ومن خصالهم محبة الغرباء والميل إلى معاشرتهم، خصوصًا إذا كان الغريب متجملاً بالثياب النفيسة، وإنما يحملهم على ذلك الرغبة والتشوف إلى السؤال عن أحوال البلاد، وعوائد أهلها، ليظفروا بمقصدهم في الحضر والسفر، وقد جرت عادة النفوس إلى الطمع من الدنيا بما لا تظفر به، كما قال الشاعر:
وليس عندهم المواساة إلا بأقوالهم وأفعالهم، لا بأموالهم، إلا أنهم لا يمنعون عن أصحابهم ما يطلبون استعارته لا هبته إلا إذا وثقوا بالمكافأة، وهم في الحقيقة أقرب للبخل من الكرم، وقد ذكرنا علة ذلك في ترجمتنا «مختصر السير والعوايد في ذكر الضيافة» وفي الواقع، حقيقة السبب في ذلك هو أن الكرم في العرب.
ومن أوصافهم توفيتهم غالبًا بالحقوق الواجبة عليهم، وعدم إهمالهم أشغالهم، فإنهم لا يكلون من الأشغال سواء الغني والفقير، فكأن لسان حالهم يقول: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
ومن المركوز في طبعهم حب الرياء والسمعة، لا الكبر والحقد، فهم كما يقولون في مدح أنفسهم: أخلص قلوبًا من الغنم عند ذبحها، وإن كانوا عند الغضب أشد افتراسًا من النمور، فإن الإنسان منهم إذا غضب قد يؤثر الموت على الحياة، فقل أن يفوت زمن يسير من غير أن يقتل إنسان نفسه خصوصًا من داء الفقر أو العشق.
ومن طباعهم الغالبة: وفاء الوعد، وعدم الغدر، وقلة الخيانة، ومن كلام بعض الحكماء: المواعيد شباك الكرام، يصطادون بها محامد الأخبار، وقال آخر: كفر النعمة من لؤم الطبيعة ورداء الديانة، وقال آخر: الشكر وكاء النعمة، والوفاء به صلاح العقبى، وقيل: وعد الكريم ألزم من دين الغريم، وقال بعضهم الخيانات تؤذي الأمانات.
ومن طباعهم الغالبة: الصدق، ويعتنون كثيرًا بالمروءة الإنسانية، قال بعضهم في مدحها: المروءة اسم جامع للمحاسن كلها.
ومن الصفات التي يقبح وصف الإنسان بها عندهم: كفر النعم، مثل غيرهم. فيرون أن شكر المنعم واجب، وأظن أن جميع الأمم ترى ذلك — وإن كانت قد تفقد هذه الصفة عند أفراد، فهو خروج عن الطبع، فهي كشفقة الوالد وبر الولد، فإنهما قد يتخلفان في بعض الأفراد، مع أنهما صفتان جِبلِّيتان، عند سائر الأمم والملل، ومما قيل في ذلك، وهو أحسن ما قيل مع ما فيه من الاستطراد: