انتقل إلى المحتوى

عبقرية عمر (المكتبة العصرية)/عمر والدولة الإسلامية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


عمر والدولة الإسلامية

تأسست الدولة الاسلامية في خلافة أبي بكر رضي الله عنه لأنه وطد العقيدة وسير البعوث . فشرع السنة الصالحة في توطيد١ العقيدة بين العرب بما صنعه في حرب الردة ، وشرع السنة الصالحة في تأمين الدولة أعدائها بتيسير البعوث وفتح الفتوح . فكان له السبق على خلفاء الاسلام في هذين العملين الجليلين.

الا اننا نسمى عمر مؤسسا للدولة الاسلامية بمعنى آخر غير معنی السبق في أعمال الخلافة . لأننا « أولا» لا نجد مكانا في التاريخ أليق به من مكان المؤسسين للدول العظام

ولأننا من جهة أخرى لا نربطه بين التأسيس وولاية الخلافة في اقامة دولة كالدولة الاسلامية . اذ الشأن الأول فيها للعقيدة التي تقوم عليها وليس للتوسع في الغزوات والفتوح . وعمر كان على نحو من الأنحاء مؤسسة الدولة الاسلام قبل ولايته الخلافة بسنين ، بل كان مؤسسا لها منذ أسلم ، فجهر بدعوة الإسلام وأذانه ، وأعزها بهيبته وعنفوانه . وكان مؤسسا لها يوم بسط يده إلى أبي بكر، فبايعه بالخلافة، وحسم الفتنة التي أوشكت أن تعصف بأركانها ، وكان مؤسسا لها أشار على أبي بكر بجمع القرآن الكريم ، وهو في الدولة الاسلامية دستور الدساتير ودعامة الدعائم ، ولم يزل يراجع أبا بكر في دلك ، حتى استدعی زيد بن ثابت كاتب الوحي، فأمره أن يتتبع آي القرآن ليجمعها من الرقاع والاكتاف والعسب٢ وصدور الرجال ، فكان ذلك أول الشروع في الكتاب..

جمع هذا إلى أن أبا بكر رضي الله عنه أسس، ولم يتسع له الأجل حتى فرع من عمله ، وجاء عمر بعده فأتم عمله وأقام الأساس ثم أقام عليه البناء .. وكانت قدرته على التأسيس هي آية الآيات فيه ، وفي ذلك العصر البداوة البادية٣، لأنه التفت الى مواضعه الخليقة ٤ بالاهتمام والتقديم كأنه راجع تاريخ عشرين دولة مستفيضة الملك راسخة العمران . وهي قدرة تروعنا وتدهشنا لو شهدناها من ملك ترني على الملك ، وسلفه على عرشه سمط٥ من الملوك ، وأولى أن تروعنا وتدهشنا من رجل البادية الذي يقدم على أمر جديد ، لم تعنه فيه السوابق : ولم يهتد فيه الا بما أختار هو أن يهتدي اليه..

فبعد جمع القرآن لا نعرفه عملا يقترن به ويلازمه ويعد من أسس الدولة العربية كالعمل على تصحيح اللغة وحفظها من الخلط والفساد وكلاهما عمل لا يفطن اليه الا من طبع على سليقة التأسيس وأخذ بها من أصولها . وكلاهما فطن اليه هذا المؤسس الكبير على أهون ما يكون من البساطة والسهولة . فأشار بوضع علم النحو كما أشار بجمع آي القرآن ، وكان أثره في تدعيم الدولة الأدبية كأثره في تدعيم دولة الغزوات والفتوح..

وندر في الدولة الإسلامية من نظام لم تكن له أولية .. فيه فافتتح تاريخا ، واستهل حضارة ، وأنشأ حكومة ورتب لها الدواوين ونظم فيها أصول القضاء والإدارة ، واتخذ لها بيت مال ووسل بين أجزائها بالبريد ، وحمى ثغورها بالمرابطين ، وصنع كل شيء في الوقت الذي ينبغي أن يصنع فيه ، وعلى الوجه الذي يحسن به الابتداء . فأوجز ما يقال فيه أنه وضع دستورا لكل شيء وتركه قائما على أساس لمن شاء أن يبني عليه..

وملاك٦ النظم الحكومية كلها نظام الشورى الذي أقامه عمر على أحسن ما يقام عليه في زمانه ، فجمع عنده نخبة الصحابة للمشاورة والاستفتاء ، ومن بهم على العمالة في أطراف الدولة ، تنزيها لأقدارهم وانتفاعا برأيهم واعتزازا بتأييدهم له و معاونتهم اياه فيما تولاه من ثواب أو عقاب بها- ما وكان عمر لهم {1} يحسن الموازنة بين ومن يقبل وجعل موسم الحج موسما عاما للمراجعة والمحاسبة واستطلاع الآراء في أقطار الدولة من أقصاها إلى أقصاها : يفد فيه الولاة والعمال لغرض حسابهم وأخبار ولايتهم ، ويفد فيه أصحاب المظالم والشكايات لبسط شکیه ، ويفد فيه الرقباء الذين كان يبثهم في أنحاء البلاد المراقبة الولاة والعمال فهي « جمعية عمومية » كأوفي ما تكون الجمعيات العمومية في عصر من العصور يستشير جميع هؤلاء ويشير عليهم ، ويستمع ويسمعهم ، ويتوخي في جميع ذلك تمحيص الرأي وابراء الذمة والخلوص الى التبعة السليمة من العقابیل" وان أضعف الناس رأيا لمن يستضعف فضل الأمبر عمل تولاه ، لأنه عمله بمشاورة غيره فان باب المشاورة مفنوح لكل انسان ، وليس كل اسان مع ذلك بالذي يريد أن يستشير ، أو بالذي يعرف كيف يستشير اذا أراد ، أو بالذي الآراء أن عرف من يستشير مشورتهم في حالة ويرفضها في حالة أخرى ان المشاورة لفن" عسير .. وان الذي ينتفع بمشورة غيره لاقدر ممن يشير عليه وقد كان عمر عبقرى هذا الفن الذي لا يجاري. وكان من بدعه الملهمة في هذا الفن العسير أنه لم يلتمس الرأي عند أهل الحنكة والخبرة وكفى ، بل كان يلتمسه كذلك عند أهل الحدة والنشاط ممن يناقضون أولئك في الشعور والتفكير فكان كما روی یوسف بن الماجشون : « اذا أعياه الأمر المعضل دعا الأحداث فاستشارهم لحدة عقولهم » وانه الالهام في فن الاستشارة لا يلهمه الا صاحب رأي أصيل . فمن الرأي الأصيل أن يخبر الانسان كيف يستعير آراء المشيرين انظر اليه كيف يستشير في اختيار أمير ، تعلم أن الاستشارة كما قلنا : فن ، وأنه فن عسير (۱): بقايا العلة . (۲) أي لا يضاهي • (۳) الذين أحكمتهم التجارب • (4) أي لم يهتد لوجهته . (5) : الشباب (۳) - 6 قال لأصحابه : دلوني على رجل أستعمله٧

فسألوه : ما شرطك فيه ؟..

قال : اذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، واذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم

ان الذي يسأل هكذا لهو أقدر من الذي يجيبه بالصواب، لأنه قطع له ثلثي الطريق السديد الى الجواب.

وكان ربما استشار العدو الذي لا يأمنه، كما فعل في سماع رأي الهرمزان في أمر الحرب الفارسية، لأنه بصير يطلب نورا، فاذا رأى النور استوى لديه أن يحمل له المصباح عدو أو صديق.

