الفصل العاشر
في فعل الخير بمدينة باريس
اعلم أن غالب الناس ببلاد الإفرنج وسائر البلاد التي تكثر الصناع والنجامة فيها يعيشون من كسب أيديهم، فإذا حصل للإنسان منهم مانع كمرض أو نحوه، فقد معيشته واضطر إلى أن يعيش من غير كسب يده، كأنّ يتكفف الناس، أو نحو ذلك، فشرعت المارستانات المعدة لفعل الخير، حتى إن الإنسان لا يسأل ما في أيدي الناس، وكلما كثرت صنائع بلدة وكثر كسبها كثرت أهاليها فاحتاجت إلى مارستانات أكثر من غيرها، ومعلوم أن مدينة «باريس» من أعمر المدن وأكثرها صناعة ونجامة؛ فلذلك كثرة مارستاناتها وجمعيات فعل الخير بها سادة لخلل شح أفراد أهلها وبخلهم؛ لما تقدم أنهم بمعزل عن الكرم من العرب، فليس عندهم حاتم طي، ولا ابنه عدي، ولم يخرج من بلادهم معن بن زائدة الشهير بالحلم والندى الذي قال فيه الشاعر:
| ||
إذا مر بالوادي فتبكي تلاله | عليه وبالنادي فتبكي أرامله | |
تعوّد بسط الكف حتى لو انه | أراد انقباضًا لم تطعْه أنامله |