كاملة في آلات الصنائع، والحيل على حمل الأشياء الثقيلة بأخف الطرق ولهم علم بالسفر في البحور، إلى غير ذلك. وهذه المرتبة الثالثة تتفاوت في علومها وفنونها، وحسن حالها، وتقليد شريعة من الشرائع، وتقدمها في النجابة والبراعة في الصنائع المعاشية.
مثلاً: البلاد الإفرنجية قد بلغت أقصى مراتب البراعة في العلوم الرياضية، والطبيعة، وما وراء الطبيعة أصولها وفروعها، ولبعضهم نوع مشاركة في بعض العلوم العربية، وتوصلوا إلى فهم دقائقها وأسرارها، كما سنذكره، غير أنهم لم يهتدوا إلى الطريق المستقيم، ولم يسلُكوا سبيل النجاة، ولم يرشدوا إلى الدين الحق، ومنهج الصدق.
كما أن البلاد الإسلامية قد برعت في العلوم الشرعية والعمل بها، وفي العلوم العقلية، وأهملت العلوم الحكمية بجملتها، فلذلك احتاجت إلى البلاد الغربية في كسب ما لا تعرفه، وجلب ما تجهل صنعه؛ ولهذا حكم الفرنج بأن علماء الإسلام إنما يعرفون شريعتهم ولسانهم، يعني ما يتعلق باللغة العربية، ولكن يعترفون لنا بأنا كنا أساتيذهم في سائر العلوم، وبقِدَمنا1 عليهم. ومن المقرر في الأذهان، وفي خارج الأعيان أن الفضل للمتقدم، أو ليس أن المتأخر يغترف من فضالته،2 ويهتدي بدلالته، وما أحسن قول الشاعر:
ويعجبني أيضًا قولهم في هذا المعنى عند المكافأة: