ساطعة، وأنطقتها بحث ديار الإسلام على البحث عن العلوم البرانية والفنون والصنائع، فإن كمال ذلك ببلاد الإفرنج أمر ثابت شائع، والحق أحق أن يتبع، ولعمر الله إنني، مدة إقامتي بهذه البلاد، في حسرة على تمتعها بذلك وخلو ممالك الإسلام منه، وإيَّاك أن تجد ما أذكره لك خارجًا1 عن عادتك، فيعسر عليك تصديقه، فتظنه من باب الهذر والخرافات، أو من حيز الإفراط والمبالغات، وبالجملة فبعض الظن إثم، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب:
وقد أشهدت الله — سبحانه وتعالى — على ألا أحيد في جميع ما أقوله عن طريق الحق، وأن أفشي ما سمح به خاطري من الحكم باستحسان بعض أمور هذه البلاد وعوائدها، على حسب ما يقتضيه الحال، ومن المعلوم أنني لا أستحسن إلا ما لم يخالف نص الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأشرف التحية.
وليست هذه الرحلة مقتصرة على ذكر السفر ووقائه، بل هي مشتملة أيضًا على ثمرته وغرضه، وفيها إيجاز العلوم والصنائع المطلوبة، والتكلم عليها، وعلى3 طريق تدوين الإفرنج لها، واعتقادهم فيها، وتأسيسهم لها؛ ولذلك نسبت في غالب الأوقات (ص ٥) الأشياء التي هي محل للنظر أو للاختلاف، مشيرًا إلى أن قصدي مجرد حكايتها. وقد سميت هذه الرحلة: «تخليص الإبريز،4 في تلخيص باريز»، أو «الديوان النفيس، بإيوان5 باريس». وقد رتبتها على مقدمة، وفيها عدة أبواب، وعلى مقصد، وفيه عدة مقالات، وكل مقالة فيها عدة فصول، أو كتب مشتملة على فصول، وعلى خاتمة، راجع الفهرست في أول الكتاب.