الاجانب لم يكن إلا من آثار ذلك التوهم القديم الذي هو انهم لا يحسنون الجري في أي ميدان من ميادين الاقتصاد وقد وجدت عند هذا الرجل في جانب رجاحة العقل وسداد الحكم همة بعيدة قعساء ونزعة وطنية صافية من الاقذاء سالمة من الأهواء من الأهواء فاجتمعت فيه جميع الشروط اللازمة لمن شاء أن يبدأ بالشرق بنهضة اقتصادية تزاحم بالمناكب وثبات الأجانب ومما يندر في الرجال الجمع بين الحساب الدقيق والخيال الواسع وهما قد انتظما جنبا الى جنب في دماغ طلعت باشا حرب فكانت سعة خياله مساعدة له على الاقدام نحو المشروعات التي هي مظان الارباح وكانت دفة حسابه مساعدة له على نجاحها وضمان أرباحها . وبالاختصار اقتحم طلعت حرب معركة الأولى من هي نوعها في المجتمع الشرقي . وعندما باشر جمع رأس المال الذي كان حدده لانشاء بنك مصر وهو ٨٠ ألف جنيه عانى في ذلك اهوالاً ونحت جمالاً وذلك لما ران على عقول المسلمين من انهم لا يقدرون على الاستقلال بعمل اقتصادي وأن كل عمل منهم في هذا السبيل حابط من نفسه هابط على أم رأسه فلما أخذ طلعت باشا حرب يتقاضى اغنياء مصر المشاطرة في هذا المشروع لبوا نداءه حياء منه لا اعتقاداً بأنه سيأتي بثمرة وبقيت ثقتهم بأجمعها في بنوك الاجانب ، وما زال معولهم عليها الى أن شاهدوا بأعينهم النجاح الذي كاد يكون معجزة في نظرهم وارتفع رأس مال بنك مصر من ۸۰ ألف جنيه إلى مليون جنيه واحتوت خزائنه من الودائع على عدة ملايين من الجنيهات واشتمل على املاك وسلفات وشركات متعددة متنوعة تقدر بملايين أخرى من الجنيهات بحيث زادت الأموال التي تحت تصرف البنك على عشرين مليون جنيه وكل هذا في ثماني عشرة سنه أنشأ فيها طلعت باشا حرب ومدحت باشا يكن ورفاقها على حساب بنك مصر شركة مصر للغزل والنسج التي معملها في المحلة هو من أكمل وأعظم معامل الغزل والنسيج في العالم يعمل فيه ١٨ ألف عامل يندر فيهم غير
١٤٩