تم التّحقّق من هذه الصفحة.
-٩-
والتشريح .ومثالٌ آخر ،ھو ذلك الغشاء من أغشية الجنين الذي يُقال له بالأجنبية allantoisوالذي حار الأطباء المُحدَثون في ترجمته فقالوا: «الوشيق» وقالوا: «اللقانقي» تشبيھاً بھذه الأمعاء التي تؤكل ،وقال بعضھم بل ھي «اللفائفي» تحرَّفت إلى «اللقانقي» وھكذا ..إلى أن رأينا في «كامل الصناعة» لعليّ بن العباس قوله :«وقد يتولَّد على الجنين من داخل غشاءان ،أحدھما يُقال له «السقاء» وھو اللفائفي ،ويشبَّه من شكله باللفافة وھو نافذٌ إلى مثانة الجنين ومنفعته أن يقبل بول الجنين ...»(١٦). فقد أطلق على ھذا الغشاء اسم «السِقاء» كما تَرى ،وھي كلمة جميلة ولكنك لا تجدھا في المعاجم بھذا المعنى فھل ندعھا؟ ومثل ذلك بعضُ ما تواطأ عربُ العصر الحاضر على استعماله بالمعنى نفسه ،على اختلاف أمصارھم وأقطارھم ،كمصطلح «الكاحل» الذي تجده مستعملاً في جميع البلدان العربية بمعنى «ذلك الجزء من الطرف السفلي الذي يعلو القدم» ،وفي ظَننا أن مثل ھذا التواطؤ يُؤَثِّل لھذا الحرف في لغة الضاد ويَنْأى به عن عامِّيِّ الكلام. | |
(٣٠) | يقوم ابن جنّي في «الخصائص»(17): «اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر ،وكان موقع أحدھما يَتعدَّى بحرف والآخر بحرف ،فإن العرب تتَّسع فتُوقعُ أحد الحرفين موقع صاحبه، مجازاً وإيذاناً بأن ھذا الفعل في معنى ذلك الآخر؛ كما صحَّحوا «عَوِرَ» و«حَوِلَ» إيذاناً بأنھما بمعنى «اعْوَرَّ» و«احْوَلَّ»، و«اجتَوَرُوا» إشعاراً بأنه بمعنى «تجاوروا»، وكما جاؤوا بمصادر بعض الأفعال على غير ما يقتضيه القياس ،حملاً لذلك الفعل على فعل ھو في معناه، كقوله: «وإن شئتم تعاوذنا عِواذا» وكان القياس «تعاوُذاً» فجاء به على «عاوذ» إذ كان «تعاوَذ» راجعاً إلى معنى «عاوذ»»، ثم قال بَعْدُ: «ووجدت في اللغة شيئاً كثيراً لا يكاد يحاط به ،ولعله لو جُمعَ أكثرُه لا جميعُه لجاء كتاباً ضخماً» ،أو كما قال الشيخ الإسكندري: «ما ورد من التضمين كثير يجمع في مئين أوراقاً». ويقول ابن جنّي في «المحتسب»: «متى كان فعلٌ من الأفعال في معنى آخر ،فكثيراً ما يُجري أحدھما مُجرى صاحبه ،فيُعدَل في الاستعمال به إليه ،ويُحتذى في تصرُّفه حذو صاحبه، وإن كان طريق الاستعمال والعرف ضدَّ مأخذه!»(١٨). ويقول ابن ھشام في «المغني»: «وقد يُشرِبون لفظاً معنى لفظ آخر فيعطونه حكمه ،ويسمّون ذلك تضميناً» ثم يقول: «وفائدته أن تُؤدِّي كلمة مُؤدَّى كلمتين»(١٩). فالتضمين إذن :إشراب لفظٍ معنى لفظٍ آخر وإعطاؤه حكمه(٢٠). وقد اختلف علماء العربية في التضمين، فقال جماعة من البصريِّين بقياسيَّته على أنه ضربٌ من ضروب المجاز، المجاز قياس ،وإذا كان التوسُّع في الفعل كان التضمين من قبيل المجاز المرسل .وقال ابن جنّي – كما روى محمد الأمير في حاشية «المغني»: «لو جمعت تضمينات العرب ملأت مُجلَّدات» وعقَّب على ذلك بقوله: «فظاھره القول بأنه قياس»(٢١). وفي «حاشية الصبَّان» على «الأشموني»(٢٢) تفريقٌ بين تضمين نحوي ،ھو إشرابُ كلمة معنى كلمة أخرى تُؤدِّي المعنيين ،وأنه قياس عند الأكثرين ،وتضمين بياني ،بتقدير حال يناسبھا المعمول بھا، وھو قياسٌ اتفاقاً. ومِنْ خير ما ورد فيه قول الإمام الأكبر السيد محمد الخضر حسين: «للتضمين غرضٌ ھو الإيجاز. وللتضمين قرينةٌ ھي تعدية الفعل بالحرف وھو يتعدّى |