ومن اليسير، اذا تعقبنا مشاورات عمر، أن نعلم انه واضع دستور الشورى في الدولة الإسلامية.. وان الشورى التي وضع دستورها هي شورى الرأي الأصيل يستعين بكل أصيل من الآراء

***

وقد وضع لقواده دستور الحرب، أو دستور الزحف من الجزيرة العربية إلى تخوم٨ أعدائها، كأحسن ما يضعه رئيس دولة لقواده وأجناده فأرسل المدد الى العراق، وعليه أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وعلمه كيف يستشير مجلس الحرب الذي معه، وكيف يقدم في موضع الاقدام، ويتريث في موضع التريث، وأجمل له ذلك في قوله : « اسمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر ولا تجتهد مسرعا بل اتتئد٩.. فإنها الحرب لا يصلحها الا الرجل المكيث١٠ الذي يعرف الفرصة، ولا يمنعني أن أؤمر سليطا (ابن قيس) الا سرعته إلى الحرب. والسرعة إلى الحرب الا عن بيان ضياع » وزاده تبصرة بالحيطة فقال له : « ان تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والجبرية١١ تقدم على قوم تجرأوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه، فانظر كيف تكون وأحرز لسانك ولا تفشين سرك، فان صاحب السر - ما يضبطه - منحصن لا يؤتى من وجه يكره، واذا لم يضبطه كان بمضيعة » . (1) 6 . 6 (۲) له قبس من (۳) (1} القتاله لا قلوبهم فهي المشاورة ، ثم اناة في الاجتهاد ، الا أن تجب السرعة بيان وثقة فليكن الاسراع ، وهذه وصية عمر بن الخطاب الذي يظن به الاندفاع وينسى من يظن به هذا الغظن أنه فوری اندفاع وقوى ضابط في وقت واحد ، وعندما يقترن الاندفاع بضابط فهو مزية وليس بعيب وكتب الى سعد بن أبي وقاص بعد اختياره لحرب فارس ، وفي كتابه هذا المعنى : اذا انتهيت إلى القادسية وهو منزل رغیب خصيب دونه قناطر وأنهار ممتنعة ، فنكون مسالحك على أنقابها و يكون الناس بين الحجر والمد"، على حافات الحجر وحافات المدر والجراع بينها ، ثم الزم مكانك فلا تبرحته .. فانك اذا أحسوك أنغصتهم ورموك الذي يأتي على خيلهم ورجلهم وحدهم وجدهم ، فان أنتم جمعهم صبرتم لعدوكم واحتبستم وقويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم ، ثم يجتمع لكم مثلهم أبدا ، إلا أن يجتمعوا وليست معهم وان تكن الأخرى كان الحجر في أدبار کم فانصرفتم من أدنی مدرة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم ، ثم كنتم عليهم أجرأ وبها أعلم . وكانوا عنها أجبن وبها أجهل ، حتى يأتي الله بالفتح » ثم كتب اليه يستوصفة المنازل التي نزل بها ويسأله : « أين بلغك جمعهم ومن رأسهم الذي يلي مصادمتكم ? .. فانه قد منعني من بعض ما أردت الكتاب به قلة علمى بما هجمتم عليه والذي استقر عليه أمر .. فصف لنا منازل المسلمين والبلد الذي بينكم وبين المدائن : صفة كأني أنظر اليها واجعلني من أمركم على الجلية ) وكتب الى أبي عبيد وقد ترك حصار حلب يستضعف رأيه في ترك حصارها : د ... سرني ما علمت من الفتح وعلمت من قتل من الشهداء ، وأما ما ذكرت عن قلعة حلب الى النواحي التي قربت من انطاكية فهذا بن الراي . أتنرك رجلا ملكت دیاره ومدينته ثم ترحل عنه وتسمع أهل النواحي والبلاد بأنك ما قدرت عليه .. فما هذا برای .. يعلو ذكره بما صنع ويطمع من لم يطمع ، فترجع (۱) من معاني الاناة : النايې ، والحلم : (۲) : شعلة تقتبس من معظم البار ۰ (۳) : قطع الطين اليابس · (4) الجرعاء . رملة مستوية لا تنبت شيئا • اليكدير (5) : الواضح الظاهر 4 عدوكم من انصرافك اليك الجيوش +

وتكاتب ملوكها . فاياك أن تبرح حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ..

وقد أنفذت اليك كتابي هذا ومعه أهل مشارف اليمن ممن وهب نفسه الله ورسوله ورغب في الجهاد في سبيل الله ، وهم عرب وموال ، رجال وفرسان ، والمدد يأتيك متواليا ان شاء الله تعالى »

فكان دستوره في الحرب أن يضع الأسس العامة ويعهد في تنفيذها الى ذي خبرة وأمانة ، ولا يتخلى عن تبعته العظمى في مصائر الحرب كل التخلى اعتمادا على القائد وحده ، اذ ليس القائد بالمسئول الوحيد عن المصير ..

فاذا رأى القائد را یا وخالفه هو في رأيه أعانه بالمدد والمشورة على الأخذ بالرأي الذي دعاه اليه ، وأبطل معاذيره بتوضيح الأمر واعانته عليه..

ولقد كان الى جانب هذا السهر على الميادين عامة لا يغل١٢ يد القائد فيما يحسن أن تنطلق فيه ، فاذا تجاوز الأمر سياسة الحرب العامة من فتح الميادين وفك الحصار وانتظام الهجوم ، فمن حق القائد عنده أن يختار لنفسه ولا ينتظر الرجوع اليه ، وأن يجري في ادارة المعركة على الوجه الذي تمليه ضرورة الساعة ، ولهذا استشاره أبو عبيدة في دخول الدروب خلف العدو فكتب إليه : « أنت الشاهد وأنا الغائب ، والشاهد پیری ما لايرى الغائب ، وأنت بحضرة عدوك ، وعيونك١٣ يأتونك بالأخبار ، فان رأيت الدخول الى الدروب صوابا فابعث اليهم السرايا وادخل معهم بلادهم وضيق عليهم مسالكهم ، وان طلبوا اليك الصلح فصالحهم ..»

فهو يضع القواعد العامة للحملة كلها منذ بداءتها

وهو يختار القائد الضليع١٤ بتسيير تلك الحملة

وهو بعد هذا لا يعني نفسه من التبعة ، ولا يعفي القائد من واجب الرجوع اليه في المواقف الحاسمة ، ولا يغل يده فيما هو أدرى به وأقدر على الاختيار فيه ، ولا يني أن يعينه اذا خالفه في الرأي ليتفق الريان عمر Y المختلفان. فاذا القائد الى الحصار الذي أزمع أن يتركه رجع اليه وهو مؤمن بصواب ما يعمل ، ليستمد من الايمان بالصواب قوة أن يشعر بها وهو يؤدي عملا يخالف الصواب في تقديره وهذه السياسة هی السياسة التي جرى عليها في جميع بعوثه وغزواته وسراياه . وهي السياسة التي لا يستطيع حاکم يجرى على شيرها في حرب قديمة أو حدينة : وقد جرى عليها فجعلته كاسب النصر كما يكسبه القائد في الميدان ، وجعلت بطل الفرس رستم المشهور في التواريخ والأساطير يقول : ان عمر هو هازمه في الميدان و « انه هو الذي يكلم الكلاب فيعلمهم العقل ! .. أكل عمر كبدي أحرق الله كبده ! .. » عمر

