اعلم أن شدة البرد قد تستحكم بأعمالها في الإنسان، فتجمد الأعضاء، وتحبس جريان الدم، وربما مات بها الإنسان، ودواؤها مخوف العاقبة جدًا وإن كان لا ألم به أبدًا، فمباديها هو الرعشة التي تكاد تصرع الإنسان، وصلابة الجسم، وانحباس الدم، وخدر المفاصل، وذهاب الإحساس، والتذاذ البدن بالنوم، وانقياده إليه ولو بالقهر، وانقطاع حركات الحياة على التدريج، وعاقبته خروج المبتلى به من حيز الأحياء إلى حيز الأموات، وفي الحقيقة حركات الحياة ليست إلا متوقفة، فعليك أن تسرع في معالجته بدواء؛ سواء ذهبت أمارات الحياة بالكلية، أو بقي منها شيء، واعلم أن بعض الناس توهم أن معالجة إفاقته تكون بالحرارة، وهذا وهم فاسد، لإضرار الحرارة بكثير من الناس، ولكن معالجته هي أن تلف أولاً بدنه في محلفة من صوف، وتحمله إلى أقرب ما يرتاح فيه من الأماكن، وتخلع ثيابه وتضعه في فرش غير محمي، ثانيًا: إذا كان عندك ثلج فدلك البدن مع رفق بشيء من ذلك، مارًا من القلب إلى المفاصل، ثم بعد لحظات دلكه بدل الثلج بخرقة مسقية بماء بارد، وبعده بماء فاتر، ثم بماء مسخن ورش على وجهه شيئًا من هذه المياه ثالثًا: لو تعذر الثلج فضعه في حمام فيه ماء بئر بارد، وبعد نحو ثلاث دقائق أفرغ عليه قليلاً من الماء المسخن، وهلم جرا، فأفرغ عليه كل ثلاث دقائق، حتى تذهب برودة الماء على التدريج، ويصير فاترًا معتدلاً، واعمل جميع ذلك نحو ثلاثة أرباع ساعة فقط، فإن استشعرت برجوع حركة نبض المريض، فلك أن تزيد حرارة الحمام؛ حتى يصير في درجة سخونة الحمام المعتاد، وما دام المريض في الحمام فرش على وجهه يسيرًا من ماء بارد بعد تدليكه بخرقة رقيقة، رابعًا: الهواء في صدره بواسطة أنبوبة أو منفاخ، كما سبق في الغريق، سادسًا: أعطه سفوفًا حبات من الملح المعتاد، والعقه لعقتين ماء باردًا مخلوطًا بقطرات من ماء الملكة، سابعًا: إذا بقي بالمريض الخدر، فاسقه قليلاً من ماء ممزوج بخل وإن كان نومه به سباتًا فاحقنه بحقنة حادة، وهي ما تقدمت في شأن الغريق، ومن سوء الخطأ توهم أن استعمال الخمور والمسكرات القوية، يمكن أن يتدارك به إبعاد هذا الداء، مع أن الأمر بعكس ذلك، وهو أن كثرة الأشربة تحبس جريان الدم، فمن ينهمك على تعاطيها فهو أشد تأثرًا من غيره بآفات البرودة.
صفحة:تخليص الإبريز في تلخيص باريز - هنداوي.pdf/159
المظهر
نصيحة الطبيب
١٥٩