انتقل إلى المحتوى

عبقرية عمر (المكتبة العصرية)/إسلامه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


إسلامه

يجوز أن نبحث عن سبب واحد للعمل الذي يعمله الرجل اليوم وينساه غدا، أو يكرره كل يوم ولا يلتفت الى عقباه، أو يلتفت الى عقباه ولا يتوقع له أثرا يغير في مجرى حياته . فسبب واحد لعمل من هذه الأعمال كاف ولا حاجة بعده الى استقصاء

لكن العمل الذي تتحول به حياة الانسان تحولا حاسما لن يرجع الى سبب واحد، ولن تستغني في تفسيره عن عدة أسباب، بعضها حديث وبعضها قديم، ومنها الظاهر الطبع والخفي المستعصي، وقد يجهل صاحبها بعض هذه الأسباب وينسى المهم منها ويتعلق بالهين القريب.

فالرجل الذي يغير موطنه، أو معيشته، أو زيَّه، لا يفعل ذلك عفو الساعة، ولا تلبية لاقتراح يوحى إليه في مجلس فراغ . وقد يتوهم هو أنه سمع الاقتراح فلبَّاه، وأنه لم يكن ليلبيه لولا ما سمع في تلك اللحظة العارضة . فهاجر أهله وترك موطنه وغير صناعته من أجل كلمة .. وأنك سائله ساعتئذ : « انك قد هجرت أهلك وترکت موطنك وغيرت معيشتك لأنك لبَّيت اقتراحا، فهل تعلم لم لبيت الاقتراح ». فاذا سألته ذلك السؤال، رددته إلى نفسه فعلم أن الأسباب الصحيحة وراء ذلك .. وانه لم يتحول لأنه سمع الاقتراح المزعوم، بل سمع الاقتراح ولباه١ لأنه كان قبل ذلك مستعدا للتحول ماضيا في طريقه، ولو سمعه لم يكونوا مستعدين مثله، لما عملوا به ولا التفتوا اليه ..

وأين تغيير المعيشة والموطن والزی من تغيير العقيدة الدينية ? ..

اننا اذا استصغرنا السبب الواحد في تفسير تلك التغييرات فهو لا مراء أصغر من ذلك جدا في تفسير التحول الحاسم الى دين جديد ۸۲ 6 6 موقوتة . هی الحدث العظيم في وقد أحاط 6 لأن الانسان اذا غير معیشته فانما يغير صناعة ، واذا غير موطنه فانما يغير بلدا ، واذا غير زبه فانما يغير سمتا يقوم على كساء ، ولكنه اذا غير عقيدته الدينية فقد غير كونه واستبدل به کونا آخر ، وقد غير ماضيه وماضي أهله ، وغير حاضره وحاضر أهله ، وغير مصيره في الدنيا وبصيره بعد الموت ، وغير آراءه ومقاییسه فيما يأخذ وفيما يدع من أمور الحياة وعلاقات الناس ، ومنها ما لف) وأواصل ومحان وکاره متوشحات الأصول الى ما وراء الآباء والأجداد فسبب واحد لا يغير هذا كله دفعة واحدة ولا بد لتمام هذا التغيير من أسباب سابقة ، وأسباب مهيئة ، وأسباب أقلهر تلك الأسباب ، وقد تكون أضعفها وأقلها تفسيرا لذلك العالم ، وهل يتغير الأنسان هكذا الا بالعالم في نظره حدث عظیم ? .. و نحن قد أشرنا فيما تقدم الى ندم عمر لشكاية المرأتين اللتين عارضهما في الاسلام ، والى ما كان لندمه من كسر حدته واستلال ضغنها وترويض عناده والتقريب بينه وبين الخشوع الديني والهداية الاسلامية . فهل نقف عند هذا الندم و كفي ؟ وهل التنهينا به إلى حيث يستقر الوقوف ? .. انه لسبب من الأسباب ومما لاشك فيه أن عمر كان مقتربا من الاسلام يوم رئي لأم عبد الله بنت حثمة ، وتركها تنطلق إلى الهجرة وهو يدعو لها بالسلامة ، وكانت هي على صواب حين طمعت في اسلامه ورجالها يائسون منه ، فقد سألها عامر بن ربيعة مستغربا مستبعدا : كأنك قد طمعت في اسلام عمر قال : أنه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب ! ولكن الرجل أخطأ وصدقت المرأة ، اذ ليس أسرع من المرأة أن تامح جانب الرقة وجانب الغضب من قلب الرجل في خطفة عين أليست حياتها كلها من قديم الزمن منوطة بذلك الغضب کیف تتلطف في تحويله (۱) أي هيئة • (۲) من الألفة • (۳) أي علاقات وروابط . (4) من المحبة . (5) توشحت : أي لبست الوشاح (1) اي حقده • 4 L. ? وو قالت : نعم . . هو

عمر 6 لا وبتلك الرقة .كيف تتلطف في ابتعاثها من مكمنها ?.. وهل تحجبها عنها القوة ، وهي ما نفذت الى نفس الرجل قط الا من وراء القوة ?.. فعمر كان مقتربا من الاسلام يوم رثي للمرأة المهاجرة ودعا لها بصحبة الله ، وكان على تمام الإسلام يوم رأى الدم على وجه أخته ورأي زوجها منطرحا تحته لا يقوى على دفاع ولكنه كما قلنا : سببه من أسباب ، أو أنه السبب العارض الذي يومية إلى السبب العميق : سبب عارض هو الإسف لشكاية الضعبف ، وسبب عمیق هو الرحمة التي تجمل بذي نخوة کریم . وليس الانسان کله ندما ورحمة وان طال ندمه وطالت رحمته . فليس كل ما احنوى رحمته بمحتويه الى زمن طويل وقد تعددت الروايات في اسلام واختنف بعض هذه الروايات في اللفظ واتفق في المغزى"، وجعل أناس ينظرون فيها، كأنما الصحيح منها لا يكون الا رواية واحدة وسائرها باطل لا يشمل على حقيقة ، فلم تكون صحاحا كلها .. ولم لا تكون أسبابا متعددات في أوقات مختلفات ?.. فمن المستطاع المعقول أن نسقط منها قليلا من الحشو هنا وهناك ثم نخلص منها الى جملة أسباب لا تعارض بينها في الجوهر ، وقد يعزز بعضها بعضا في نسق السيرة، وفي تباب النتيجة روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : « كنت للاسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش .. فخرجت أريد جلسائى أولئك فلم أجد أحدا . فقلت : لو أنني جئت فلانا الخمار ... وخرجت فجنته فلم أجده .. قلت : لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين !.. فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، وكان أنا صلی استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام واتخذ مكانه بين الركنين : الركن الأسود والركن اليماني ، فقلت حين رأته : والله لو اني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول ، وقام بنفسي أنني لو (1) أي يشير (۲) الكبرياء والعظمة . (۳) أي المقصد A. > و هم نعیم دنوت اسمع منه لاروعنه ، فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها ما بيني وبينه الا ثياب الكعبة ، فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلنى الاسلام » وروى ابن اسحق في سبب اسلامه كما قلنا عنه في كتابنا ( عبقرية محمد » : « أن عمر خرج يوما متوشحا بسيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه .. قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين رضي الله عنهم فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر ؟.. فقال : أريد محمدا هذا الصابي؟" الذي فرق امر قریش ، وسفيه أحلامها ، وعاب دينها ، وسبة آلهتها ، فأقتله . فقال