وربما أخطأ القائد الذي يختاره ، فمسته التبعة هذا الجانب لأنه هو المسئول عن اختياره غير أنها لا تمسه من جانب الا أعفى منها من جانب آخر أو جوانب عدة ، كما حدث في وقعة الجسر التي قتل فيها قائده أبو عبيد المتقدم ذكره ثم انهزم فيها جيش المسلمين . فهو مسئول عن اختيار هذا القائد كما يسأل کل رئیس دولة في مثل ذلك ، ولكن أعذاره على التحقيق أكبر من أخطائه في كل مسألة من هذا القبيل ، وفي هذه المسألة بعينها كان اختياره لأبی عبید انصافا له حجته الراجحة فيه ، لأنه كان أول من أجاب الدعوة إلى القتال ، فلم ير من الأنصاف أن يؤخر المتقدم ويقدم عليه المتخلفين ، وقد سوغ الرجل اختياره اياه بانتصاراته الأولى التي رفعت شأنه بين القواد ، فلما أخطأ جاءه الخطأ مخالفة في وصاياه ، ومنها وجوب التريث والحذر من عبور الأنهار والحسور ، ولم يكن على لوم في تقصير عن التنبيه والتحذير وقبل أن يضع دستورا للولاة وضع دستورا لنفسه قوامة أن الحكم للحاكم ومحنة للمحكومين ، و « انه لا يصلح الا بشدة لا جبرية فيها ولين لا وهن وان الخليفة مسئول عن ولاته واحدا واحدا (1) أزمع على الأمر : نبي عليه عزمه • (۲) قوام الامر : نظامه وعماده • (۳) أي تجبر ، (4) أي ضعف . مر عمر (۳) فيه ) 6 هی خير الحق من 6 في كل كبيرة وصغيرة ، ولا يعفيه من اللوم أنه أحسن الاختيار قال يوما لمن حوله : « أرأيتم اذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما عليه .. قالوا : نعم . قال : لا ، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا ? .. و عهوده على نفسه العهود التي تؤخذ على ولاة الأمر ، وأبينها لاحدود القائمة بين الراعي والرعية ، وخير ما فيها أنه كان يحث الناس على الاستغناء عن التحاكم الى الحكام خلافا لأصحاب الأمر الذين یو دون لو فرضوا لأنفسهم حكما في كل شيء فكان يقول لهم : « أعطوا أنفسكم ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا الى وجمع صلاح الأمر في ثلاث : « أداء الأمانة ، والأخذ بالقوة . والحكم بما أنزل الله ، وصلاح المال في ثلاث : « أن يأخذ من حق - ويعطى في حق ، ويمنع من باطل » وعاهد الناس فقال :« لكم على ألا أجت شيئا من خراجكم ولا ما أفاء الله من وجهه ، ولكم على اذا وقع في يدي ألا يخرج مني الا في حقه ، ولكم على أن أزيد عطاياكم وأوراقكم ان شاء الله ولكم على ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمركم - أي أحبسكم - - في ثغوركم ، واذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا اليهم .. فاتقوا الله عباد الله ، وأعينوني على أنفسكم بكفها عني وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأحفاری النصيحة فيما ولانی أمركم » . ومن أوائل عهوده في بيان الحق الذي يرشح الحاكم لولاية الحكم : « أيها الناس : اني قد وليت عليكم ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم ، وأشدكم استضلاعا بما ينوب من مهم أموركم ما وليت ذلك منكم » فأحق الناس بالحكم أقدرهم على البر والحزم والنهوض بالأعباء ، وليس له في غير ذلك حق يرشحه للحكومة (1) أي أجمع • (۲) الثغر : موضع المخافة من فررج البلدان • عليكم الا وأسد ثغور کم 6 اله . (1) 9 بهم ومن أوائل خطبه بعد توليه الخلافة : « أن الله ابتلاكم بي ، وابتلاني بكم ، وأبقاني فيكم بعد صاحبي ، فلا والله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دونی ، ولا يتغيب عني فالو فيه عن أهل الصدق والأمانة ، ولكن أحسنوا لأحسن اليهم ، ولئن أساءوا لأنكلن فهو يعاهدهم أن يلى الأمر بنفسه في كل ما حضره ، وألا يعهد فيه إلى غيره الا أذا غاب عنه ، ثم لا يكون وكلاؤه فيه الا أهل الصدق والأمانة ، ، ثم لايدعهم وشأنهم بعد ذلك بل يراقبهم ويتتبع أعمالهم ، فيحسن الى من أحسن وینکل أساء وقد كان يقول ، ويعني ما يقول، ويعمل بما يقوله . من هو لمن

وصارح القوم فيما لا يحمي من الخطب والأحاديث أن له عليهم حق الطاعة فيما أمر الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأن لهم عليه حق النصيحة ولو آذوه فيها . ومن ذلك الرواية المشهورة التي سأل الناس فيها أن يدلوه على عوجه فقال له أحدهم : « والله لو علمنا فيك اعوجاجا القومناه بسيوفنا » فحمد الله أن جعل في المسلمين من يقوم اعوجاج . عمر بسيفه و و ولم يكن يبيح من مال المسلمين أجرا لعمله إلا ما يقيم أوده واود أهله عند الحاجة اليه ، فان رزقه الله ما يغنيه عن بیت المالى كف يده عنه : « ... الا واني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم : أن استغنیت استعففت ، وان افتقرت أكلت بالمعروف : تقرم البهيمة الأعرابية : القضم لا الخضم » أي كما تأكل ماشية البادية قضما بأطراف أسنانها لا مضغا وطحنا بأضراسها ولما سئل عما يحل للخليفة من مال الله قال : « أنه لا يحل لعمر من مال الله الا حلتين : حلة للشتاء وحلة للصيف وما أحج به واعتمر وتوتي وقوت أهلی کرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ، ثم رجل من المسلمين » (1) الابتلاء : الاختبار والامتحان - (۲) أي يتولاه ۰ (۳) البعير المقرم: أي المكرم ولا يحمل عليه ولا يذلل : (4) : الاكل بأطراف الأسنان (5) : الاكل بجميع الفم أنا بعد

. کا (1) مسعود درهما وربع وقد كان أسخي من ذاك في تقديره لأرزاق الولاة والعمال ، فقدر العمار بن یاسر حين ولاه الكوفة ستمائة درهم في الشهر له ولمساعديه . يزاد عليها عطاؤه الذي يوزع عليه كما توزع الأعطية على أمثاله ، وصف شاة و نصف جر من الدقيق وقدر لعبد الله بن درهم وربع شاة لتعليمه الناس في الكوفة وقيامه على بيت المال فيها ، ولعثمان بن حنیف منائة وخمسين شاة في اليوم ، عطائه السنوي وهو خمسة آلاف درهم وهكذا على حسب الولايات والنفقات وكان يحظر على الولاة مظاهر الخيلاء والأبهة التي تبعد ما بينهم وبين الرعية ، ولكنه ينظر في أعذارهم فيقبلها أو يغضي عنها حيثما توقف صلاح الولاية على ذلك قدم الى الشام راكبا على حمار فتلقاه عامله معاوية بن أبي سفيان في وكب عظيم ، فلما رآه معاوية نزل وسلم عليه بالخلافة فمضى في سبيله ولم يرد عليه سلامه ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أتعبت الرجل يا أمير المؤمنين ، فلو كلمته فالتفت اذ ذاك الى معاوية وسأله : انك لصاحب الموكب الذي أرى ؟ قال : نعم قال : شدة احتجابك ووقوف ذوي الحاجات ببابك ؟ قال : نعم - البذلة" قال : ولم ويحك ؟ قال : لأننا بلاد كثر فيها جواسيس العدو ، فان لم تتخذ المدة والعدد استخف بنا وهجم علينا ، وأما الحجاب فاننا نخاف برأة الرعية ، وأنا بعد عاملك ، فان استقصتنی نقصت ، وان اسردتی زدت ، وان استوقفتني وقفت ! فقال

ما سألتك عن شيء الا خرجت منه . ان كنت صادقا فانه

رأي لبيب، وان كنت كاذبا فانها خدعة ارب"، لا آمرك ولا انها (1) : مکیال ، وهو أربعة أقفزة • (۲) : ما يمتهن من الثياب . (1) : أي عاقل 0 (4) : الدماء وهو من العقل عمر {)

