محل التصوير والنقش من الفنون الجميلة فزينوا بها أبنيتهم وريا شهم وآنيتهم و اسلحتهم واعلامهم، ومن زار الحمراء في اسبانيا رأى من الزخارف الكتابية على جدرانها ما يروعه ويفترق بصره ، لأن الحروف العربية تتألف من كل الاشكال ففيها الخطوط المنحنية والمستقيمة والمستديرة والبيضية والهرمية والمجوفة والمحدبة والقوسية والمسننة والطويلة والقصيرة والذاهبة صعدا اونزولا ، متصلة او منفصلة ، فوقها او تحتها من النقط و الحركات والشدات والتنوينات والمدات وهمزات الوصل والقطع مما لا تشبهها فيه لغة أخرى ، وقد كانوا في قديم الزمان يلونون كتابتهم بالوان مختلفة ، فالسواد للحروف ، والجمرة للشكل ، والصفرة للهمزات والخضرة لا لفات الوصل فيخالها الرائي قطع الرياض او قطع الفسيفساء .. يقال انهم في بعض مدن اوربا في الاجيال الوسطى ينوا كنيسة على طراز شرقي ، واذا احبوا ان يزينوا جدرانها على الطريقة الشرقية نقلوا فيما نقلوه من الزخارف اسماء الصحابه وهم يحسبونها زخارف ورسوما، فكنت ترى على جدران تلك الكنيسة اسم علي وحمزة وابي بكر وغيرهم كانها من اسماء قديسيها .. بل قد استخدم الشعراء بعض الحروف العربية في غزلهم على سبيل التشبيه ، فشبهوا القامة الهيفاء بالالف، وعطفة الصدغ بالهمزة ، والعارض باللام، والحاجب بالنون، والطرة المصففة من الشعر بالسين الواقعة غير طرف لانها تستوي على شكالها وغير ذلك. (۱۱) من الفروق بيننا وبينهم ان الافرنج قد يكتبون نصف الكلمة او جزءا منها في آخر السطر والجزء الآخر في اول السطر الذي يليه ، وهذا مكروه في اللغة العربية حتى الواو فانهم يحسبونها جزءاً من الكلمة فلا يفصلونها ، بل كرهوا فصل المضاف عن المضاف اليه .
صفحة:مطالعات في اللغة والأدب ـ خليل السكاكيني.pdf/53
المظهر