والله لقد غرتك نفسك ياعمر !.. أتری بنی عبد مناف تاو كيك

تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا .. أفلا الى أهل بيتك فتقیم أمرهم .. قال : وأي أهل بیتی .. قال : اختك وابن عمك سعيد ابن زید بن عمرو ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه .. فعليك بهما قال فرجع الى أخته وختنه : وعندهما خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا الى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال : ما هذه الهينمة التي سمعت .. قالا له: ما سمعت قال : بلى والله ، لقد اخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه ، وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت اليه أخته فاطمة لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجا .. فلما فعل ذلك قالت له أخته : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك ، فلما رأی عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا ، أنظر ماهذا الذي جاء به محمد .. وقرا سورة طه ، فلما فرا (1) أي لافز عنه واخيفنه • (۲) ما دون العشرة من الرجال . (۳) الذي ترك دينه إلى دين آخر : (4) الصهر ، أو كل ما كان من قبل المرأة كالاب والاخ . (0) أي قاصدا : (6) الموت الخفي - (۷) أي جرحها و . عمر عامدرا 5 (۷), . ذلك خباب < "1"} عمر منها صدرا قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ، فلما خرج اليه فقال له : با عمر ، والله اني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فانی سمعته أمس وهو يقول : اللهم أيد الاسلام بأبي الحكم ابن هشام أو بعمر بن الخطاب ، فالله الله ياعمر .. فقال له عند ذلك شمر : دلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ، فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا معه فيه نفر من أصحابه ، فأخذ سيفه فتوشحه ثم عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب ، وقام رجل من أصحاب رسول الله فنظر من خلال الباب فرآه متوشحا بالسيف ، فرجع إلى رسول الله وهو فزع ، فقال : يا رسول الله !.. هذا الخطاب متوشحا السيف ، فقال حمزة بن عبد المطلب : تأذن له ، فان كان يريد خيرا بذلناه له ، وان كان يريد شرا قتلناه بسيفه ... فقال رسول الله : ائذن له ونهض اليه حتى لقيه بالحجرة فأخذ أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة وقال : ما جاء بك يا ابن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك تارعة فقال عمر : يا رسول الله !.. جنتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله !.. » عمر بن بحجز ته)

هاتان الروايتان هما أجمع الروايات للاسباب « المباشرة ، التي قربت بين عمر والاسلام . وتتفرع منهما روايات منوعة يزيد بعضها تارة أن عمر قد أوفد القتل النبي من قبل قرش ، ويزيد بعضها تارة أخرى آيات من القرآن الكريم قرأها عمر في بيت أخته غير الآيات التي تقدمت الإشارة انيها في سورة طه .. وأشبهها بالتصديق أنه لما اطلع على الصحيفة ترا فيها أسم « الرحمن الرحيم ، فذعر وألقاها . ثم رجع إلى نفسه فتناولها مر باسم من أسماء الله ذعر ، وبالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم أن کنتم مؤمنين » قال : أشهد أن لا اله الا الله ، وأن محمدا رسول الله وهذه على اختلافها روایات متقاربة يبدو لنا أنها قصة واحدة شطرت) (1) أي الآيات الأولى منها . (۲) أي لبسه ۰ (۳) أي قصده . (4) الفرجة بين الشيئين : (0) معقد الازار • (1) أي جذبه . (۷) الداهية • (۸) أي أرسل • (۹) نصفه وجعل كلما .. فلما بلغ ۰۰ (1). . ۸۹ وهي 6 (۱) هو شطرين وزيدت عليها الحواشي والأطراف ، فاختلفت في ألفافتها ومواعيدها واتفقت في جوهرها ومدلولها ، لأنها تمس نفس عمر من الناحية التي هي أشبه أن تهديه إلى طريق جدید كما أسلفنا - تجمع لنا الأسباب « المباشرة » التي اقترنت باسلام عمر ، ولا تغنينا عن الاسباب الاخرى التي هي أساس هذه الاسباب ومرجعها ، ولأجلها كان خليقا أن تأخذه بلاغة القرآن ، وأن میل به الرحمة الى الايمان فقد كان مهيأ للاسلام لا محالة ، وكانت مجافاته للاسلام خليقة أن تنتهي بعد قليل ، وألا تطول الا ريثما تعن" المناسبة للشهادة باللسان بعد التهيؤ بالفطرة والضمير فلم يكن بين عمر والاسلام في بداءة الأمر الا باب واحد للعداء وكل ما عدا ذلك من الأبواب فقد كان مفتوحا بينه وبين هذا الدين الجديد ، ما الا أن يراه بالعين حتى يندفع فيه كان باب العداء بينه وبين الاسلام انه رجل قوي غيور عزيز في قومه ، فاذا رجل يخرج عليهم فيفرق كما قال - أمر قریش ایسفه أح ويعيب دينها ، ويسب آلهتها .. فلا جرم أن يثور ويغضب وينقم ، ولا أن يذود عن دماره ويرحض المعابة عن شرف آبائه ، ويرى أنه غير د ولا باغ ، وأن البغي والعدوان انما يجيئان من قبل ذلك الرجل الخارج على قومه ، حتى يتبين له بالحق الذي يصدع به أن الذي هو فيه هو البغي والعدوان ذلك باب العداء الوحيد الذي كان بين عمر والاسلام ، وهو باب لا يطول مدخله في نفس طبعت على العدل والإنصاف من سبب يصل بين الجاهلي الشريف وهذا الدين الجديد الا كان موصولا بنفس عمر أوثق صلة ، وما علمنا من سبب للاسلام الا كانت له عقدة في نفس عمر وثيقة القرار فربما أسلم أناس لأنهم أخذوا ببلاغة القرآن ، وأسلم أناس لأنهم (1) أي تعرض أو تأتي • (۲) أي فلا بد ، او فلا محالة . (۳) أي يكره• (4) يغسل ، (9) صدع بالحق : تكلم به جهارا . جد أحلامها عجب (a) . فما 6 (۱) مر عمر یان عمر (1) (1) کرهوا المنكر الذي كان يشيع في الجاهلية ، أو لأنهم ورثوا النزعة الدينية والخلائق المستقيمة ، أو لأنهم جبلوا على روحانية تصل بينهم و بين عالم الغيب وحظيرة الأسرار ، أو لأنهم قد رضت لهم عارضة موقوتة حرکت ما فيهم من كوامن تلك الأسباب وكل أولئك كان عمر على استعداد له عظیم وكل أولئك لم يكن فيه بالوسه وسط المكرر ، بل كان فيه العلم المرتفع المضيء بين الأعلام بليغا النقد للبلاغة ، هواه منها الصدق والطبع وجمال الننصیل .. فكان يطرب لقول زهير : فان الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء ويقول كلما أنشده معجبا : ما أحسن ما قسم ! .. وسماه شاعر الشعراء لأنه لا يعاظل بين القوافي ولا يتبع حوشي الكلام وربما قضي الليلة ينشد شعره حتى يبرق الفجر فيقول لجليسه : « الآن اقرأ يا عبد الله » جاءه يوما بعض آل هرم بن سنان ممدوح زهير فقال أما وان زهرا كان يقول فيكم فيحسن ، فقيل له : كذلك كنا نعطه فنجزل"، فعاد عمر يقول : ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم وجاءه وفد من غطفان فسألهم : من الذي يقول : حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب قالوا : نابغة بني ذبيان . فسألهم : ومن الذي يقول : أتيتك عاريا خلقا ثيابی على رجل نظن بي الظنون فألفيت الأمانة الم تخنها كذلك كان نوح لا يخون قالوا : هو النابغة . فقال : هو أشعر شعرائكم وطالما أعجب بقول عبدة بن الطبيب : والمرء سماع الأمر ليس بدرکه والعيش شح واشفاق و تأمیل وينشده فيقول : على هذا بنيت الدنيا ! .. (1) أي طبعوا ، (۲) من النفور ، ونفار الشيء من الشيء : تجافيه عنه وتباعده (3) الظهور والوضوح (4) ضمن (5) أي خيشبه وغريبة (6) أي نغدق العطاء . (۷) الثوب الخليق : القديم البالي عمر