  • أما

دستور من 6 الولاة عنده فأساسه أن الولاية نمییز بالواجب والكفاءة وليست تمییزا بالوجاهة والاستعلاء ، فكان يقول للوالي : « افتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك ، فانما أنت رجل منهم غير أن الله جعلك أنقلهم حملا » وشغله كل الشغل أن تخضع الرعية لواليها رغبة في حكمه واطمئنانا الى عدله ، فكان يقول للوالي : « أعتبر منزلتك عند الله بمنزلت الناس » ويقول للرعية : أني لم أبعب اليكم الولاة ليضربوا أبشار کم ويأخذوا أموالكم ، ولكن ليعلموكم ويخدموكم » وتستوي عنده رغبة الرعية من المسلمين ورغبة الرعبة من غيرهم فلما رأى أقواما ذميين ينقضون العهد ويثورون على الدولة طلب من صلحاء البصرة وفدا ، فيهم الأحنف بن قيس ، وهو مصدق عنده فسأله : « انك عندي مصدق : وقد رأيت رجلا فأخبرني : « ألمظلمة نفر أهل الذمة أم لغير ذلك » ? .. فقال الأحنف : «لا بل لغير مظلمة والناس على ما نحب » فهد باله وقال : « فنعم اذن انصرفوا إلى رحالكم » وربما ذهب في ارضاء الرعية مذهبا لم يحلم به الغلاة من المطالبين بحقوق الشعوب في هذه العصور فكان من قواده وولاته سعد بن أبي وقاص قائده المظفر في حروب فارس ، وقريب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرجل الذي جعله ستة يستشارون بعده في أمر الخلافة ، فثارت به طائفة من أتباعه وشكته الى عمر وجيوش الفرس تتجمع للغزو والثأر ، فلم يشغله ذلك عن تحري الأمر من مصادره ، وایفاد من يبحث عن حقيقة الشكوى بين أهلها .. فبعث بوكيله على العمال محمد مسلمة، يسأل عن سعد وسيرته في الرعية ، وكلما سأل عنه جماعة أثنوا علبه ، فقد أحجم فريق منهم لم يمدحوه ولم يذموه ، وقال فريق منهم : انه يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية ، ولا يغزو في السرية » .. (1). شمر واحدا من . الا من شکوه . الا (۱) من التغالي مده ۱۱- فهاد محمد بن استعد استعد لكم من ذلك يومئذ مبر من أهله ، ومسمی الى المدينة وسعد معه ، وأعاد عمر سؤاله فلم شبت له من أمره ريبة ، إلا أنه اتقى الفتنة والخطوب منذرة ، فعزله وقال الشاكه : « أن الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم لهذا الأمر وقد الله لا يمنعنی من النظر فيما لديكم وان نزل بكم » وقال لسعد تهمة خصومه : « هكذا اظن بك يا أبا اسحق !.. ولولا الاحتياط لكان سبيلهم بيننا ». ثم أبي أن يفارق الدنيا وفي ذمته شهادة لسعد يعلنها لملا المسلمين ، فلما حضرته الوفاة وسألوه أن يستخلف ، أبى أن يخلف أحدا عليا وعثمان وطلحة و الزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعدا « لأنهم نفر توفي رسول الله وهو عنهم راض ، فأيهم استخلف فهو الخليفة » ... فان أصابت سعدا فذاك ، والا فأيهم استخلف فليستعن به ، فاني لم أعزله عن عجز ولا خيانة أمثلة الوفاء بجميع الحقوق والرعاية لجميع الذمم من حاكمين ومحكومين ولا يبعد أن يقع الغبن على بعض الولاة الكفاة من فرط العناية بشکایات الرعية ، الا أن في حزمه وعدله لم يكن يفوته مفرق الصواب بين الأمرين .. فغبن وال أو قائد أهون من غبن أمة أو جیش.. ومن أقواله في ذلك : « هان شيء وأصلح به قوما أن أبدلهم أميرا مكان ثم قال : - وهذا مثل من عمر أمير » .. سا من بل ربما جرى منه حكم العزل على الولاة الكفاة لغير أسباب الشكاية أو القصاص . وانما هو سبب من الأسباب التي ترجع الى سلامة الدولة أو ما نسميه في العصور الحديثة بالسياسة العليا ، وهذه أن يغفل عنها ولاة الأمر في أيام تأسيس الدول وتجربة النظم الحديثة ، وأولها عصمة الدولة من فتنة الولاة المقتدرين المحبوبين فربما كان الوالي المقتدر الحبوب أخطر على الدولة الناشئة في الوالي العاجز البغيض اذا لم يتعهده نظر ثاقب وحساب أسباب لا يصح أسسها من عسير • (۱) فقد تزين له نفسه ، أو تزئن له رعيته ، أن يستقل بالأمر وينتحل لذلك ما شاء من المعاذير . فان فاته الاستقلال ورئيسه قوي مهيب لم يفته بعد زوال ذلك الرئيس ، ولو جاء بعده من مضارعه في القوة والمهابة لأن الفترة بين زوال عهد واستقرار عهد آخر تؤذن بمثل هذا النقلقل وتفتح الثغرات لمن يريد أن يلج منها بعد طول تربص و استعداد ولم يكن عمر بن الخطاب يعرف تاريخ الاسكندر المقدوني وتواريخ العتاة من قياصرة الرومان ، ولا كان الغيب قد انكشف له فرأى ما تلاه من الأمثلة في دول المغول والعثمانيين ودول المسلمين من مشرقيين و مغربيين ، ولكنه لو استقصى أخبارهم جميعا وعرف فتنة الولاة بعد زوالهم ما ندم لحظة على عزل الذين عزلهم وهو يقول لهم : انما عزلتكم الكيلا أحمل على الناس فضل عقولكم ، أو لكيلا تفتنوا بالناس كما افتتن الناس بكم ، ولكان له سبب آخر وجيه بالغ في الوجاهة يادعوه إلى تغلب رغبات الرعية على مكانة الولاة ، وهو عصمة الدولة من أولئك الولاة أن يطول بهم العهد وتنم لهم القدرة ويحولهم الحب والولاء فلا يبقى بينهم وبين الأنقاض الا الفرصة السانحة ، وهي شیء سنويا في ابازالتأسيس والانتقال وما لم يكن عزل العمال لسبب من أسباب السياسة العليا التي من هذا القبيل ، فلا جزاء الا بقسطاس دقیق محیط ، ولا سيما في الشؤون المالية ، لأنه يعتمد في محاسبتهم على وسائل متفرقة بستدرك بعضها نقص بعض ، فلا تكاد تخفى عليه خافية مما يريد الوقوف عليه فمن هذه الوسائل أنه كان يحصى أموالهم قبل الولاية ليحاسبهم بها على ما زادود بعد الولاية مما لايدخل في عداد الزيادة المعقولة ، ومن تعكل منهم بالتجارة لم يقبل منه دعواه لأنه كان يقول لهم : انما بعثنا کم ولاة ولم نبعثكم تجارا ومنها أنه كان يرصد لهم الرقباء والعيون" من حولهم ليبلغوه ما ظهر (۱) : أي بدعي " (۲) أي الجبارين (۳) أي المهيأة والمواتية (4) أي وقت . (5) الترصد : الترقب . (6) أي الجواسيس (۴). أقرب

. ۱۷- 6 وما خفي من أمرهم ، حتى كان الوالي من كبار الولاة وصغارهم يخشی من أقرب الناس اليه أن يرفع نبأه الى الخليفة ومنها أنه كان يندب لهم وکیلا خاصا شكايات الشاكين منهم وتولى التحقيق والمراجعة فيها ، ليستوفي البحث فيما ينقله الرقباء والعيون ... ومنها أنه كان يأمر الولاة والعمال أن يدخلوا بلادهم نهارا اذا قفلوا اليها من ولاياتهم ، ليظهر معهم ما حملوه في عودتهم ، وتصل نبأه بالحراس والأرصاد الذين يقيمهم على ملاقي الطريق . ومنها أنه كان يستقدمهم في كل موسم من مواسم الحج ليحاسبهم ويسمع ما يقولون وما يقال فيهم ، وعليهم شهود ممن يشاء أن يحضر الموسم من أهل البلاد . ونوی في أواخر أيامة أن يستكمل الرقابة بالسير في البلاد ، فيقيم شهرين شهرين في الشام ، ومصر ، والبحرين ، والكوفة ، والبصرة ، وغيرها . فانه ليعلم د ان للناس حوائج تقطع - هم فلا يصلون إليه ، وأما عمالهم فلا يرفعونها البه » وكان لا يكتفي بوسائله تلك اذا استراب"، فيعمد الى الحيلة للكشف عن الخبايا التي تريبه ، ومن بعودة أبي سفيان من عند ولده معاوية والى الشام ، فوقع في نفسه أن ولده قد زوده في . وجاءه ابوسفیان مسلما فقال له : أجزنا يا أبا سفيان ! .. قال : ما أصبنا شيئا فنجيزك ! .. فمد يده الى خاتم في يده فأخذه منها وبعثه الى هند زوجه ، وأمر الرسول أن يقول لها باسم زوجها : انظری الخرجين اللذين جئت بهما فابعثيهما فما لبث أن عاد بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم ، فطرحهما عمر في 6 عنه أما ذلك أنه عودته 1 بیت المال (1) وكانت سنه اذا ثبتت على الوالى شبهة التصرف في بيت مال المسلمين أن يصادر المال الذي ظفر به أو يقاسم الوالي فبما أربي" على كسبه المعقول فيترك له النصف ويضم النصف الى بيت المال ، وهذا عدا ما (1) أي عزم (۲) من الرب، وهو : النيك ۰ (۳) سیه : أي طرفته . (5). أي زاد . !.. ومن

. يجزيه به من عزل أو عقاب أما حساب شکایات من المظالم ، فكانت سنته فيه التحقيق ثم الجزاء على شرعة المساواة بين أكبر الولاة وأصغر الرعية بغير تفرقة بين السيئة وجزائها . فمن ضرب ضرب ، ومن غصب رد ما غصب اعتدى قوبل بمثل اعتدائه وعليه زيادة التأديب وقد يأخذ الوالى أحيانا بوزر" ولده أو ذوی قرابته اذا وقع في نفسه أنهم يستطيلون على الناس بسلطان الولاية ولا ينهاهم الوالي المسئول عنها جاءه مصری فشكا اليه واليها عمرو بن العاص ، وزعم أن الوالي أجرى الخيل فأقبلت فرس المصرى فحسبها محمد بن عمرو فرسه وصاح : فرسی ورب الكعبة !.. ثم اقتربت وعرفها صاحبها فغضب محمد بن عمرو ووثب على الرجل يضربه بالسوط ويقول له : خذها وأنا ابن الأكرمين وبلغ ذلك أباه فخشي أن يشكوه المصري فحبسه زمنا .. وما زال محبوسا حتى أفلت وقدم الى الخليفة لابلاغه شكواه قال أنس بن مالك راوي القصة : فوالله ما زاد عمر على أن قال له اجلس ومضت فترة اذا به في خلالها قد أستقدم عمرا وابنه من مصر فقدما ومثلا في مجلس القصاص . قنادی عمر : أين المصري ?.. دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين و فضربه حتى أثخنة" ونحن نشتهي أن يضربه . فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ، وعمر يقول : اضرب ابن الأكرمين ... ثم قال : أجلها" على صلعة عمرو !.. فوالله ما ضربك ابنه الا بفضل سلطانه قال عمرو فزعا : يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفیت ، وقال المصري معتذرا : يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني .. فقال عمر : أما والله لو ضربته ما حطنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه. والتفت الى عمرو مغضبا يقول له تلك المقولة الخالدة التي ما قالها حاکم قبله : أيا عمرو !.. متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ! (۱) أي شريعة • (۲) اي بذنب . (۳) يقال : مثل بين يديه : أي انتصبا قائما . (4) : اذا بالغ الجراحة فيه . (5) : أي أدرها . (6) تتر که

(۴). ومن هذا العدل في شؤون الولاية . نستطيع أن نفهم دستوره في شؤون القضاء ، فلن يكون هذا الدستور الا دستور العدل المحكم في الجزاء والفصل بين الحقوق .. الا اننا نعتقد أن وصاياه في القضاء أحكم وأصلح لجميع الأزمنة من جميع وصاياه ، فلا تعقیب بعدها لمعقب في رمانه أو فيرمان يليه . مهما تختلف الأقوام والاوقات أنشأ ونظائف القضاة وتخير لها العدول الأكفاء . ولم تكن به من حاجة هنا الى سن الشريعة التي يحكمون بها فانها ماثلة في الكتاب والسنة ، ولكنه كان في حاجة إلى تعليم القضاة كيف يتصرفون حين يلتبس عليهم الأمر . فأحسن التعليم .

به ا

كان يكتب لأحدهم : « اذا جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ، ولا يلفتك عنه الرجال ، فان جاءك أمر ليس في كتاب الله فا نظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها ، فان جاءك أمر ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ فان جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت : ان شئت أن تجتهد رأيك وتقدم فتقدم ، وان شئت أن تأخر فتأخر . ولا أرى التأخير الا خيرا لك » وضرب لهم أصلح الأمثلة باجتهاده واستفتائه . فلم يقطع يد السارق في عام المجاعة رعاية للزمن ، ولم يقطع يد الغلام الذي سرق من سيده رعاية لسنه أو للعلاقة بين السارق والمسروق منه ، واشتركت المرأة وصاحبها في قتل رجل فتحرج من قتل اثنين بواحد حتى الله عنه بأنهما مستحقان للقتل كما يستحق اللصوص المتعددون أن يقام عليهم الحد اذا سرقوا لحما من بعير واحد ، فأخذ بفتواه 6 أفتاه علی رضی

(1) {} ومن وصاياه للقاضي: د آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى الايطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك . والبينة على من (1) أي ساوی ۰ (۲) جورك وظلمك . ۱۲. خير من . في الباطل . الفهم الفهم . ووو ادعى واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا وأحل حراما ، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع عنه ، فان الحق قديم ومراجعة الحق التمادي في عندما يتلجلج في صدرك ما لم يبلك في كتاب الله ولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك ثم اعمد الى أحبها الى الله وأشبهها بالحق فيما ترى ، واجعل للمدعى حقا غائبا أو بينة أمد" ينتهي اليه . فان أحضر بیئنته أخذت له بحقه ، والا وجهت عليه القضاء فان ذلك أنفي للشك وأجلى للعمى وأبلغ في العذر المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد أو مجريا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة ، فان الله قد تولى منكم السرائر ودرا عنكم بالشبهات . ثم اياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الأجر ويحسن بها الدخر ، فانه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس » ومن وصاياه لمن يلون الحكم : " الزم خمس خصال يسلم لك دينك وتأخذ فيه بأفضل حظك : اذا تقدم اليك الخصمان فعليك بالبينة العادلة أو اليمين القاطعة ، وأدن الضعيف حتى يشتده قلبه وينبسط لسانه ، وتعهد الغريب فانك ان لم تتعهده ترك حقه ورجع إلى أهله ، وانما ضيع لم يرفق به ، و آس بين الناس في لحظك وطرفك"، وعليك بالصلح بين الناس ما لم يستبن لك فصل القضاء » اله (۲) حقه

6 يعسر تعليله . فقد كان تلك نماذج متفرقة من وصاياه للقضاة وولاة الأحكام ، وهي فيما نراه أحكم وصاياه وأقربها أن يتبعها سواه ولذلك الا في الجاهلية حكما منا عمر قبيلة محكمين ، أو سفيرا يسعي بين الناس بالصلح من قبيلة سفراء . فهو في هذه الصناعة عريق (۱) أي الاستمرار • (۲) أي أقصد • (۲) وقتا . (4) : المتهم (5) أي دفع • (6) اللحاظ : مؤخر العين ، ولاحظه : راعاه . (۷) : العين • 4 الا أن المرء قد يجلس للحكم بين النامی کا جلس عمر ولا يحسن الوصية فيه كما أحسنها ، وانما بلاغ حسن الوصية أن الخصلتين اللتين اجتمعتا في وصاياه لقضاته فما من أحد يستطيع أن يوصي قاضيا بخير مما أوصى ، وما من عقدة قضائية تأتي من قبل القضاة أو من قبل التقاضين إلا وهي ملحوظة في كلامه ، وهاتان هما الخصلتان الباديتان في دستور القضاء كما أملاه

***

ولا بد أن يلفت النظر في سياسته للولاية وسياسته للقضاء أنه كان يأخذ بالواجب حيث وجب ، وان اختلف الواجبان..

ففي الولاية كان يتحرى البواطن ، ويمعن في تحريها ، ولا يكتفي من الناس بالظواهر ..

وفي القضاء وما شابه القضاء كان يكتفي بالظواهر حتى تنقضها البينه القاطعة ، وكان يعلن هذه الخطة على المنبر فيقول : « أظهروا لنا حسن أخلاقكم والله أعلم بالسرائر ، فان أظهر لنا قبيحا وزعم أن سريرته حسنة لم نصدقه ، ومن أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنا ، أو يقول : « انما كنا نعرفكم اذ الوحي ينزل ، واذ النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، فقد رفع الوحي . وذهب النبي صلى الله عليه وسلم ، فانما أعرفكم بما أقول لكم . الا فمن أظهر لنا خيرا ظننا به خيرا وأثنينا عليه . ومن أظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه »

بل كان له في الأخلاق الاجتماعية مذهب ثالث يشبه مذهبه في القضاء ، فكان يكره أن يكشف المرء من أخيه ما يستره عنه وينهي أن تظن بكلمة شرا وأنت تجد لها في الخير محملا

وهذه في الظاهر نقائص ، وفي الحقيقة واجبات متعددة كل منها في موضعه لازم ..

فالعلم بخبايا الحكومة واجب على كل ولی مسئول ، لا تنصلح الأحوال بغيره ، وفي الغفلة عنه مضرة محققة لجميع الناس عنه و الأخذ بالبينة دون الظاهر في شئون القضاء واجب الا مخيص الضمان السلامة ومنع الجور ، وهو في أحد طرفيه لا يخلو من الحذر الشديد من الطبيعة البشرية ، اذ فيه خشية من غواية الهوى أن تنطلق بالقضاة في الحكم بغير برهان وفي الاخلاق الاجتماعية لا يؤمن التقاطع بين الأصدقاء اذا جرت العلاقة بينهم على التجسس والخدعة ، ولا رعاية للمودة ما لم تكن رعاية للحرمات ومنها الأسرار والتفرقة بين الواجبات المختلفة دليل البصيرة في عرفان كل واجب منها ، وانها تصدر عن رأي أصيل ولا تصدر عن تسخير العرف واملاء التقليد والمحاكاة . هی وو

السكة الضرب هو أولى وأنشئت في عهد عمر دواوين أخرى غير ديوان القضاء ودواوين الإحصاء والخراج والمحاسبة التي لم تكن من المؤسسات القائمة فبل عهده . فأنشأ البريد وبيت المال ومرابط الثغور ومصنع النقود في دار الحبس للعقاب . ووكل معظم الدواوين الى أبناء البلاد يزاولونها بلغاتهم لأنها ليست من أسرار الدولة وليس من الميسور أن ينصرف، اليها فتيان العرب عما بهم وهو فرائض الدفاع والجهاد .. فلو وجد منهم من يفي لتلك الأعمال لكانت خسارة الدولة في قيامهم. بها أعظم من ربحها ، ولكنهم غير موجودين ، ولا عملهم فيها باللازم للمصلحة الكبرى ، وقد يكون عمل الفارسي في مصلحة فارس والسوري في مصلحة سورية والمصري في مصلحة مصر أحرى أن بعضهم ان کان بهم عاصم ، والا فلا تثري ووضع عمر نظاما لتحصيل الجزية ، وتصرف في وضعها على حسب الأمم والبلاد . فأعفى التغلبين بالشام من الجزية وفرض عليهم بديلا عنها المسلم ، لأنهم أتوا أن يؤدوها وأزمعوا اللحاق بأرض الروم 6 (1) اللازب ضعف صدقة . (۱) الثابت . (۲) : الاستقصاء : اللوم، (۳) استكبروا واستعظموا (4) از مع على الامر : ثبت عليه عزمه وكان له نظام اقتصادی يوافق مصلحة الدولة في عهده . فكان يحض على السجارة ويوصي القرشيين ألا يغلبهم أحد عليها لأنها ثلث الملك ولكنه أبقى الارض لأبنائها في البلاد المفتوحة ، ونهى المسلمين أن يملكوها على أن يكون لكل منهم عطاؤه من بيت المال کعطاء الجند في الجيش النائم .. واذا أسلم أحد الذميين أخذت منه أرضه ووزعته بين أهل بلده و فرنس له ألعضاء . وكان غرضه من ذلك أن تبقى أهل البلاد موارد ثر انهم وأن يعتصم الجند الاسلامي من فتن النزاع على الأرض والعقار ودي فن الدعة والاشتغال بالثراء والحطام . وربما أغضى عن كثير في سهل الاهانة على تعمير البلاد بأهلها ، فسفح عن أهل السواد «العراق» الأمنوا البقاء حنوا "بالعهد وتعاونوا الفرس على المسلمين في أثناء القتال فيه و أنهم

من ويلوح من كلامه في أخريات أيامه أنه كان على نية النظر في تصحيح النظام الأنصادی ، ، وعلاج مشكلة الفقر والغني ، على نحو غير الذي وجدها عليه . فقال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الاغنياء فقسمتها على الفقراء ) ولم يرد في كلامه تفصيل لهذه النية ، ولكن الذي تعلمه آرائه في هذا الصدد كاف لاستخلاص ما كان ينويه ، فعمر على حبه للمساواة بين الناس كان يفرق أبدا بين المساواة في الآداب النفسية والمساواة في السنن الاجتماعية، فكتب إلى أبي موسى الأشعري : « بلغني انك تأذن للناس جما غفيرا ، فاذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القرآن والتقوى والدین ، فاذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة ، ولكنه لما رأى الخدم وقوفا لا يأكلون مع سادتهم في مكة غضب وقال لمادتهم مؤنيا : ما لقوم يستأثرون على خدامهم .. ثم دعا بالخدام فأكلوا مع السادة في جفان واحدة فالمساواة في أدب النفس لم تكن عند عمر مما ينفي التفاضل بالدرجات (1) : الخلل في اليمين : (۲): المال وغيره اذا کثر ۰ (۳) أي الجمع جفنة : {۴} الكنير • (4) جمع وهي القصيعة • (۱) يوشك أن فيسوغ لنا أن من الأغنياء » أخذ فصول من ولم يكن مرضيه كذلك أن يعتمد الفقراء على الصدقات والعطايا ويعرضوا عن العمل واتخاذ المهنة ، فكان يقول لهم في خطبة : «يا معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالا على المسلمين » وكان يوصى الفقراء والأغنياء معا « أن يتعلموا المهنة فانه يحتاج أحدهم الى مهنة وان كان نفهم هذا جميعه معنی ما انتواه من الغني وتقسيمه بين ذوي الحاجة ، وهو تحصيل بعض الضرائب من الثروات الفاضلة وتقسيمها في وجوه البر والاصلاح أن مؤسسيا لديوان الوقف الخيري على الوجه الذي نعهده الآن . فقد أنشأ بيت الدقيق لاغاثة الجياع الذين لا يجدون الطعام ، وأصاب قبل خلافته أرضا بخيبر فاستشار النبي عليه السلام فيها فاستحسن له أن أصلها ويتصدق بريعها". فجعلها عمر صدقة تباع ولا توهب ولا تورث ، وينفق منها على الفقراء والغزاة وغيرهم ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف ويطعم صديقا فقيرا منها على أن عمر يصح يحبس لا

وعرضت لعمر مسائل التعمير على حسب الحاجة اليها في وقته فلم تجده مسألة منها دون ما تحتاج اليه من اصابة الرأي وحسن الروية . فكانت نصائحه في تخطيط المدن واختيار مواقعها من أنفع النصائح ، وكانت دواعيه الى بنائها من أشرف الدواعي وأليقها بالأمير شاهد في الجند هزالا وتغير ألوان ، فسأل قائدهم سعدا : ما الذي غير الوان العرب ولحومهم .. فأجابه : انها وخدمة المدائن ودجلة ، فكتب اليه أن العرب لإيوافقها الا ما وافق ابلها من البلدان ، فابعث سلیمان وحذيفة فليرتادا منزلا بريا بحريا ليس بيني وبينكم نیه بحر ولا جسر ، وأمر أن تبلغ مناهج المدينة أربعين ذراعا ، وما يليها ثلاثين ذراعا ، وما بين ذلك عشرين ، وألا تنقص الأزقة عن سبعة أذرع ليس دونها شيء ، وألا يرتفع بناء الدور (۱) العالة : الفاقة (۲) أي ما يحصل عليه منها . (۳) بلدية وخمسة روخيمة : اذا لم توافق ساکنها . (4) أي فليطلبا . (5) : أي طرق و

-ه ۱۲سیم

فبنيت الكوفة على هذا التخطيط وعلم أن الجند بشکون الشتاء ويعوزهم الملجا الذي يسكنون إليه بعد الغزو في حدود فارس . فكتب إلى عتبة بن غزوان أن « ارتد لهم منزلا قريبا من المراعي والماء ، ووصفه له ما يلزم من مواته وخططه فست البصرة عند ملتقى النهرين وهو الذي أشار على عمرو بن العاص أن يحفر خليجا بين النيل وبحر الاتصال المرافق بين مصر وعاصمة الدولة ، وضرب له الموعد حولا) يفرغ فيه من حفره واعداده لمسير السفن فيه ، فساقه م، ولم يأت الحول حتى جرت فيه السفن ويسمى خليج أمير المؤمنين ، ولم يزل مفتوحا حتى ضيعه الولاة وغفل عنه الخلفاء القلزم من جانب الفسطاملی

من 6 (1). والفتور . ومن فلاسفة العصر (1) فسياسته النعميرية وافية بالغرض منها لعصره ، وقد يلاحظ عليها أبناء العصر الحاضر شيئا لا يوافقهم کالجد ارتفاع الدور والزهد في تشييد القصور . أما هو فالوجه الذي توخاه في سياسة التعمير أن خمی الدولة في نشأتها من الترف والبذخ، وأن يحول بين الجند و بين الاستنامة الى متاع القصور المشيدة والصروح المردة" وما فيها من بواعث الوهن الحاضر من يحسب ضخامة البناء دليلا على ابتداء الضعفه وعفاء العقيدة ، ويقول « شبنجلر » أحد هؤلاء الفلاسفة : أن الأمم في نهوضها تعبر طريقين مختلفين : طريق العقيدة وقوة النفس وتلازمه بسالة الظواهر وعظمة الضمائر ، وطريق الفخامة المادية والوفرة العددية وفيه تنحل الضمائر وتخلفها العظمة التي تقاس بالباع والذراع وتقدر بالقنطار والدينار ، وكانت قبل ذلك نتقاس بما يحس من العزائم والأخلاق وعمر على كلتا الحالتين لم يتعد طبائع الأشياء ، ولم يأخذ في زمانه بغير الصالح من الآراء وقصارى القول ان هذا الرجل لم تواجهه في ولاياته الواسعة صعوبة (1) أي يحتاجون ويفتقرون اليه . (۲) : أطلب ۰ (۳) أي سنة (4) تمريد البناء : تمليسه . (5) الضعف • (6) من قولهم : عفا المنزل : أي 4 4 درسي اله أكبر منه وأحوج إلى قدرة أعلى من قدرته أو هيبة ودر. أبل مما بار هيبة ودراية ، فاذا عرضت الصعوبة الطارئة فهناك الحزم اللازم لمواجهتها والحبلة الصالحة لتدبيرها ، كأنما كان لها على استعداد ، وكأنما عاش حياته كلها يتمرس بهذه الأمور من (۱) يذبح وكان أضطلاعه بتفريج الأزمات والكوارث ، كاضطلاعه بتدبير الحاجات الى التعمير والتنظيم .. ففي السنة الثامنة عشرة للهجرة فاجأه قحط الرمادة المشهور ، وهو القحط الذي لا يقال في وصفه أوجز من قولهم يومئذ أن الوحش كانت تأوي فيه الى الانس ، وان الرجل المنضور من الجوع کان الشاة فيعافها اقبحها فنهض لهذه الكارثة نهوضه لكل خطب"، واستجلب القوت من كل مكان فيه مزيد من قوت ، وجعل يحمله على ظهره الحاملين الى حيث بشر بالجياع والمهزولين العاجزين عن حمل أقواتهم ، و آلی" على نفسه لا يأكل طعاما أتقي من الطعام الذي يصيبه الفقير المحروم من رعاياه ، فرضت عليه شهور لا يذوق غير الخبز والزيت . ونظر في كل شيء حتى في تعليم كل بيت کیف يرسله اليهم مع عماله .. فقال للزبير زبير بن العوام : « اخرج في أول هذه العير فاستقبل بها نجدا ، فاحمل الى أهل كل بيت قدرت أن تحملهم الى ، ومن لم تستطع حمله فمر لكل اهل بیت پیعبر بما عليه ، هو مرهم فليلبسوا کساءين ولينحروا البعير فليحملوا شحمه ، وليقددوا لحمه ، وليحتزوا جلده ، ثم ليأخذواكبة من قديد وكبة من شحم وحفنة من دقیق فليطبخوا و يأكلوا حتى برزق » ينتفع بالرزق الذي ...

يأتيهم

  • * *

(۲) وهذه السهولة في مواجهة كل حالة بما يوائمها هي التي تبرز لنا و مؤسس الدولة الملهم » في هذا الرجل العظيم فكل عمل هذه الأعمال سهل على القرطاس ، صعب عند تصورنا (1) من المراس والممارسة . (۲) عاف الرجل الطعام أو النسراب : كرهه. (۳) الأمر (4) : أقسم : (5) أي يجففوه (۹) : أي يلائمها ويناسبها الصحيفه . (V) س-۲۷ { حسب اياه وأحاطتنا يستدعيه من تدمير وانجاز وخلق وهيبة . فكم بين المدينة وتلك الأطراف في زمن أسرع وسائله بعير سريع .. وكم عمل الملاحقة كل جيش يسير وكل بلد يفتح ، وكل أمة تحكم ، وكل عارض يطرأ على غير رقبة ولا سابقة خبرة ? تجنيد الجيوش لشتى الميادين وليس بسهل ، واختيار القواد على ما يندبون له وليس بسهل ، والأمر بكل حركة على حسب كل میدان وليس بسهل ، والسؤال عن قادة الاعداء ومداور اتهم ليسقصی خبرهم ويعرف ما يقابلهم به من الكيد والعدة وليس بسهل ، واننساء المدن والعمائر في مواضعها ، واقامة الدواوين عند الحاجة اليها ، وارضاء الأمم والجيوش بالاصغاء إلى شكايانهم ولو جاءت في غير أوانها ،، والنهوض للكوارث والأزمات بما ينبغي لها ، والمشاورة لمن تسمع منه المشورة والاجتهاد بالرأي عندما تختلف الآراء ، والاشتغال بکل شاك كأنه لا يشتغل بغير ما شکاه ، وخدمة الناس في دينهم وخلقهم كخدمته اباهم في دنياهم ودولتهم ، وتجدد هذه المتاعب يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر ، وعاما بعد عام . وهي شاقة لا سهولة فيها على غير صاحبها القدير عليها ولو زاولها عرضا إلى أيام 6 .

