم أثبت عليه من هذا شيئا إلا بقوله لم يجز أن أجعل قولا واحدا أبدا إلا حكما واحدا لا حكمين. ومن قال أقبل قوله في الدراهم، وأجعل ذكره الأجل دعوى منه لا أقبلها إلا ببينة لزمه أن يقول إذا أقر بألف درهم كانت نقد البلد الذي أقر به فإن أقر به فإن وصل إقراره بأن يقول طبرية جعلته مدعيا لأنه قد نقص من وزن ألف درهم، ومن أعيانها، وإن أقر بطعام فزعم أنه طعام حولي جعلت عليه طعاما جديدا، ولزمه أن يقول لو قال له علي ألف درهم إلا عشرة يلزمه ألف، ويبطل الثنيا، ولزمه لو قال امرأته طالق ثلاثا إلا واحدة أن يقع الثلاث، ويبطل الثنيا في الواحدة، ولزمه لو قال رقيقي أحرار إلا واحدا أن يكونوا أحرارا، ويبطل الثنيا، ولكنه لو قال علي ألف درهم ثم سكت وقطع الكلام ثم قال إنما عنيت ألف درهم إلا عشرة ألزمناه إقراره الأول، ولم نجعل له الثنيا إذا خرج من الكلام، ولو جعلناه له بعد خروجه من الكلام وقطعه إياه جعلناه له بعد أيام، وبعد زمان، وإن قال لك علي ألف درهم من ثمن متاع بعتنيه أو وديعة أو سلف، وقال إلى أجل فسواء، وهي إلى الأجل إلا في السلف فإن السلف حال، الوديعة حالة فلو أن رجلا أسلف رجلا ألف درهم إلى سنة كانت حالة له متى شاء أن يأخذ السلف لأن السلف عارية لم يأخذ بها المسلف عوضا فلا يكون له أخذها قبل ما شرط المسلف فيها، وهكذا الوديعة، وجميع العارية من المتاع، وغيره فلصاحبه أخذه متى شاء، وسواء غر المعار أو المسلف من شيء أو لم يغره إلا أن الذي يحسن في هذا مكارم الأخلاق، وأن يفي له فأما الحكم فيأخذها متى شاء، وإذا كان للرجل على الرجل الدين إلى أجل من الآجال قريب أو بعيد فأراد الذي عليه الدين السفر، وسأل الذي له الدين أن يحبس عن سفره، وقال سفره بعيد، والأجل قريب أو يؤخذ له كفيل أو رهن لم يكن ذلك له، وقيل إذا حل الأجل طلبته حيث كان أو ماله فقضى لك فيه من يرى القضاء على الغائب، ومالك حيث وضعته، وكما وضعته لا يحيله عما تراضيتما به خوف ما لا يدري يكون أو لا أنت ترضى أن تكون أعطيته إياه لا سبيل لك عليه فيه إلى الأجل ثم نجعل لك عليه السبيل قبل الأجل، ولسنا نعطي بالخوف ما لم يكن لما أعطيته، ولا ترضى ذمته، ونأخذ لك مع ذمته رهنا، وجميلا به، وكذلك لو بعته متاعا إلى أجل فلم تدفعه إليه حتى تعلم أنه غير مليء جبرناك على دفعه إليه، ولم نفسخ بينكما البيع حتى يحل الأجل فيكون مفلسا لأنه قد يمكن أن يوسر قبل الأجل.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا مات لرجل شاة أو بعير أو دابة فاستأجر من يطرحها بجلدها فالإجارة فاسدة فإن تراجعا قبل طرحها فسخناها، وإن طرحها جعلنا له أجر مثله، ورددنا الجلد إن كان أخذه على مالك الدابة الميتة فإن قال قائل، ومن أين تفسد؟ قيل من وجهين أحدهما أن جلد الميتة لا يحل بيعه ما لم يدبغ فالإجارة لا تحل إلا بما يحل بيعه، ومن قبل أنه لو كان جلد ذكي لم يحل بيعه، وهو غير مسلوخ من قبل أنه قد يتلف، ويعاب في السلخ، ويخرج على غير ما يعرف صاحبه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو وجب لرجل على رجل قصاص في قطع يد أو جرح غيره أو نفس هو وليها فقال الذي له القصاص قد صالحتك مما لي عليك من القصاص على أرشه، وقال الذي عليه القصاص ما صالحتك والقصاص لك فإن شئت فخذه، وإن شئت فدعه، قلنا للمدعي الصلح أنت في أصل ما كان لك كنت غنيا عن الصلح لأن أصل ما وجب لك الخيار بين أن تقتص وبين أن تأخذ الأرش مكانك حالا في مال الجاني، وتدع القصاص فلا يبطل ذلك لك بقولك صالحتك، ولكن من زعم أنه كان له القصاص، ولم يكن له إلا القصاص، ولم يكن له أن يأخذ ما لا أبطل القصاص عن الذي وجب عليه القصاص بأن المدعي زعم أنه قد أبطل حقه فيه إذ قال قد عفوته على مال، وأنكر الذي عليه القصاص المال فعليه اليمين، وإذا أقام البينة على الشيء في يدي الرجل فسأل المقام عليه البينة الحاكم أن يحلفه له مع بينته لم يكن له إحلافه مع البينة إذا كان اثنان فصاعدا، فإن قال قد علم غير ما شهدت به بينته من أنه قد أخرجه إلى من ملكه بوجه من الوجوه أو قد أخرجه إلى من أخرجه إلي فعليه اليمين لأن هذه دعوى غير ما قامت به البينة لأن البينة قد تكون صادقة بأنه له بوجه من الوجوه، ويخرجه هو بلا علم البينة فتكون هذه يمينا من غير جهة ما قامت عليه البينة فإذا شهد شاهدان لرجل أن هذه الدار داره مات، وتركها ميراثا، وورثه فلان وفلان لا وارث له غيرهما فالشهادة جائزة، وقد كان ينبغي أن يتوقيا فيقولان لا نعلمها خرجت من يده. ولا نعلم له وارثا لأنه قد يمكن أن تكون خرجت من يديه بغير علمهما، ويدعي وارثا بغير علمهما غير من سميا فإنما أجزنا الشهادة على البت، وقد يمكن خلافه بمعنى أن البت فيها هو العلم، وذلك أنه لا يعلم هذا شاهد أبدا، ولا ينبغي في هذا غير هذا، وإلا تعطلت الشهادات ألا ترى أني قبلت قول الشاهد إن هذه الدار داره لم يزد على هذا فقد يمكن أن تكون غير داره بكل وجه بأن يخرجها هو من ملكه أو يكون ملكها عن غير مالك أو غصبها ألا ترى أني أجيز الأيمان على الأمر قد يمكن غيره في القسامة التي لم يحضرها المقسم، وفي الحق يكون لعبد الرجل وابنه، ويجيزها من خالفنا على البت فيحلف الرجل لقد باع هذا العبد بريئا من الإباق، وبريئا من العيوب، وقد يمكن أن يكون أبق بغير علمه، ويكون عنده هذا العيب بغير علمه، وأقبل الشهادة على البت والعلم معا، ومعنى البت معنى العلم إذا كان لا يمكن في البت إلا العلم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وللرجل أن يكري داره، ويؤاجر عبده يوما وثلاثين سنة لا فرق بين ذلك وذلك أنه إذا كان مسلطا على أن يخرج رقبة داره، ورقبة عبده إلى غيره بعوض، وغير عوض لم يكن ممنوعا أن يخرج إليه منفعتهما ومنفعتها أقل من رقابهما.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإذا أقر الرجل لقوم أن أباهم كان أسلفه مالا، وأنه قد قضاه والدهم أو الرجل يقر بالدين للرجل عليه عند القوم على وجه الشكر للذي أسلفه يحمده بذلك أنه قد أقرضه، وقضاه قال الربيع لم يجئ بالجواب.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار بعشرين دينارا على أن الدار إن احتاجت إلى مرمة رمها المكتري من العشرين الدينار قال أكره هذا الكراء من قبل شيئين أحدهما أن يكون المكتري أمين نفسه إن أراد المكري أن يرمها، ويمنع المكتري أن يرمها كان لم يف له بشرطه، وإن جبرت المكري على أن يرمها المكتري كان قد يرمها بالقليل والكثير، ولم يعقد له وكالة على شيء يعرفه بعد ما كان، والوجه الآخر أنها قد تحتاج إلى مرمة لا يضر بالساكن تركها، وإنما يلزم رب الدار مرمة ما يضر بالساكن تركه فإن وقع الكراء على هذا فسخناه قبل السكن وبعده، وقبل النفقة وبعدها فإن أنفق فيها أقل من عشرين دينارا كان القول قوله مع يمينه، فإن بلغ العشرين أو زاد عليها فهو متعد فإن كان أدخل فيها ما ليس منها قيل له انقضه فأخرجه إن شئت، وإن شئت فدعه، وعليه كراء مثل الدار إذا سكن.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل دارا في يدي رجل فأقام البينة أنها دار أبيه كان أصح للبينة أن تشهد أنه مات وتركها ميراثا فإن لم يشهدوا بها، وشهدوا أنها دار أبيه كان يملكها لا يزيدون على ذلك قضينا لأبيه، ولا ندفع إليه ميراثه، وإن كان أبوه حيا تركنا الدار في يدي الذي هي في يديه حتى يوكل أو يحضر فينظر ما يقول، فإن مات أبوه أو كان يوم شهدت البينة ميتا كلفنا ابنه البينة على عدد ورثته ثم قضينا بها لهم على قدر مواريثهم فإن جاء بالبينة أن أباه مات، ولم يأت بالبينة على عدد ورثته وقفناها، وعرفنا غلتها حتى تعرف ورثته فإن ادعوها دفعناها إليهم وغلتها فإن ادعاها بعضهم، وكذب بعضهم الشهود رددنا حصة من أكذب الشهود من الدار والغلة، وأنفذنا حصة من ادعى.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا قال رجل من دخل المسجد فهو ابن الفاعلة فبئس ما قال، ولا حد عليه، ولو كان المسجد جامعا يصلي فيه انبغى أن يعزر، وإنما منعنا من حده أنه لم يقصد قصد أحد بعينه بفرية، وأنه قد يمكن أن لا يدخل المسجد من له حد فرية، وهكذا لو قال من رماني بحجر أو شتمني أو أعطاني درهما أو أعانني فهو ابن كذا وكذا لم يكن في هذا حد، وإنما قلت هذا من قبل أنه قال من فعل بي من قبل أن يفعل به، وهذا قياس على العتق قبل الملك.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإن أصيب رجل برمية فشجه موضحة فقال من رماني فهو ابن كذا لفرية فقال رجل أنا رميتك صدق على نفسه، وكان عليه أرش الشجة أو القصاص فيها إن كان عمدا أو الأرش إن كان خطأ، ولا يصدق على الذي افترى عليه إن قال المفتري المشجوج ما قصدت قصد هذا بفرية، ولا علمته رماني، وإذا أقر لي بأنه شجني فأنا آخذ منه أرش شجتي، وإن قال قد علمت حين رماني أنه رماني فافتريت عليه بعد العلم لم آخذ منه حقه في الشجة، ولا حد له، فإن قال قائل لم لا تحده وقد كان الكلام بعدما كان الفعل؟ قيل إن الكلام كان غير مقصود به القذف، وقد قال الله تبارك وتعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فكان بينا أن المأمور بجلده ثمانين هو من قصد قصد محصنة بقذف لا من وقع قذفه على محصنة بحال، ألا ترى أنه لو كان يحد من كان لم يقصد قصد القذف إذا وقع القذف بمثل ما تقع به الأيمان فقال قائل إن كان خرج رجل من الكوفة ثم قدم عليها الساعة فهو ابن كذا فقدم تلك الساعة رجل حر مسلم كان عليه الحد من قبل أن القذف كان بعد خروجه من الكوفة، وكان القدوم بعده، والقدوم لا يكون إلا والخروج متقدم له قبل الكلام بالقذف، وهذا لا حد عليه من قبل أنه يمكن أن لا يقدم في تلك الساعة، وأنه لم يقصد قصده بقذف، ولو كان الحد يقع بما تقع به الأيمان كان الرجل لو قال: غلامي حر إن ضربني أو إن أطاعني أو إن عصاني ففعل من هذا شيئا كان حرا، ولو قال من ضربني فهو ابن كذا فضربه رجل لم يكن عليه حد، ولا يجوز فيه، والله تعالى أعلم إلا ما قلت من أنه إنما يكون الحد على من قصد قصد أحد بالفرية أو يكون الحد على من وقعت فريته بحال كما تقع الأيمان.