| ||
وإن حلفت لا ينقض النأيُ عهدها | فليس لمخضوب البنان يمين |
وبالجملة فهذه المدينة؛ كباقي مدن فرانسا وبلاد الإفرنج العظيمة، مشحونة بكثير من الفواحش والبدع والاختلالات، وإن كانت مدينة «باريس» من أحكم سائر بلاد الدنيا وديار العلوم البرانية، وأثينة الفرنساوية، وقد قابلتها فيما تقدم نوع مقابلة بأثينة — أي: مدينة حكماء اليونان — ثم رأيت بعض أهل الأدب من الفرنساوية قال ما معناه: إن الباريزيين أشبه الناس بأهل أثينة، أو هم أثينيو هذا الزمان، فإن عقولهم رومانية، وطابعهم يونانية. انتهى.
وقد أسلفنا أن الفرنساوية من الفرق التي تعتبر التحسين والتقبيح العقليين، وأقول هنا إنهم ينكرون خوارق العادات، ويعتقدون أنه لا يمكن تخلف الأمور الطبيعية أصلاً، وأن الأديان إنما جاءت لتدل الإنسان على فعل الخير، واجتناب ضده، وأن عمارة البلاد وتطرق الناس وتقدمهم في الآداب والظرافة تسد مسد الأديان، وأن الممالك العامرة تصنع فيها الأمور السياسية كالأمور الشرعية.
ومن عقائدهم القبيحة قولهم: إن عقول حكمائهم وطبائعييهم أعظم من عقول الأنبياء وأذكى منها.
ولهم كثير من العقائد الشنيعة كأفكار بعضهم القضاء والقدر، مع أن من الحكم العاقل من يصدق بالقضاء، ويأخذ بالحزم في سائر الأشياء، وإن كان لا ينبغي للإنسان أن يحيل الأشياء على المقادير أو يحتج بها قبل الوقوع، فإن من الأمثال التي سارت بها الركبان: من دلائل العجز كثرة الإحالة على المقادير، ومن كلام بعضهم: إذا وقعت المجادلة فالسكون أفضل من الكلام، وإذا وقعت المحاربة: فالتدبير أفضل من التقدير.
ومنهم جماعة يعتقدون أن الله تعالى خلق الخلق، ونظمهم نظامًا عجيبًا، فرغ منه ثم لا يزال يلاحظهم بصفة له تعالى، تسمى صفة العناية والحفظ، تتعلق بالممكنات إجمالاً، بمعنى أنها تمنتها عن خلل انتظام الملك، وسنذكر بعض عقائدهم في غير هذا المحل.
ثم إن لون أهل «باريس» البياض المشرب بالحمرة، وقل وجود السمرة في أهلها المتأصلين بها، وإنما ندر ذلك لأنهم لا يزوجون عادة الزنجية للأبيض أو بالعكس، محافظة على عدم الاختلاط في اللون؛ حتى لا يكون عندهم ابن أمة. قال الشاعر: