وقال بعضهم — وأحبِسنَّ — بيتين، معرضًا بعلماء الحرمين:
وحصلت ما يسر به على الفتاح مما يخرج به الإنسان من الظلام، ويمتاز به عن مرتبة العوام، وكنت من معشر أشراف جارت عليهم الأيام، بعد أن أجرت غيثها في ديارهم، وأشارت إلى نصبهم2 الأعوام، بعد أن صبت أعلام راحتها في مزارهم. ومن المركوز في الأسماع في القديم والحديث، وعليه الإجماع بعد الكتاب والحديث — أن خيرَ الأمور العلم، وأنه أهمُّ كل مهم، وأن ثمرته في الدنيا والآخرة، صاحبه تعود، وأن فضله في كل زمان ومكان مشهود، سهل لي الدخول في خدمة صاحب السعادة أولاً في وظيفة واعظ في العساكر الجهادية، ثم منها إلى رتبة مبعوث إلى باريس صحبة الأفندية المبعوثين؛ لتعلم العلوم والفنون الموجودة بهذه المدينة البهيَّة، فلما رسم اسمي في جملة المسافرين، وعزمت على التوجه أشار علي بعض الأقارب والمحبين، لا سيما شيخنا العطار.3 فإنه مولع بسماع عجائب الأخبار، والاطلاع على غرائب (ص ٤، ٥) الآثار، أن أنبه على ما يقع في هذه السفرة، وعلى ما أراه وما أصادفه من الأمور الغريبة، والأشياء العجيبة، وأن أقيده ليكون نافعًا في كشف القناع عن محيا هذه البقاع، التي يقال فيها: إنها عرائس الأقطار، وليبقى دليلاً يهتدي به إلى السفر إليها طلاب الأسفار، خصوصًا وأنه من أول الزمن إلى الآن لم يظهر باللغة العربية — على حسب ظني — شيء في تاريخ مدينة باريس، كرسي مملكة الفرنسيس. ولا في تعريف أحوالها وأحوال أهلها؛ فالحمد لله الذي جعل ذلك بأنفاس ولي النعمة وفي عهده، وبسبب عنايته وتقويته للعلوم والفنون، فما قصرت في أن قيدت في سفري رحلة صغيرة، نزعتها عن خلل التساهل والتحامل، وبرأتها عن زلل التكاسل والتفاضل، ووشحتها بعض استطرادات نافعة، واستظهارات