وتصرف في فنون القول تصرف الحاذق الخبير، فملأ الدنيا وشغل الناس قرابة نصف قرن.
وكان أمير البيان في صولاته الفكرية وجولاته السياسية من الأوائل الذين حركوا فترة الجمود الفكري والسياسي في الأمة الاسلامية، وأثار، لذلك حوله طائفة من أصحاب الأقلام والحكام، فكان منهم المشيد والحامد، وكان منهم الناصح والناقد، وكان منهم المتجني والحاسد. غير ان ذلك لم يفت في عضده ولم يحل بينه وبين المضي في السبيل التي ارتضاها وأخذ نفسه على احتمال مشافها، فقد كان رحمه الله صاحب رسالة قبل أن يكون حامل قلم، وجندي عقيدة قبل أن يكون «محترف أدب» ولعل أول ما يبدو لقارئه، ومتتبع رسائله وتحقيقاته ومؤلفاته، انه يستقطر لواعج نفسه حين يكتب، ويصوغ عواطف قلبه حين ينشيء، ولعل الحقيقة الأولى الكامنة وراء انتاجه الفكري ان الرجل يتملكه احساس ظاهر بأنه مسؤول عن تراث العربية ومطالب بحراسة مواريث الاسلام، ومنتدب للذبّ عن قضايا العرب، ومكلف بالعناية بشؤون المسلمين، ومن الطبيعي، ان من تملكه هذا الاحساس وأوتي ما أوتيه أمير البيان من عراقة المحتد، وفصاحة اللسان، وعمق المعرفة لا يمكنه إلا ان يكون شكيب ارسلان في سيرته وسريرته، وفي سجاياه ومزاياه، وفي اخلاصه وعزيمته.
أسرته:
أمير البيان، فرع شجرة باسقة، ( آل ارسلان ) زينت التاريخ العربي والاسلامي بحكام وأمراء ومجاهدين وقادة وعلماء، وهي من أعرق بيوتات الامارة في العرب وأعتقها نجاراً وأزكاها مغرساً، وفيها يستقر معدن من أكرم معادن الحسب الصميم والنسب الأصيل ولم يجانب الحقيقة من قال عن أمرائها: أمراء سيف وقلم وحملة عِلم وعَلَم