(1)

(۲). .

.

وندر بين أئمة الدين من غاص في أدب قومه غوصه ، ووعي من أشعارهم وطرفهم مثل ما وعاه . قال الأصمعي : ما

ما قطع عمر أمرا الا تمثل

فيه ببيت من الشعر. ونحن نرجع الى الشعر الذي تمثل به فنراه في أحسن موقع وأصدق شاهد ، وتلمح من قليل أخباره في خلوته أن الأدب كان جانبا من جوانبه التي ترق فيها حاشيته ويأنس فيها الى قلبه ويرجع فيها انی فطرته . جاء عبد الرحمن بن عوف الى بابه فوجده مستلقيا على مزحفة له ، واحدي رجليه على الأخرى ، وهو ينشد بصوت عال : وكيف ثواني بالمدينة بعدما قضى وطرا منها جميل بن معمر فلما دخل عبد الرحمن وجلس قال له : يا أبا محمد ، انا اذا خلونا قلنا كما يقول الناس ولم يقصر اعجابه بالشعراء ، على الذين وافقوا المواعظ والسنن الدينية ، بل نظر في فنهم وفاضل بينهم في بلاغتهم ، ففضل امرأ القيس لأنه « سابقهم خسف لهم عين الشعر فافتقر عن معان عور أصح ونوادره مع الشعراء والرواة كثيرة تدل على شغفه بالبلاغة الصادقة وحفظه لأجمل ما يحفظ بين أهل عصره ، كما تدل على ذلك خطبه ورسائله وشواهده وأمثاله أنه نظم الشعر أو لا يصح ، فقد نسبت اليه أبيات وأنكر أنه شاعر حيث يقول : لو نظمت الشعر لقلته في رثاء أخي . ولكن الصحيح أنه كان الشعر البليغ ويرويه ويوصي بروايته ، وأنه نشا في قوم يحبون مثل ما أحب ، ويعجبون بمثل ما أعجبه ، ومنهم أبوه الذي نظم الشعر في أكثر من مناسبة وروى عنه أنه قال لما توعده ابن أمية : أيوعدني أبو عمرو ودوني رجال لا ينهنهها الوعيد بهر وقد بمج فو أبو عمرو (4)

  • *

ربيع المعدمين وكل جار اذا نزلت بهم سنة. كؤود هم الرأس المقدم من قریش وعند بيوتهم تلقى الوفود (1) أطال الاقامة به ، أو نزل به . (۲) الحاجة . (۳) معنى العبارة : أي استنبط عين الشعر ، وشق طريق المعاني ، وأتي بالشوارد الحسان (4) نهنهله عن الشيء : أي كفه وزجره (9) اي شاقة .

(1)

ونصرهم اذا أدعو عتيسة .. فكيف أخاف أو أخشى عدوا فلست بعادل عنهم سواهم طوال الدهر ما اختلف الجديد الى آخر ما نسب اليه أقرب شيء إلى الواقع - والى المتوقع - أن يؤخذ ببلاغة القرآن رجل نشا هذه النشأة ، وأحب الكلام البليغ هذا الحب ، وأن يخشع التفصيله ، فيفتح من قلبه مسالك الأصغاء مستقیم الطبع مفطورا على الانصاف ، فلم يكن رجل مثله ليستريح الى فساد الجاهلية ، أو ينكر فسادها ، اذا نبه اليه وهدی 6 الآياته ويعجب وكان عمر 6 منه { وكانت النزعة الدينية وراثة في أسرته ، على ما يظهر من مبادرة أخته فاطمة وابن عمه سعید بن زید الى الاسلام ، وكان له قبل الاسلام رجل من عمومته يقدح في الوثنية ويبحث عن الحق في النصرانية واليهودية ، ويبتلى أهله بالخلاف ويتلونه بالايذاء والحب والارهاق ، ونعني به زيد بن عمرو بن نفیل

وعمر نفسه ألم يقل لنا انه يئس ليلة من السمر ومن الخمر فذهب يطوف بالبيت كان طواف البيت شهوة من شهوات قلبة تنوب عنه مناب المحبوب من الشهوات .. ألم يكن في الجاهلية ينذر أن يعتكف ليلة كل أسبوع .. بل لعل صلابة الخطاب أبيه لم تكن في صميمها شيئا مناقضا لعنصر الدين والايمان . فان هؤلاء الصلاب الشداد في المحافظة على العرف هم أولئك المؤمنون المتزمتون الذين لا يطيقون المساس بعقائدهم اذا آمنوا بدین وزاد عمر على الوراثة الدينية أنه كان صاحب فراسة وزكانة وكان يستطلع الرؤى والمنامات ويتصل بالغيب ويصر على البعد کما سلف في حديث سارية حين ناداه : يا سارية الجبل !.. يا سارية الجبل ، وبينهما مسيرة ايام (۱) حاضر مهيأ . (۲) ظن بمنزلة اليقين .

1.

و وو 6 (۳). من وكانت الموارض تمر به فتعطفه الى الاسلام تارة من طريق الرحمة وتارة من طريق العدل والنخوة ، فيخشع ويندم ويراجع عناده وكبرياءه . اذ ليس أبغض الى الرجل الأبي المنصف من أن يحارب أناسا لايحاربونه ويلج في ايذاء قوم لا يقدرون على أذاه فاذا تفتحت هذه الأبواب جمیعا بين عمر والاسلام ، فباب واحد موصد لن يحجبه طويلا عن هذا الدين ، ولن يحجب هذا الدين طويلا عنه وقد تفتحت في يوم من الأيام تفتحت كلها فدخلها دخول العاصفة من جميع الأبواب ، وأسلم الجاهلي الشريف كما كان ينبغي أن يسلم ، وكما كان يقينا سیستم في مناسبة المناسبات فاذا العالم الانساني قد تفتحت فيه صفحة جديدة صفحة يقرأ فيها القاريء قبل كل شيء ماذا يصنع الإسلام بالنفوس ويعلم منها قبل كل علم أن هذا الدين كان قدرة بائية منشئة الدن المقادير التي تسيطر على هذا الوجود : كان قدرة تلابس الضعيف فيقوى ، وتلابس القوی فتنمى قوته وتجرى به في وجهته ، وكان يدا خالقة حاذقة "تأخذ الحجارة المبعثرة في التيه فاذا هي صرح أساس وأركان ، وفيه مأوى للضمائر والأذهان جاهلی کسبه الاسلام فكسبه العالم الانساني كله الى آخر الزمان ردت الى صاحبها فعرق منها ما كان ينكر واطلع منها على ما كان يجهل ، ونفع بها أمته وأمما لا تحصى ، وصنع بها الاسلام أعظم وأفخم ما تصنعه قدرة بناء وانشاء ، حيثما كانت قدرة بناء وانشاء .. ونظرت الأمم فرأت کیف تعلو النفس الإنسانية حتى يحار فيما الانسان وهو رشة في مهب النوازع والاشجان رأت کیف يقع العدل والحق طبيعة حياة ، وكيف يصبح مخلوق من اللحم والدم وكأنه لا يأكل طعامه ولا يروي ظمأه الا ليعدل ويعرف الحق ، نفخو ولا ينام الا ليعدل ويعرف الحق ، وكانه لا يتنفس الهواء (1) أي يبالغ ۰ (۲) مغلق . (۳) أي عند ۰ (4) الماهر . (0) المفازة ، (1) القمر و كل بناء عال 4 .. و نفس ضائعة وكأنه لا والضلال و -روسی (1) الا ليمتنع الظلم عن الناس وتدول دولة الباطل بين الناس ، وكأنما العدل والحق دین عليه يطالبه به ألف غريم، وهو وحدد أقوى في المطالبة بهما من ألف خريم ta) لا أنسی في تاريخ ا * يصيبه ما يصيب المسلمين ، لقد كان هذا الرجل المجيد يبغض أن يظلم غيره أشد من بغضه أن يظلمه غيره": وهذه منزلة في الانفة لا تطاولها المنازل ، لأنها منزلة الأبطال الذين يسمون على أنفسهم ، ولهم أنفس أسي من عامة الأبطال واننا لنعلم کم حز في قلبه الكريم أن يضرب بريئا على دين الحق كلما رجعنا إلى أيامه الأولى بعد الاسلام ، وهي أيام البطولة والابطال فما شغله أمر بعد اعلان الدين الا أن يخرج ليضربه أناس كما كان يضرب أناسا في سبيل ذلك الدين ثار الى الناس يضربونه ويضربهم ، فقام خاله يسأل : ما هذه الجماعة ?.. قيل له ان ابن الخطاب قد صبأ ... فقام على الحجر فنادى : الا انني قد أجرت ابن أختي : قانكشف الناس عنه ، فكان لا يزال يرى مسلمان يضرب ولا يضر به أخد ، وثقل عليه ألا فذهب الى خاله وقد اجتمع الناس في الحجر وناداه : اسمع !.. جوارك مردود عليك . قال خاله وهر به وبما يستهدف له أدري : لا تفعل يا ابن أختي . فأصر على ود جواره ، وطاب له بعد ذلك أنه اقتص من للأبرياء الذين ضربهم وهو يجهل دينهم ، فلا تمضي تلك الضربات بغير قصاص ، وان كفر عنها بالتوبة واعزاز الدين الذي آذاهم من أجله وأبي اللحظة الأولى الا أن يواجه الخطر الأكبر في سبيل دينه والا أن يقبض على الثور من قرنيه كما يقول الغربيون في أمثالهم ، وأن تحدي قريشا بحقه من آمن بأنهم على باطل ، فسأل أناسا : أي أهل مكة أنقل للحديث ؟.. قيل له : جميل بن معمر الجمحي . فذهب اليه فصرح له باسلامه !.. ولم يكذب الرجل الظن به ، فما هو الا أن سمعها حتى خرج وعمر وراءه إلى أندية قريش حول الكعبة يصرخ بأعلى صوته (1) أي تغلب و تنهزم - (۲) المراد هنا : الأول . (۳) الكريم الاصل (4) أي استنکف • (9) يعلون ويترفعون - (۹) أي ترك دينه إلى دين آخر و من 6 ۹۲- وشمر يقول من مد على باب المسجد : يا معشر قريش !.. ألا أن عمر بن الخطاب قد صبا » خلفه : كذب !.. ولكني أسلمت، وشهدت أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله . ثم تنشب المعركة بين هذا الرجل المفرد وبينهم فيثب على أدناهم منه وأجر أهم عليه عتبة بن ربيعة - فيصرعه ويبرله عليه يضربه ، ويدخل اصبعيه في عينيه ، لأنهما عمياوان عن الحق لا تبصران النور !.. ويتكاثرون عليه فلا يدنو منهم أحد « الا أخذ دنا منه ، حتى أحجموا عنه وركد الشي وفتر" من طول الصراع ، فجلس وهم قائمون على رأسه يتلبونه وهو يقول لهم : « افعلوا ما بدا لكم ، فوالله لو كنا ثلثمائة رجل لتركتموها لنا أو شريف من (1) < تركناها لكم » .. افعلوا ما بدا لكم ... وهذا ما أراد .. فما يستريح وجدانه الحي ان يضرب مسلما لاسلامه ، ولم يضرب كافرا لتكفره ، وما يشعر أنه وفي الله دينه ، وقد ضرب ولم تضرب ، وآذى أناسا ولم يذه أحد ، وما تهدا حاسبة العدل فيه وقد كانت كانها من حواس بدنه - الا أن يحس القصاص في نفسه كما أحس المضروبون بالأمس عدو أنه في أنفسهم « وراح يسأل النبي : يا رسول الله !.. ألسنا على الحق ان متنا أو حبينا ?.. فقال عليه السلام : بلى والذي نفسي بيده أنكم على الحق ان متم وان حييتم . قال : ففيم الاختفاء .. والذي بعثك بالحق لتخرجن ! « فما لبث النبي أن خرج في صفين ، أحدهما فيه عمر والآخر فيه حمزة . ولهما كديده كانه کديد الطحين ، فدخلوا المسجد وقريش تنظر وتعلوها کابة فلا يجرؤ سلیط منها ولا حكيم أن يقترب من صفين فيهما هذان .. وسماه النبي يومئذ بالفاروق قال علي بن أبي طالب رضی الله عنه : «ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر الا مختفيا ، الا عمر بن الخطاب ، فانه لما هم بالهجرة تقلد سیفه وتنك" قوسه واتضى في يده أسهما واختصر عنزته (۵) ومضى قبل . (1) اي كفوا ۰ (۲) استوت (3) الانكسار والضعف • (4) مسرح بالعيب فيه وتنقصه . (5) التراب الناعم . (6) سوء الحال والانكسار من الحزن . (۷) أي وضعه على منكبه . (۸) أطول من العصا ، وأقصر من الرمع 4 ۹۳_ باره ) (۳) (1) ( ...

