المُعجَم الطبِّيّ المُوحَّد وما اشتق منه من معاجم موحِّدة ،في الصيدلة وطب الأسنان وغيرھما، مَعْلمٌ من المَعالم المُھمَّة على دَرْب تعريب العلوم الصحيَّة في العصر الحديث. ونعني بتعريب العلوم الصحية نقلَھا إلى اللسان العربيّ ،والتَّفاعُل معھا من قِبَل الفكر العربيّ، واستيعابھا من قِبَل عامَّة العرب وخاصَّتھم، كلٌّ بِحَسْبه. وقد وَضَعته، أوَّلَ ما وضعته، لجنةٌ ألَّفھا اتحاد الأطباء العرب سنة ستّ وستِّين ،ثم تَحوَّلت إلى لجنة المُصطَلحات الطبية العربيّة في منظمة الصحة العالمية ،بطلب من اتَّحاد الأطباء العرب ومن مجلس وزراء الصحة العرب .وضمَّت اللجنة في مرحلتَيْھا عدداً من «المؤمنين بوجوب التوحيد الـمُتمِّكنين من المعرفة بالطبّ واللغة ،من الأقطار التي فيھا كُلِّياتُ طب وطنية راسخة القدم»(١). وكان منھم عدد من المَجمعيِّين الأعضاء في عدَّة مجامع لغويّة عربية في وقت واحد ،وفي طليعتھم فقيدا العلم والفضل والطبّ واللغة، الأستاذان الجليلان «حسني سَبَح» و«محمد أحمد سليمان» تغمَّدھما الله بواسع رحمته وأحسن مَثُوبَتَھما. ً وقد سارت اللجنة في عملھا مُستھدية بما سار عليه السابقون ،من النَّقَلَة في صدر الإسلام، والتابعين لھم بإحسان حتى عصر النھضة الحديثة، وبما وَضعته مَجامع اللغة العربية من قواعد، وبما اتَّخذه الذين علَّموا الطب في العصر الحديث بالعربية من ضوابط ،ألزموا بھا أنفسھم وساروا عليھا.
فمِمّا سار عليه النَّقَلَة الأقدمون (١) :تَحوير المعنى اللغويّ القديم للكلمة العربية ،وتضمينھا المعنى العلمي الحديث، و(٢) اشتقاق كلمات جديدة من أصول عربية أو مُعرَّبة للدلالة على المعنى الجديد، و(٣) ترجمة كلمات أعجمية وعَدُّھا صحيحة.
وممّا وَضعته المَجامع -ولا سيَّما مَجمع القاھرة -من قواعد (١) :التوسُّع في الـمُولَّد من الكَلِم ولا سيَّما ذلك القسم الذي جرى فيه المُولِّدون على أقْيسة كلام العرب ،من مجاز أو اشتقاق أو نحوھما ،كاصطلاحات العلوم والصناعات وغير ذلك ،وحكمه أنه عربيّ سائغ ،و( (٢إجازة استعمال بعض الألفاظ الأعجمية – عند الضرورة – على طريقة العرب في تعريبھم، و(٣) الاتِّفاق على قياسيّة عدد من الصِّيغ الاشتقاقية المُھمَّة كصيغة فِعَالة للحِرَف أو شبھھا ،وصيغة مَفْعَلَة للمكان الذي تكثر فيه الأعيان، وصيغَتيْ فُعَال و فَعَل للمَرَض ،وصيغة فَعَلان لما يدّل على تقلُّب واضطراب ...وغيرُھا كثير، و(٤) إقرار قياسيّة المَصادر الصِّناعية ،بأن يُزاد على الكلمة ياء النسب والتاء، و(٥) إجازة الاشتقاق من أسماء الأعيان – للضرورة – في لغة العلوم، و(٦) تفضيل العربيّ على المُعرَّب القديم إلا إذا اشتھر المُعرَّب؛ وتَفضيل المُصطَلح العربيّ القديم