ثم زاد الحال باختراع سفن النار، ومراكب البخار، فتقاربت الأقطار الشاسعة، وتزاورت أهالي الدول، وصارت المعاملات والمخالطات بينها متتابعة.
ومما قام مقام آلات السياحة قبل ابتداعها، وناب عن أدوات الملاحة قبل اختراعها، الأنوار المحمدية، والغيرة الإسلامية، بل والمعارف الوافرة في العلوم الرياضية والفلكية والجغرافية، في زمن الخلفاء العباسية، ففتحوا بلاد مصر، والسودان، والمغرب، والعجم، وبلاد قابول، وبخارى، والهند، والسند، وجزائر سيلان، وسومطرة، وبلاد التبت، والصين، وعدة ولايات ببلاد أوروبا، مثل ممالك الأندلس، وصقلية، وبلاد الروم، وغير ذلك.
وتقدمت عندهم العلوم الجغرافية، واشتهر من علماء الجغرافية كثيرون كالمسعودي،1 وابن حوقل،2 والشريف الإدريسي،3 وابن الوردي،4 والسلطان عماد الدين أبي الفدا صاحب حماة.5 ثم لما خمدت عندهم أنوار هذه المعارف، وأهملوها ازدراء لها، أو لسبب آخر، قلت سياحاتهم، وقام مقامهم طوائف الإفرنج، وبرعوا في ذلك، واستفادت الدولة والرعية الفوائد الجسيمة، بالأمور السياسية والتجارية (ص ١٧)، وصيروا الأمم أشباه البهائم إلى ملة النصرانية، وكان الإسلام أولى بتلك المزية، ولقد تصدى (الحاكم)، لإحياء هذه المعارف، التليد منها والطارف، حتى لاحت تباشير بدور6 العلوم، وتلاشت عن المعارف غياهب الأحلاك والغيوم. (شعر):
- ↑ جغرافي فقيه، أديب: توفي بدمشق ٥٨٤هـ (١١٨٨م).
- ↑ رحالة جغرافي له كتاب «المسالك والممالك» (توفي نحو سنة ٣٨٠هـ-٩٩٠م).
- ↑ مؤرخ ومن أكابر العلماء بالجغرافيا، ورحالة، له كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» (٤٩٣-٥٦٥هـ) (١١٠٠-١١٦٥م).
- ↑ توفي سنة ٧٤٩هـ.
- ↑ أمير مؤرخ جغرافي، له «تقويم البلدان» (٦٧٢-٧٣٢هـ) (١٢٧٣-١٢٣٢م).
- ↑ في الأصل «بدو».