و من

الكعبة والملا من قريش بفنائها .. فطاف في البيت سبعا متمكنا ، نم المقام فصلى ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة يقول لهم : شاهت الوجوه ... الايرغم اله الا هذه المعاطس ... من أراد أن يتكل أمه أو پونم ولده أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي لقد كان له في تحديه هذا الفريش عدتان : شجاعته وعدله .. فما كانت شجاعته في هذا التحدي بأنلهر من عدله ولا كان عدله فه بأظهر من شجاعنه . اذ الشجاع الحل مطبوع على الانفة من الظلم لأنه سدید الاحساس بذله كان شديد الإحساس بذلة الظلم فهو شدید الاحساس بعزه العدل من طريق واحد. وقلما أغضب العادل الشجاع کاستالة الظالم وظنه أن المظلوم لا يستطيل عليه : فذلك هو التحدي الذي يثير الشجاعة ويثير النقمة على الظلم أو بتير حب العدل في وقب واحد ، وان الموت الأهون من الصبر على هذا التحدي المرذول وهذا الملف القبح، وما الشجاعة ان لم تكن هي الجرأة على الموت کلما الاجتراء عليه ?.. وأي امرىء أولى بالجرأة من الشجاع الشجاع الذی بعلم أن الحق بين يديه .. ألسنا على الحق ان حيينا وأن منا .. فعلى الحق اذن فلنمب، ولا نعيشن على الباطل .. فالاطل كريه والجبن كریه وذانك ملتقى العدل والسجاعة في قلب العادل النجاع نی؟ (a) وج

لیست يح قويم الخطاب و نهج عسر طريقه في الإسلام كما نهج طريقه الى الاسلام : کالاهما طريق « عمري » هو أشبه به وهو أقدر عليه ، و کالاها طريق صراحة وقوة لا يطبق اللف والتنطع ولا يحفل بغير الجد الذي لا فيه فلا وهن ولا رياء ولا حذلفة ولا ادعاء . وما شئت بعد ذلك من الام سریع فهو اسلام عمر بن قال في بعض عظاته : « لا تنظروا الى صيام أحد ولا الى صلاته ، ولكن انظروا متن اذا حدث صدق ، واذا ائتمن أدى . واذا أشفي - أي همه بالمعصية - ورع (۱) قبحت . (۲) ارغم الله أنفه : ألصقه بالرغام وهو التراب . (۳) وهو الانف . (4) الشكل : ففدان المرأة ولدها: (0) : مجاوزة الحد. (6) المغالاة (۱) من و من 1. ده (1) وقال في هذا المعنى : « لايعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن .. من أدى الأمانة إلى من ائتمنه، وسلم الناس من يده ولسانه » وقال في عمل الدنيا والآخرة : «ليس خيركم من عمل للآخرة وترك الدنيا ، أو عمل للدنيا وترك الآخرة ، ولكن خيركم أخذ هذه . وانما الحرج في الرغبة فيما تجاوز قدر الحاجة وزاد على حد الكفاية . ولم يكن أبغض اليه ممن يتوان ليقال انه متوكل على الله . أو تراءى بالضعف؛ ليقال : انه ناسك ، أو يفرط في العبادة ليقال: أنه زاهد في الدنيا فكان يقول : « ان المتوكل الذي يلقى حبه في الأرض ويتوكل على الله » ... و « لا قعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقنی وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وان الله تعالى يرزق الناس بعضهم من بعض » وكان يضرب من يتماوت ويستكي ليظهر التخشع في الدين ، فنظر الى رجل مظهر للنسك" متماوت نخفقه" بالدرة وقال : « لا تمت علينا ديننا أماتك الله ، وأشاروا له الى رجل يصوم الدهر فضربه وهو يقول له : كل يا دهر !.. كل يا دهر !.. ينهاه عن الصوم الذي يعوقه عن معاشه ولا يوجبه عليه الدين وكان كلما رأى شابا منكسا رأسه ، صاح به : « ارفع رأسك فان الخشوع لا يزيد على ما في القلب ، فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فانما أظهر للناس تفاقا الي نفاق » وانما كان يعجبه الشاب الناسك نظيف الثوب طيب الرائحة ، ویری المسلمين بخير ما علموا أبناءهم الرمي والعوم والفروسية ، فأنتم بخير كما قال : « ما نزوتم على ظهور الخيل » دین الرجل القوى الشجاع الذي ينتصر بدينه في ميدان الحياة ، وليس بدين الواهن المهزوم الذي تركته الدنيا فأوهم نفسه انه هو (۱) حكاية صوت الطنبور وشبهه . (۲) ايقصر ۰ (۳) يتظاهر (4) يخضع ويذل • (5) العبادة . (6) اي ضربه • (۷) اي العابر ۰ (۸) أي و ثبتم • 6 y 6 (۲) 6 . -1- .. تارکها ليقبل على الآخرة وكانت شجاعته في دينه أندر الشجاعات في النفوس الآدمية ... لأنها الشجاعة التي يواجه بها تهمة الجبن وهو أرذل من الموت عند الرجل الشجاع . فان كثيرا من الناس ليعدلون عن الصواب الذي يظهرهم بمظهر الخوف ليقل انهم شجعان ، وانهم عدولهم عنه لمن الجبناء المستعبدين للثناء ، ولم يكن يعدل عن صواب فهمه ولو قيل في شجاعته ما قيل ، وتلك أشجع الشجاعات عمر

