انتقل إلى المحتوى

صفحة:غاية الحياة مي زيادة 1921.pdf/12

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
غاية الحياة

بقيَ عليَّ أن أشكر لجمعية «فتاة مصر الفتاة» دعوتها الكريمة التي مكنتني من الاجتماع بكنَّ أيتها السيدات، وأجازت لي التعبير عن أفكاركنَّ. في الظاهر كنت أنا المتكلمة، ولكنكنَّ تعلمنَ أنَّ ما يفوه به الفرد فنحسبه نتاج قريحته وابن سوانحه، إنما هو في الحقيقة خلاصة شعور الجماعة تتجمهر في نفسه ويُرغم على الإفصاح عنها. وإني لأغتبط بهذه المحادثة الصغيرة، وأهنئ مصر ببناتها العاملات المدركات معانيَ الحياة، وكلكنَّ هنا ذوات أثر في بيئتكن وصاحبات فضلٍ على قومكنَّ، إننا نجتاز أيامًا عظيمة تهزُّ النفوسَ إلى أعماقها وتلفتها إلى ما لديها من المواهب والممكنات. ألا فلنكن أهلًا لهذه الأيام بدروس نكتسبها من مرورها! ولنكثر من التمني؛ لأن ما نتمناه واقع لا محالة، وأنا من المعتقدين أن مجرَّد الشوق إلى أمر والرغبة فيه كثيرًا ما يكونان إنذارًا بوقوعه المحتم، والآن أعلم أنكن تنقمن عليَّ جميعًا إن لم أضف كلمة أخرى هي بلا ريب حائمة في قلوبكن.

إن المنادين بحقوق النساء في فرنسا قد سمَّوا أنفسهم أحفاد «كوندرسيه» الفيلسوف الفرنساوي الذي دعا إلى المساواة بين الجنسين، وقد اتخذوا ذكرى وفاته في ٢٩ مارس من كل عام عيدًا يحتفلون فيه بتحرير المرأة. وفي هذا الأسبوع الأخير من شهر أبريل ذكرى وفاة زعيم النهضة النسائية في هذه الديار وأحد مؤسسي الجامعة المصرية التي تجعمنا الساعةَ جدرانُها: قاسم أمين، فمن واجب العرفان بالجميل أن نحيِّي تلك الروح التي احتضنت في رحابها المرأة الحائرة، وأن نستحضر ذلك النظر الذي نفذ إلى قلب المرأة فأحبها في ضعفها وفي ضلالها، وفي تفطُّرها، وفي حقوقها المهضومة وفي مواهبها المنسية، وأن نتلمَّس تلك اليد الروحية التي خطَّت يومًا صفحاتِ الدفاع عن المرأة، ودلَّتها على طريق العمل القويم والاستقلال النفسيِّ الذي هو دعامة كلِّ استقلال صحيح دائم.

صاح قاسمٌ في القوم يهديهم، ولكنه لم يفته أن تحرير المرأة في يدها أكثر منه في يد الرجل، وأن العمل ألزم الأشياء لها، وأعظم ما يُكرِم به الحيُّ راحلًا عزيزًا هو الاهتداء برأيه والتمشِّي مع ما حسُنَ من مبادئه، ولقد تغذَّت فتاة مصر كل هذه الأعوام بروح قاسم؛ فبرزت نبيلةً ذات عزم وإقدام كما كان يصورها له المستقبل. لذلك كانت أجمل زهرة نضعها اليوم على ضريحه هي زهرة الشكران، وكانت أصدق تحية نوجهها إليه هي هذه التحية المزدوجة:

 

فليحيا زعيم النهضة النسائية!

ولتحيا المرأة المصرية ناهضةً عاملةً!

١٢