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا تجوز شهادة النساء مع الرجال ولا منفردات إلا في موضعين أن يشهدن على مال لا غيره مع رجل أو يشهدن على ما يغيب من أمر النساء منفردات فإن شهدت امرأتان مع رجل أنهما سمعتا فلانا يقر بأن هذا ابنه لم تجز شهادتهن لأن هذا لا يثبت به مال إلا وقد تقدمه ثبوت نسب، وليس تجوز شهادتهن على الأنساب، ولا في موضع إلا حيث ذكرت، وإذا لم يثبت له النسب لم نعطه المال.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أقام الرجل البينة أن هذه الدار التي في يدي هذا الرجل دار أبيه مات حرا مسلما، وتركها ميراثا غير أنا لا نعرف كم عدد ورثته، ونشهد أن هذا أحدهم قضينا بها للميت على الذي هي في يديه لأنا نقضي للميت بمحضر الوارث الواحد، ونقف حق الغيب حتى يأتوا أو يوكلوا أو يموتوا فتقوم ورثتهم مقامهم، ونقف هذه الدار ونستغلها، ولا نقضي لهذا الحاضر منها بشيء لأنا لا ندري أحصته منها الكل أو النصف أو جزء من مائة جزء أو أقل، ولا يجوز أن يكون نعطيه شيئا، ونحن لا ندري لعله ليس له، وإن قامت بينة أعطيناه بما شهدت به البينة، وسلمنا له حصته من الغلة والدار فإن لم تقم بينة كان ذلك موقوفا، وسواء طال الزمان في ذلك أو قصر فإن قال قائل أفرأيت الرجل يموت وعليه الدين فتحضر غرماؤه فيثبتون على ديونهم، ويحلفون، وتصح في دينه كيف تقضي لهؤلاء، وأنت لا تدري لعل له غرماء لهم أكثر مما لهؤلاء فلا يصيب هؤلاء مثل ما تقضي لهم فإن جاء غيرهم من غرمائه أدخلتهم عليهم؟ قيل لافتراق الدين والميراث، فإن قال قائل فأين افتراقهما؟ قيل الدين في ذمة من عليه الدين حيا كان أو ميتا يجب في الحياة مثل الذي يجب في الوفاة، ولا يخرج ذو الدين حيا كان أو ميتا فيما بينه وبين الله عز وجل، ولا في الحكم إلا أن يؤدي دينه، ولو كان حيا فدفع إلى أحد غرمائه دون غيره من غرمائه كان ذلك جائزا للمدفوع إليه لأن أصل الدين في ذمته، وأهل الدين أحق بمال ذي الدين حيا كان أو ميتا منه ومن ورثته بعده، والدين مطلق كله لا بعضه في ذمته، والورثة ليسوا يستحقون، وذو المال على شيء، وإنما نقل الله عز وجل إليهم ما كان الميت مالكا الفضل عن الدين، وأدخل عليهم أهل الوصايا فإن وجدوا فضلا ملكوا ما وجدوا بما فرض الله عز وجل لهم لا بشيء كان في ذمة الميت، وإن لم يجدوا لم يكن في ذمة الميت لهم شيء، ولم يكن آثما بأن لم يجدوا شيئا، ولا متبوعا كما يكون متبوعا بالدين فلما لم يكن لهم في ذمة الميت شيء يتبع به بكل حال، وكان إنما فرض لهم شيء لا يزادون عليه، ولا ينقصون منه، إنما هو جزء مما وجدوا قل أو كثر فلم يكن ثم أصل حق يعطون به إلا على ما وصفت لم يجز لهم أن يكون الملك منقولا إلى واحد منهم إلا وملكه معروف، وإن ورد هذا على الحاكم كشفه، وكتب إلى البلد الذي انتوى به الميت، وطلب له وارثا، فإن لم يجده فإنما ماله موقوف فندعوا الطالب لميراثه بثقة كمن يرضى هو أن يقف الأموال على يديه فإذا ضمن عنه ما دفع إليه دفعه إليه، ولم يكن هذا ظلما لغائب إن جاء، ولا حبسا عن حاضر، وإذا كان المال مضمونا على ثقة كان خيرا للغائب من أن يكون أمانة عند ثقة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أقام الرجل البينة أن أباه مات وترك هذه الدار، وأنه لا وارث لأبيه غيره قضى له بالدار، ولم يؤخذ منه بذلك كفيل، والله تعالى الموفق.