(1) عنه رعیت فشا طاعون عمواس ، وعمر في طريقه إلى الشام ، فلقيه أبو عبيدة وأصحابه عند تبوك وأخبروه خبر الطاعون ، فاستشار المهاجرين والأنصار ، فاختلفوا بين ناصح بالمضي وناصح بالقفوا : ناصح بالمضي في طريقه يقول انه خرج لأمر ولا ری له أن ترجع ، وناصح بالقفول يقول انه اصطحب « بقية الناس وأصحاب رسول الله ولا يرى أن يقدمهم على وباء ) ... ثم دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فلم يختلف عليه رجلان وأشاروا جميعا بالرجوع . فقال أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ? قال عمر : نعم ، نفر من قدر الله الى قدر الله .. أرأيت لو كان لك ابل هبطت واديا له عدوتان، احداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس ان الخصية رعيتها بقدر الله ، وان رعيت الجدية رعيتها بقدر الله ... وما رام مكانه حتى جاءه عبد الرحمن بن عوف لحسم الخلاف برأى النبي في الخروج من أرض الطاعون والقدوم اليها حيث قال عليه السلام : و اذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، واذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها » فكان ايمانه بصيرا لا يهجم به على عمياء ولا يستسلم فيه استسلام العجزة وهو قادر على الحيطة والأخذ بالأسباب ، وكانت نصيحته العامة للمسلمين في أمر الطاعون کرايه الخاص في أمر نفسه وصحبه ، فأمرهم بالاستنقاذ ما وجدوا له سبيلا وكتب إلى أبي عبيدة : « انك قد أنزلت (۱) بالرجوع (۲) العدوة : جانب الوادي وحانته (3) أي لبث فيه ولم يغادره .. . . ۱۱ الناس أرضا غمقة - أي وخيمة - فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة ،، وهو أحوط ما يحتاط به أمير عالم في هذه الأيام كذلك لم يكن يؤمن بشیء ينفع أو يضر غير ما عرفت أسباب تفعه وضرره ، فكان ينظر الى الحجر الأسود فيقول كلما استلمه : اني لأعلم افك لا تضر ولا تنفع ، ولولا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلك ما قبلتك أن الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله تحتها بيعة الرضوان ، فیصلون عندها ويتبركون بها ، فأوعدهم وأمر بها أن تقطع مخافة أن تسرى الى الاسلام . هذه المناسك وأشباهها لوثة من الوثنية والتوكل على الجماد حجر وسمع 6 من

ما لا وربما التبس الأمر من نوادر عمر في النقشف واجتناب المتع والمناعم فحسبت فرائض يوجبها ويجري على طريقة أولئك النساك المتخشعين الذين كان ينهاهم أن يميتوا الدين ويهزأ بهم كلما تنطعوا فيه وأوجبوا يجب على المؤمنين فلا يلتبسن الأمر هذا الملتبس ، فهو واضح بين التفرقة من سيرته ومن الأحاديث التي صحبت تلك النوادر ، ففسرتها ودلت على الغرض منها فعمر كان مسلما وكان خليفة للمسلمين . وفرق بين محاسبة المسلم قفسه وهو مسئول عنها دون غيرها ، وبين محاسبة الخليفة نفسه حتى يقع الشك في عمله ، وينزهه يده وأيدي أهله عما ليس لهم بحق من سلطان الحكم أو بیت المال ، ثم يفي لذكرى صاحبه الذي خلفه على المسلمين ، فلا يعيش في مكانه خيرا من عيشته ولا يمنح نفسه وذويه ما لم يمنحه النبي لآله وذويه وعمر الذي كان يقنع بالخشن الغليظ من المأكل والملبس و يا بي أن يذوق في المجاعة مطعما لا المسلمين أنما هو الخليفة الذي يحاسب نفسه قبل أن تحاسبه الرعية ، وقد وجد منهم من لامه لأنه طرح" (۱) الحمق ، ومس الجنون • (۲) تنطعوا هنا : بمعنی تغالوا : (۳): رماه ۰ -1- (۳) 6 من يجب عليك أن تريح. - | مر کساءه وفيه فضل ملبس . فاتقاء هذا الحساب وما وراءه من حساب الله هو الذي توخاة خليفة النبي في معيشته ومعيشة أهله ، مما يشبه تقشف النساء وعلى هذا كان أعلم الناس أن الطيبات حلال وأن النهي عن الحلال تنطع في الدين يأباه الاسلام كتب اليه أبو عبيدة أنه لا يريد الاقامة بأنطاكية لطيب هوائها ووفرة" خيراتها ، مخافة أن يخلد الجند الى الراحة فلا ينتفع بهم بعدها في قتال . فأنكر عليه ذلك وأجابه : ( ان الله عز وجل لم يحرم الطيبات على المتقين الذين يعملون الصالحات ، فقال تعالى في كتابه العزيز : « يأيها الرسل کلوا الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم» وكان . المسلمين من تعبهم وتدعهم يرغدون في مطمعهم ويريحون الأبدان النكبة في قتال من كفر بالله ) وحدث حذيفة بن اليمان أنه أقبل على الناس وين أيديهم القماع فدعاه إلى الطعام وعنده خبز غليظ وزيت ! فقال حذيفة : « أمنعتني أن أكل الخبز واللحم ودعوتني على هذا ?.. قال : إنما دعوتك على . فأما ذاك فطعام المسلمين » فللمسلمين حل ما شاءوا من الطعام أما الرجل الذي ينفق من بيت المال فله ما يكفيه . والحرج كل الحرج عليه . في عدل عمر وحزمه وجلده - أن يأخذ منه ما لا حاجة به اليه ، وانه ليزداد حرجا على ما قناعة أن يكون من أصحاب رسول الله ويعلم کیف کان الله يأكل في بيته وماذا كان يجد من الملبس له ولأهله ، ثم يصيب من هذا أو ذاك خيرا مما أصاب الرسول وللولاة عنده مثل ما للمسلمين عامة من حق المتعة السائغة والنعمة التي ترضاها الرجولة ، لا يأخذهم بمحاكاته لأنهم يتولون الأمر كما تولاه . بل ربما لامهم على التقتير كما كان يلومهم على الإسراف أنكر على عامله في اليمن حللا مشهرة ودهونا معطرة فعاد إليه في العام (۱) أي قصده (۲) أي تغال • (۳) أي كثرة . (4) : ير کن (5) الآية : 51 من سورة : المؤمنون ، ۰ (1) التعبة . (۷) أي الجائزة • (۸) برود اليمن• (۹) تلبس للخيلاء طعامي وهو رسول فيه من (۸) وعمر ع من الذي يليه أشعث مغبرا علیه اطلاس"، فقال : لا. ولا كل هذا .. ان عاملنا ليس بالشعث ولا العافي .. كلوا واشربوا وادهنوا انكم ستعلمون الذي أكره من أمركم ومن تمام العلم باسلام عمر أن نعلم فضل اسلامه مع من لم يكن من أهل الإسلام ، فان الحق الذي يتبعه الرجل أهل دينه وحدهم لحق محدود ، يدخل في باب السياسة القومية أكثر من دخوله في باب الفضيلة الانسانية . وأنما يصبح جديرا باسم الحق، حين يتبعه الرجل مع أهل دينه الخارجين عليه كان ولا ريب أشد المسلمين في اسلامه فلو كان الاسلام ظالما بطبيعته لمن لم يدخلوا فيه : لكان عمر أشد المسلمين ظلما لهم وقسوة عليهم . لكنه كان في الواقع أشد المسلمين رعاية لعهدهم من كان أشد المسلمين غيرة على دينه وعمار بأدبه فكان شا نه حاربوه شأن المحارب الشريف ، ولن ينتظر محارب من محارب الى آخر الزمان معاملة أقوم ولا أصدق مع من صالحوه وعاهدوه أن يفي بعهدهم ويخلص في الوفاء به اخلاص من يطالب نفسه به قبل أن يطالبوه ، ومن يراقب نفسه فيه قبل أن يراقبوه كتب للنصارى في بيت المقدس أمانا على أنفسهم وأولادهم ونسائهم وأموالهم وجميع كنائسهم لا تهدم ولا تسكن ، وحان وقت الصلاة وهو كنيسة القيامة فخرج وصلى خارج الكنيسة على الدرجة التي على بابها بمفرده . وقال للبطرك : لو صليت داخل الكنيسة لأخذها المسلمون. من بعدي وقالوا : هنا صلی عمر !.. ثم کتس کتابا يوصي به المسلمين ألا يصلي أحد منهم على الدرجة الا واحدا واحدا غير مجتمعين للصلاة فيها ولا مؤذنين عليها وكذلك كان يفعل في كل موضع صلي فيه من الكنائس التي عاهد النصارى على تركها وتحريم هدمها (1) : المنبر الراس - (۲) : ثياب خلقة بالية . من معاملة عمر المحاربيه وكان شأنه جالس في صحن . وسكناها من أحد معهم فانه آمن على أما عهده لهم فقد كان مثالا السماحة والمروءة لا يطمع فيه طامع أهل حضارة من حضارات التاريخ كائنة ما كانت فكتب لهم العهد الذي قال فيه : « ... هذا ما أعطى عبد أمير المؤمنين أهل ایلیاء من الأمان ، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنا نسهم وصلبانهم وسقيمها وبرينها وسائر ملتها : أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها ولا من خيرها ولا من صلبهم ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بایلیاء من اليهود .. وعلى أهل ایلیاء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن وأن يخرجوا منها الروم واللصوت، فمن خرج عنهم نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن وعلية مثل ما على أهل الياء من الجزية أهل ایلباء أن يسير بنفسه وماله من الروم ويخلي ببيعهم وصلبهم فانهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم وليس الذي عهد من ظافر أن يطمع في أمان أكرم من هذا الأمان وانه لقد كان يعطيهم عليه وعلى قومه هذه العهود ثم لا يقنع بها حتی يشفعها بالو مساية للولاة أن يمنعوا المسلمين من ظلم أهل الذمة ، وأن يوفي لهم بعهدهم وينضح عنهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم : کتب بذلك إلى أبي عبيدة كما كتب الى غيره من الولاة وأوصى به في وصيته قبل أن 6 ،، ومن أحب من يموت (0) . وما شكا إليه مظلوم من أهل الذمة واليا كبر أو صغر الا أنصفه منه . بعث زياد بن حدير الاسدي على عشور العراق والشام . فمر عليه تغلبی نصراني معه فرس قوموها بعشرين ألفا . فخيره أن ينزل عن الفرس ويأخذ تسعة عشر ألفا أو يمسكها ويعطى الألف ضريبة . فأعطاه التغلبی ألفا وأمسك فرسه ، ثم مر عليه راجعا في سنته فطالبه بضريبة أخرى فأبى وشكام الى عمر وقص عليه قصته فما زاد على أن قال له : کھیت !.. ثم رجع التغلبي الى زياد وقد وطن نفسه على أن يعطيه ألفا أخرى ، فوجد (۱): اللصوص (۲) البنيع : الكنائسی (۳) أي منتصر . (4) أي یزب ويرفع (5) جمع عشر : (1) أی هيأ . تعمي | (1)

فيك منی Y (۳) (1) قد كتب اليه : من مر عليه فأخذت منه صدقة فلا تأخذ منه شيئا الى مثل ذلك اليوم من قابل ! وسمع أن بني تغلب لا يزالون ينازعون واليهم الوليد بن عقبة و ينازعهم ، وأنهم أوغروا قدره ، فقال فيهم يتوعدهم اذا ما عصبت الرأس مني بمشون تغلب ابنة وائل فخشي أن يضيق بهم صبره فيسطو عليهم ، فعزله وأمر غيره ولعل حاكما من الحكام لا يرام منه أن يبلغ في البر بمخالفيه في الدين مبلغا أكرم وأرفق من اجراء الصدقة على فقرائهم ، ولاسيما الحاكم الذي يدعو الى دين جديد وقد تقدم أن عمر أجرى الصدقة على شيخ يهودی مکفوف البصر وقال : ما أنصفناه ان أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم وقد جعل ذلك سنة فيمن يبلغه أمرهم من الذميين والمعوزين" فمر في أرض دمشق بقوم مجدمين من النصارى . فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجرى عليهم القوت واذا أحصيت له في سيرته الطويلة أوامر وخططا تحرم الحريات أو بعض الحقوق فكن على يقين أنه قد صدر في ذلك جميعه عن حكمة توحيها سياسة الدولة ، ويقرها العقل والعرف ، كما يقرها الدين والكتاب ، ولم يصدر فيه قط عن حيف مقصود أو عن رغبة في حرمان الذميين حرية يستحقونها أو حقا أحرار فيه ولعل الذي يحمي هذه الأوامر والخطط لا يعدو النهي عن استخدام بعض النميين ، ومنعهم أن يتشبهوا الأزياء والمظاهر بالمسلمين ، وأجلاء بعضهم عن الجزيرة العربية في ابان الفتوح والحذر من الكيد والتجسس والانتقاض فأما نهيه عن استخدام بعض الذميين فارجع الى ما قاله في ذلك ، تعلم منع استخدامهم لمصلحة العدل وكراهة الظلم والمحاباة فقال : « أني نهيتكم عن استعمال أهل الكتاب فانهم يستحلون الرشي » (۱) توقد مي الغيظ : (۲) بعمامة . (۳) أي المحتاجين 0 (4) أي أصابهم الجذام ۰ (۰) : الجور والظلم : (1) أي وقت • (۷) أي الرشوة . الذميين بعض من (۷)

  • وطلب يوما من أبي موسى رجلا ينظر في حساب الحكومة، فأتاه

بنصرانی ، فقال : اني سألتك رجلا أشركه في اماتي، فأتيت بمن يخالف دیشه دینی ، وقلما نهى عن استعمال اليهود والنصارى الا ذكر بعدها : أنهم أهل رشي ، ولا تحل في دين الله الرشي ! وكان له عبد من أهل الكتاب يقال له أسبق . فعرض عليه أن يسلم حتى يستعين به على بعض أمور المسلمين . فأبى ، وأعتقه وأطلقه وقال له : اذهب حيث شئت ! فلم يكن نهيه عن استخدام أهل الكتاب في مهام الدولة الا ایثارا للعدل وكراهة للرشوة والزيع في الحكومة ، وما نظن أحدا ينكر أني استخدام الغرباء عن الدولة خليق أن يحاط بمثل هذا الحذر وأن تجتنب فيه مثل هذه الآفة . اذ يكثر بين المرتزقة الذين يخدمون دولة من الدول و هم غرباء عنها كارهون لمجدها وسلطانها أن ينظروا إلى منفعتهم قبل أن بنظروا إلى منفعتها . وأن يساوموا على نفوذهم قبل أن يستحضروا الغيرة على سمعتها * والرغبة في خيرها وخير أهلها ، ولا سيما في زمن كانت الدولة تميز بالعقائد قبل أن تميز بالأوطان وما من أمة في عهدنا هذا تبيح الوظائف العامة الا بقيود وفروق متفق عليها : أولها تحریمها على الأجانب ما لم تكن في استخدامهم منفعة عامة في مسألة الوظائف القومية، بغير اعنات) للدولة ولا اعنات للرعية ، وكفى باتقاء الاعنات أن العبد المملوك يخير في الوظيفة والاسلام فيأبي ، فلا ذلك ضيم. ويطلق له زمامه يفعل ما يشاء أما نهيه عن تشبه الذميين بالمسلمين وكراهته أن يبدلوا أزياءهم التي ولدوا عليها ، فلا يلام عليه حتى نعلم لم كان أناس من الذين يودون التشبه بالمسلمين في الزي والشارة ?.. أكانوا يتشبهون بهم اذن مسلمون لا يمنعهم مانع أن يجهروا بالاسلام .. أم يتشبهون بهم کیدا لهم ورغبة في التسلل بينهم والافلات من عهودهم والتزاماتهم وما (1) : الميل (۲) من معاني العنت : الوقوع في أمر شاق . (٣) : الظلم وهذه هي سياسة عمر 6 نفسه حبا لدينهم فهم

عمر

عن استخلف عمر توجيه الدولة عليهم في تلك العهود والالتزامات ؟ .. ان كانوا يفعلونه لهذا فلا لوم على أن يأباه . وبخاصة في الزمن الذي كان المسلمون فيه جميعا في حكم الجنود ، وما من دولة ترضي أن تبيح أزياء جنودها لمن يشاء وأما اخراج بعض الذميين من الجزيرة ، فما خرج منهم أحد الا وقد غدر بذمته وكرر الغدر مرة بعد مرة ، كما صنع أهل خیبر ومنهم من أجلى عن الجزيرة لأنه طلب الجلاء فضلا نقضه العهد ، كما فعل أهل نجران فقد صالحهم النبي على أن يبقوا في مساكنهم ولا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به ، وجاء أبو بكر فجدد الصلح على ذلك ، ، ثم فرجعوا الى الربا وأفرطوا فيه ، وكانوا قد بلغوا أربعين ألفا فتحاسدوا بينهم وأتوا عمر يسألونه اجلاءهم فاستحب هذا الجلاء على أنه لم يكن أبي على التجار المأمونين أن يدخلوا الجزيرة ويؤدوا العشور . فلما كتب اليه المشركون من أهل منبج أن « دعنا ندخل أرضك تجارا وتعشرنا» شاور أصحاب النبي فأشاروا عليه بقبولهم ، فدعاهم اليه ولا يفوتنا في هذا الصدد أمران مقترنان بخطة الاجلاء التي لجأ اليها عمر ، وأيقن بصوابها وضرورتها .. فأول الأمرين أن الجزيرة حرم الاسلام الذي كان يحيط به أعداؤه ويتربصون به الدوائر ويثيرون الفتنة على صنع الفرس بالعراق ، والروم بالشام ، ولا أمان على حرم يسكنه أناس فيهم من يغدر بأهله ، بل فيهم من هؤلاء كثيرون وثاني الأمرين أن قد سوى بين الاسلام والنصرانية في هذه النصرانية بیت المقدس للمسيحيين لا يسكنه معهم لا يقبلونه ، كما حفظ حرم الاسلام بالجزيرة العربية للمسلمين لا يسكنه معهم من يحذرون غدره . وقد أجمل العوض حين ألجأته ضرورة الدولة إلى اتخاذ هذه الخطة فاشترى بيوت أهل نجران وعقاراتهم وأقطعهم النجرانية عند الكوفة ، (1) أي جعلها لهم

أطرافه ، کما عمر الخطة، فحفظ من اه (1) . I.. .. وكتب لهم وصاة قال فيها : د ... هذا ما كتب به عمر أمير المؤمنين لأهل نجران . من سار منهم آمن بأمان الله لا يضره أحد من المسلمين .. ومن مروا به من أمراء الشام وأمراء العراق فليوسعهم من حرث الأرض ، فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة لوجه الله ومن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم، فانهم أقوام لهم الذمة وجزتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن يقدموا ، ولا يكلفوا الا من صنعهم البر غير مظلومين ولا معتدى عليهم » ولم يفارق عمر الدنيا حتى أوصى الخليفة الذي يختار بعده بالذميين كافة « أن يوفي يوف بعهدهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم وأن يقاتل من ورائهم » ودون هذا بالمراحل الشاسعة يقف عدل الدول القدامى والمحدثات في كل ما اتخذت من حيطة حربية،أو حماية فومية، أو معاهدة بينها وبين أمة أجنبية : ، وان عذرها لدون عذر عمر في خططه وأن أسبابها لدون أسبابه في الاقناع كان مسلما شديدا في اسلامه ، فلم تكن شدته في اسلامه خطرا على الناس ، بل كانت ضمانا لهم ألا يخافه مسلم ولا ذمی ولا مشرك في غير حدود الكتاب والسنة وكان جاهليا فأسلم . فأصبح اسلامه طورا من أطوار التاريخ ، ولو لم يكن الاسلام قدرة بانية منشئة في التاريخ الإنساني لما كان اسلام رجل طورا من أطواره الكبار . وكان هذا الرجل يحب ويكره کیا الناس ويكرهون ، ولكن يا لا ينفعك عنده أن يحبك ولا يضيرك عنده أن يكرهك اذا وجب الحق يوما لأبي مريم السلولی قاتل أخيه : والله لا أحبك ووضح ! القضاء . قال حتى تحب الأرض الدم المسفوح !.. فقال له أبو مریم حقا ؟.. قال : لا .. قال : لا ضير .. انما يأتي على الحب النساء وحسبك من اسلام يحمي الرجل من خليفة يبغضه وهو قادر عليه ، فذلك المسلم الشديد في دينه ، والذي يشتد فيأمنه العدو والصديق (۱) : أي لا ضرر . •

أتمنعني لذلك

  1. أي استجاب.