وفي سيرة عثمان رضي الله عنه صدمة عنيفة تواجه كل باحث في تاريخ صدر الإسلام، وتلك هي قتلته البشعة وهو شيخ وقور جاوز الثمانين.
لم يكن عثمان أول خليفة قُتِل، فإن الفاروق عمر بن الخطاب قُتِل قبله غيلة وهو يقيم الصلاة.
ولكن مقتل عمر لم يكن صدمة في تاريخ العقيدة … قتله غلام دخيل على الإسلام، ومن ورائه عصابة تدين بغير دينه، وتكره منه ما عمله لإقامة ذلك الدين، فلا غرابة ولا صدمة، ولا شيء فيه غير الفاجعة التي تفجع نفوس المسلمين.
أما تلك القتلة البشعة التي انتهت بها حياة الخليفة الثالث فشيء غير هذا، وشيء بعيد عن هذا في صدمته المفاجئة لمَنْ يتابع تاريخ العقيدة الإسلامية في أطوارها الأولى.
لم يمضِ جيل على الإسلام ويقتل خليفة المسلمين هذه القتلة؟! فماذا صنعت هذه العقيدة إذن بنفوس الحاكمين والمحكومين؟! وماذا تغير من فتكات الجاهلية بعد جهاد المؤمنين وإيمان الكافرين؟!
والسؤال صدمة عنيفة.
ولكنه قائم على خطأ جسيم، وإن يكن خطأ قريب التصحيح.
فالعقيدة لا تبطل الخلاف والنزاع، ولا تختم الوقائع والأحداث في التاريخ، ولم يحدث قط في دعوة إصلاح في الدين أو غير الدين أنها قسمت التاريخ إلى عهدين: عهد سابق كان فيه نزاع وكانت فيه أحداث، وعهد لاحق يبطل فيه النزاع وتنقضي فيه الأحداث.
لم يحدث هذا قط ولا يحسن أن يحدث، فإنه لو حدث؛ لكانت العقيدة المصلحة شللًا معطلا لحياة الأمم، معوقًا للتاريخ في مجراه المطرد إلى غير قرار.
إن العقيدة لا تلغي الحوادث والخصومات، ولكنها تجدد القيم التي تدور عليها الحوادث والخصومات.
(۱) اغتاله : أخذه من حيث لم يدر ۰ (۲) الفاجعة : الرزينة والمصيبة (۳) شيء بشع : أي كریه (4) الفتك : القتل. (0) أي عظيم (6) أي المستمر