انتقل إلى المحتوى

صفحة:Gaza History Aref el Aref 1943.pdf/244

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٢٤٣-
سر بي إلى غزة الفيحاء أن بها
رياض زهر تحاكي جنة الخلد
مر النسيم عليها والصبا سحراً
يروى حديثاً لنا عن ساكني نجد
فهاجني بلبل الأفراح حين شذا
بلحن معبد فوق الأغصن الملك

فلما وصلت لحانها ساقتني يد التقدير إلى خانها، فنزلت به مصاحباً لبعض الرفاق، وانا مما به من عسكر الدولة في غاية الاشفاق. فبت فيه ليلة كنت خلالها بين ملسوع ومفجوع، اروى عن السها حديث السهاد من وثبات براغيثها الاوغاد. فتذكرت قول القائل من الشعراء الأوائل:

عندي براغيث سوء كلها اجتمعت
قد بيتوني بأنواع من الغصص
يروح هذا يجيء هذا فاقنصه
فتنقضي ليلتي في الصيد والقنص

ولا يخفاك أيضاً ما للناموس من السطوات، وترقيص النائم بنغم تلك النايات... ولما كثر عليّ وثباتها من كل جانب، وضاقت علي المسالك والمسارب، ارتجلت منشداً، حيث لم أجد لي منجداً، وكدت ان اشتفي بذمها في النظام، لكن نهى عن سبها سيد الأنام:

براغيث هذا الخان اسهرت ناظري
بلسع كسقط الزند ما خلته يطفى
لها وثبات الليث مع ضعف جسمها
ولكنها قد اورثت جثتي ضعفا
قد كدت أهجوها بحسن تلطف
ولكن جاء النهى عن سبها كفا

وما زلت به إلى أن لاح الصباح، ونسخ حديثه آية الصباح. ولما جرد عن الليل برده المسكي، اقبل علينا صديقنا محمد مكي، وحيانا بأحسن خطاب، وعاتبنا بألطف عتاب، ثم اقسم علينا بالنزول في داره، أو بقصر ببستان له بجواره. فأجبته بالامتثال، وسنرت معه في الحال. فلما وصلت إلى بستانه البديع، وروض حماه المريع، قابلتني خطباء طيوره فوق منابر الأغصان تروي احاديث السرور ببديع الالحان. فصبوت مما شاهدته الجمال، وانشدت على الارتجال:

قصر زهی فروی علیل نسيمه
خبر الشفا لحدائق الازهار
صدحت بلابله على اغصانه
تملي حديث العود والمزمار
فلك به المكي شمس نهاره
وبنوه تحكي بهجة الاقمار
انعم بقصر يستطيل إلى السها
فاح الشذا من عرفه المعطار
من أمه يلقى لديه مسطراً
كنز الصفا ومشارق الانوار