وليست الخصومات شر ما يبتلى به الناس، فشر منها الخسة التي ترضى بالدون، وشر منها الوفاق على الغش والمهانة، وشر منها شلل الأخلاق الذي لا يبالي صاحبه ما يحسن وما يقبح وما يرضى وما يسوء، وشر منها الحياة بغير قيمة تستحق الخلاف عليها، وبغير معنى يتسع للبحث فيه.
فليس مطلوبًا من العقيدة أن تبطل الخصومات، ولكنما المطلوب منها أن ترتفع بالنفوس عن الخصومة في غير شأن، أو ترتفع بها عن الخصومة في شأن هزيل ضئيل.
وعلى هذا ينبغي ألا تكون الخصومات والأحداث هي مدار البحث في تاريخ هذه الفترة، بل ينبغي أن يكون مدار البحث على القيم والمبادئ التي دارت عليها تلك الخصومات والأحداث.
ولا نقول: إن الفاجعة إذن تهون.
وغاية ما نقوله: إنها تُفهم على وجهها الصحيح، وإنها تُفهم على وجه لا يريب في عمل العقائد وعمل العقيدة الإسلامية على التخصيص.
لقد كان مدار الخصومة على محاسبة الإمام: محاسبة الرعية لإمامها، ومحاسبة الإمام لنفسه، وكل أولئك شيء جديد في التاريخ، وكل أولئك شيء يقيم ويقعد في حياة الأمم، ولا سيما حياتها في أطوار العقيدة الأولى.
أين كان أبناء الجاهلية من حق الحساب بين الحاكم والمحكوم؟
أما في البادية فقد كان الحساب كله على شريعة الثأر والانتقام وإغارة القبيلة الكبيرة على القبيلة الصغيرة، وكان الغالب على الفرد أن يعيش في كنف قبيلته، تحميه إن استطاعت، أو تخلعه إن عجزت عن حمايته. وقد شاع في العصور الحديثة كلام كثير عن الحرية البدوية، ولم تُفهم على حقيقتها مع كثرة الكلام فيها، فما كانت الحرية البدوية قط قائمة على حق إنساني تحميه الشرائع والآداب، ولكنها كانت أشبه شيء بانطلاق المادة حيث لا عائق لها مما حولها، ومثل هذه الطلاقة طلاقة
۱) الخسة : الدناءة ۰ (۲) الدون : الحقیر ۰ (۳) ضئيل : صغير (4) لا يشكك ۰ (۰) أي طريقة . (۹) أي حائل