وجليل بعض هذا غاية الجلال لو أن صاحبه قنع منه بالاشراف والمراجعة ولم يعمل بيده فيه كأنه خادم البيت المرهق وأجير الديوان الصغير ، لكنه كما تعلم كان يكدح بيده ويحمل على ظهره وتعقب بعينه ، ولا بدع أحد من خدام الدولة الواسعة الا وهو شريك له في مثل ما يتولاه وأكبر ما يستحق الاكبار في هذا الرجل الكبير انه كان قادرا على الدول وعلى فنح الأمصار ، ولكنه راض القدرتين فلم يقدم على الامصار إلا بمقدار فليس الفتح شهوة عنده ولا المجد الحربي لبانة من لاناته ، وهو على .. تأسیس (1) أي ترقب وتوقع وانتظار (۲) أي عظيم • سمس۱۲۸ - والأناة ، حتی لا (1) علمه بأن الله وعد المؤمنين أن يورثهم الأرض لم يكن يرى في ذلك داعيا الى العجلة بالفتح كما كان يرى فيه دواعي للت يسفك دم في غير موجب ولا تعتسف خطة بغير وهية فكان همه الاكبر تأمين الجزيرة العربية من أطرافها وحماية الاسلام في عقر داره. ولولا أن الدول العظمى التي كانت تحدی" بجزيرة العرب تحفزت للبطش بها ، وقمع دعوتها في مهدها ، لكانت للدولة الاسلامية سياسة أخرى في مصاولة أولئك الأعداء فدولة الروم كانت ترسل البعوث إلى تخوم الجزيرة وتهيج القبائل الحرب المسلمين من عهد النبي عليه السلام ، وكان المسلمون يعيشون في فزع دائم من خطر هذه الدولة وأتباعها . يدل عليه كلام عمر وهو يتحدث أزواج النبي حيث يقول : « ... وكنا تحدثنا أن غسان تنتعل النعال الغزونا ، فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا .. ففزعت فخرجت اليه وقال : حدث أمر عظيم ? .. أجاءت غسان ؟.. قال : لا ، بل أعظم منه وأطول . طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه !» عن (1) وقال : أثم ? تلين : ما هو

ومن هذا الحديث يتبين لنا مبلغ الفزع من تهديد الروم للجزيرة العربية بالليل والنهار أما فارس فقد بلغ بطغيانها أن عاهلها غضب من دعوته الى الاسلام فأوفد إلى الحجاز رسولا مع نفر من الجند ليأتيه بالنبي العربي حيا أو میتا ! .. ولولا أنه مات قبل انجاز وعده واشتعلت نيران الفتن في بلاده لو طئت الجيوش الفارسية أرض الجزيرة قبل أن ينهض العرب لدفاع وما هو الا أن حفظ العرب حدودهم من قبل العراق الفارسی حنی سكنوا إلى ذلك ، وودة عمر بن الخطاب « لو أن بيننا وبين فارس جبلا من نار لا يصلون الينا ولا نصل اليهم » ولم تتغير خطته هذه الا حين استوى يزدجرد على عرش فارس و تأهب للغارة على المسلمين واخراجهم (۱) : وسطها - (۲) أي تحيط ۰ (۳) : حدود ۰ (4) أثم ؟ : أهناك ؟ ۱۲۱ ا و من حيث نزلوا .. فتجدد القتال وقد طال تردد عمر في فتح مصر ، ولم ينبعث الى غزوها حبا للغزو ولهجا" بالفتوح ، ولولا أن علم أن أربطون قائد الروم في بيت المقدس فد فر منها إلى مصر ليتشد فيها الحشود ويتأهب تلكر على الشام لطال تردده في الزحف عليها . ومع هذا أوشك أن يسترجع عمرو بن العاص بعد اشخاصة اليها ، ونهاه عن الايفال في المغرب بعد فتحها ، لأن السطوة - وهو مقتدر عليها - لم تكن تزدهيه ولا تنويه ، ولأن الفن بالأرواح أغلب في طبعه من الشغف بالفتوح و « أن رجلا من المسلمين أحب الى مائة ألف دينار 1

  • * *

الأكبار من 4 فلا يخطىء القائل الذي يقول ان الاناة في السطوة أكبر ما يستحق هذا الخلق الرفيع ، وان دلالته الانسانية أكبر دلالة يشتمل عليها هذا السجل الحافل بالمآثر . لأنه يرنا القوة كيف تكون نعمة انسانية عالية ولا تكون لزاما نقمة من نقم الأثرية والأنانية ، ويرينا الرجل كيف يقوى فلا يخافه الضعيف بل يخافه من يخيف الضعفاء وبحق يتزود بهذه القوة مؤسس دولة تقوم على دين ، لأن الدولة قد تقيمها القوة الطاغية ، أما الدين فلا يهدمه شيء كما تهدمه قوة الطغيان ان البأس الذي رزقته نفس عمر الحظ عظيم . ولكنه لو كان في يدي غيرها لقد يكون نصيبها منه أوفي من نصيبها وهو في يديها ، فلم يشحذه قط لغرض يخصه دون غيره ، ولم يضرب به قطر بمعزل عن الايمان حتى في أيام الجاهلية . فلو لم يقع في روع أن محمدا أهان قريشا وانقص دينها لما تصدى له بأذى ، ولولا حرمة الايمان الجاهلي عنده لما ثار علی ایمان محمد وصحبه وغاية ما هنالك انه فرقی بین ایمان و ایمان ، قفي الجاهلية كان ايمانه (۱) : المولوع به . عمر عمر 6 4 مضللا فعقم ولم يأت بطائل ، وفي الاسلام كان ايمانه رشیدا فأتي بأطيب الثمرات

قبل أن يقال : ان عمر كان أكبر فاتح في صدر الإسلام ينبغي أن يقال : انه كان يومئذ أكبر مؤسس الدولة الإسلام ، وانه أسسها على الايمان ولم يؤسسها على الصولجان"، فكان مؤسسا لها قبل أن يلى الخلافة وينفرد بالكلية العليا ، وكان من يوم اسلامه آخذا في تشييد هذا البناء الذي تركه وهو بين دول العالم أرسخ بناء . ان تاریخ عمر و تاريخ الدولة الاسلامية لا يفترقان ، فاذا بدأت بهذا فقد بدأت بفصل من تاريخ ذاك ، ولن يطول بك الاستطراد حتى تثوب) اليه مرة أخرى (1) : كلمة فارسية معربة ، ومعناها : الممجن . (۲) تثوب : ترجع •


  1. أي تمکین و تقوية
  2. أي عسب النخل
  3. الظاهرة .
  4. أي الجديرة
  5. من معاني السمط : خيط فيه
  6. ملاك الأمر : أي قوامه.
  7. أي اؤمره وأولي.
  8. حدود.
  9. أي ترد وتمهل
  10. المكث: اللبث والانتظار.
  11. أي التجبر.
  12. أي لا يقيد .
  13. المراد : الجواسيس.
  14. القوي