من القدم، وأشرف على السقوط والانكباء وذلك في أيام المجاعة والفتن واخراب المدينة، ولم يكن في ذلك الوقت لاحد قدرة على بنائه، فوهى وترك على حاله فبقى كذلك إلى سنة اثنين وثمانين وستّ مائة، فاستشار والى المدينة أبو عبد الله الحدودي، أمير المسلمين القائم بالحقّ؛ أبا يوسف يعقوب بن عبد الحقّ في نقصه واصلاحه، فنفذ أمرهم الكريم رضى الله عنهم؛ ببنائه وبصلاح ما يحتاج اليه الجامع المكرّم، وأن يكون الانفاق في ذلك من مال الجزية والأعشار اذ نفد مال الاحباس فبني الحائط الشرقي وما ولاه من المسقفة وانفق في ذلك مالا كثيرا، واما الحائط الجوفى فانه سخلق أيضا بمرّ السنين عليه، وأشرف على السقوط، فاستاذن الفقيه القاضي ابو غالب المغلى الى امير المسلمين ابى يعقوب في بنائه، فنفذ أمرهم رضى الله عنهم ببنائه واصلاحه، وأعطاه خلخالى الذهب زنتها خمس مائة دينار ذهبا، وقال له: صرفه فى بناء الحائط المذكور؛ فانهما حلال محض، كان صنعهما والدى امير المسلمين لوالدتي مما أفاء الله تعالى عليه من اخماس غنائم الروم ببلاد الاندلس، فورثتهما عنهما فلم أر لتصرفهما موضعا أوجب من هذا، فعسى الله تعالى أن ينفع به الجميع. فنفض الحائط من باب الجفات الى اخر بيت النساء، وبقى من المال المذكور وذلك في سنة تسع وتسعين وستّ مائة، وأما السقاية الكبرى؛ فصنعت فى أيام الفقيه الامام الفاصل الزاهد الورع المبارك ابى محمّد يشكر نفعنا الله به، وكان المنفق فيها الشيخ الموفّق أبو عمران موسى بن عبد الله بن سداف؛ اتى من جبال بنى بزاغة بمال كثير، فاستوطن مدينة فاس، وكان الشيخ الفقيه ابا محمّد، يشكر المذكور، فذكر له يوما أنه جاء بمال طيب ويريد أن يصرفه فيما يحتاج اليه الجامع؛ وأن المال حلال ورثه عن أبيه عن جده لم يتغيّر ببيع ولا بشراء، واصله من الحرث والماشية، فامتنع الفقيه أبو محمّد يشكر ان يقبل منه شيئا ويصرف منه درهما في الجامع المذكور، فالحّ عليه في أن يعمل سقاية ودار وضوء باراء الجامع؛؛ تكون عونا للمصلّين. فلم يتركه ولم يقبل منه حتى أخذ بيده وحمله إلى محراب الجامع المذكور، واعطى ختمة من الكتاب، فاستحلفه فيها في وسط المحراب؛ أن ذلك المال حلال طيب من تركة والده وجدّه لم يتغير ببيع ولا شراء، فلما حلف، قال له: اشرع الان فيما اردت من عمل الميضات والسقاية والله تعالى ينفعك بقصدك. فاشترى فندقا كان هنالك في موضع دار الوضو مقابلا بباب الجفات، وشرع في نفضه وبناء الميضات والسقاية في مكانه؛ وذلك في غرّة صفر من سنة ستّ وسبعين وخمس مائة. وكتب الشيخ الفقيه ابو محمّد؛ يشكر إلى أمير المسلمين يعلمه بالامر ويستاذنه في جلب
صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (1917).pdf/41
المظهر