وفي باريس بيوت حكماء معدة لمن ابتلي بخلل شيء من عظام البدن؛ كالأحديداب فإنه يدخل بيتًا من هذه البيوت للتطبيب، فيقومون بدنه بشيء من علم الحيل، كما إذا كان إنسان مقطوع أحد الأطراف، فإنهم يجبرون ذلك بأن يضعوا له من المعدن أو الخشب شيئًا في محله.
وفي هذه المدينة أيضًا بيوت يدخل فيها النساء الحوامل المشرفات على الولادة، ليلدن فيها ويقضين فيها مدة النفاس، وفي هذه البيوت توجد القوابل وسائر ما يحتاج إليه في الولادة.
ومن المواضع المعدة للمرضى والتي يوجد فيها الأطباء المارستانات العامة، فيدخلها المرضى للعلاج والإقامة مدة المرض بلا عوض.
ثم إن الأطباء في باريس فرقتان: إحداهما أطباء عامة لمطلق الأمراض على تنويعها، والأخرى لداءات خاصة، وبذلك أن علم الطب متسع جدًا، فقلّ أن يشتغل إنسان بسائر فروعه ويحققها، فاحتاج أطباء الفرنساوية إلى أن الطبيب بعد أن يقرأ فروع العلوم الطبية ينبغي له أن يختار منها فنًا ليصرف فيه همته، ويتقوى فيه ويتبحر؛ حتى يشتهر ويمتاز عن غيره من الأطباء بتحقيق ذلك الفن؛ حتى يجلب إليه من به داء يدخله شيء من ذلك الفن؛ فلذلك يوجد في باريس أطباء مثلاً لخصوص مرض الرئة، وأطباء لمرض العين تسمى: «المحلاتية» وأطباء لأمراض الأذنين، وأطباء لداء الأنف وتجبيره، حتى إن من أطباء الأنف من يمكنه بالحيلة أن يرجع الأنف المجدوع صحيحًا.
وفي باريس أطباء تستعمل جاذبية المغناطيس الإنسانية، للاستعانة على مداواة الإنسان. وتفصيل ذلك أن في باريس جماعة من الطبائعية، تزعم أنه ثبت عندهم أن بدن الإنسان يشتمل على مادة سيالية، يعني جاذبية المغناطيس الإنسانية، يعني أن هذه المادة لها خاصية المغناطيس: وتحصل هذه بتقريب اليد عدة مرات كالمسح، فينعس الإنسان، أو تغيب حواسه، حتى لا يحس شيئًا، فإذا غاب وكان مريضًا بمرض شديد عالجه الحكماء بقطع شيء أو بفتح شيء من بدنه من غير أن يشعر بشيء أبدًا، وقد جرب ذلك في قطع ثدي امرأة، بعد مغناطيسيتها، فمكثت عدة أيام ثم ماتت، فقال علماء المغناطيسية: إنها ماتت بسبب آخر لا بألم القطع، فإنها عاشت بعده، فالمغناطيسية نافعة لمعالجة الأمراض العصبية.
وفي باريس أيضًا حكماء لخصوص مداواة خلل العقل، أو لألم أعضاء التناسل، أو الحصوة، ولخصوص الأمراض الجلية المنفرة وغيرها؛ كالجذام والجرب.