انتقل إلى المحتوى

صفحة:تخليص الإبريز في تلخيص باريز - هنداوي.pdf/46

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تخليص الإبريز في تلخيص باريز‬

الحرف والصنائع، مشتملة على آلات الحروب وعلى (الحربجية)1 ومحصنة بثمانية عشر من المدافع، وكان مجراها يوم الخميس سادس يوم من شهر رمضان المبارك، وكان هبوب الريح وقتئذ خفيفًا، فسرنا من غير إشعار بالسير، فتوسمنا في وجهها الخير، ولم نتألم بذلك، وكنت قبل ركوب البحر عملت بما علمه لي بعض من سافر من العلماء إلى إسلامبول، من تجرُّع حسوات2 عظيمة من ماء البحر المالح، وقال: إنه يدفع ألمه، فكان الواقع أنه لم يحصل لي ألم، على أني حين نزلت المركب كمنت متمرضًا بالحمى فبرئت منها بمجرد السفر وحركة السفينة؛ وربما صحت الأجسام بالعلل.

ولا زلنا نسير، من غير شدة تحرك واضطراب، نحو أربعة أيام، وبعدها عصفت الرياح، وتموج ماء البحر وتلاعب بذات الألواح، تلاعب الأشباح بالأرواح، فلازم أكثرنا الأرض، وتوسل جميعنا بالشفيع يوم العرض. ووقع عندنا [جميل]3 الموقع قوله بعض الظرفاء: «خاطر من ركب البحر، وأشد منه خطرًا مَن جالس الملوك بغير علم ومعرفة»! وتحقق عندنا تضمين بعضهم لهزل أبي نواس في قوله:

رأيت جميع الهائلات محيطة
بوطئي لأجل الحمل جارية البحر
فأقسمت عمري، لا ركبت سفينة
ولا سرت طول الدهر إلا على الظهر

غير أن المعتمد على الكريم، لا يخشى من الخطب العظيم، وما أحسن قول من قال:

لما ركبنا ببحر
وكاد من خاف يتلف
على الكريم اعتمدنا
حاشاه أن يتخلف

وقد ذهب هذا الأمر بعد نحو ثلاثة أيام، وصار يزور غبًّا.

ومما يستحسن في طباع الإفرنج دون من عداهم من النصارى حب النظافة الظاهرية، فإن جميع ما ابتلى الله سبحانه وتعالى به قبط مصر4 من الوخم والوسخ


  1. الحربجية: الجند.
  2. في المطبوعة «حثوات» والصواب ما ذكرناه.
  3. زيادة اقتضاها السياق.
  4. في المطبوعة «قبطة».
٤٦