انتقل إلى المحتوى

صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (طبعة أوبسالا، 1259هـ ).pdf/115

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١١٤

يستجلب القبائل واهل الجهل وبعث أصحابه دعوة إلى القبائل، وفرّق من يثق بسياسته من تلاميذه في البلاد القاصية والدانية يدعون الى بيعته ويثبتون عند الناس إمامته ويزرعون في قلوبهم محبته مما يذكرون له من الفضائل والكرامات ويصفونه به من الزهد في الدنيا. وأظهر الحق فقصد الناس اليه من جهات ومدن يبايعونه ويتبركون برؤيته فياخذ عليهم البيع ويعلمهم أنه المهدي المنتظر حتى علا أمره وقوي سلطانه ويسمى كلّ من دخل في طاعته وبايعه وتابعه على طريقته بالموحدين. وعلمهم التوحيد باللسان البربرى، وجعل لهم فيه الأعشار والأحزاب والسور وقال لهم: من لا يحفظ هذا التوحيد فليس بموحد، وإنما هو كافر لا تجوز إمامته ولا تؤكل ذبيحته. فصار هذا التوحيد عند قبائل المصامدة كالقرآن العزيز. إنه وجدهم قوما جهلة لا يعرفون شيئا من أمر الدين ولا من أمر الدنيا فاستهواهم بكيده وغلبهم بعذوبة لفظه ولسانه ومكرد حتى كانوا لا يذكرون غيره ولا يمتثلون أمرا إلا أمره وبه يستغيثون في شدتهم ويتبركون بذكره على موائدهم ويقولون هذا الإمام المعلوم والمهدى المعصوم على منابرهم، فدخل الناس فى طاعته أفواجا وأخذوا سنته شريعة ومنهجا فرتب العشرة والخمسين وتمكن في الملك أي تمكين وسمى العشرة من أصحابه السابقين الأولين، وجعل الخمسين للرأى والمشورة وعقد لنفسه الإمامة والنظر للمسلمين، فلم يزل تقبل اليه الجموع والقبائل وتفد عليه الوفود ويخطب له في المحافل حتى كمل له من أنصاره الموحدين واصناف قبائل المصامدة ما يزيد على العشرين ألف رجل، فقام فيهم خطيبا، وندبهم إلى جهاد المرابطين فانتدب إليه الناس وبايعوه على الموت بين يديه، وانتخب منهم جيشا من عشرة آلاف رجل من أجناد الموحدين وقدم عليهم أبا محمد البشير وعقد راية بيضاء ودعا لهم وودعهم فخرجوا قاصدين إلى مدينة أغمات، فاتصل خبرهم بأمير المسلمين على بن يوسف فبعث لقتالهم جيشا من الحشم والأجناد وقدم عليهم الأحول الناظر على لمتونة، فهزم جيش علي بن يوسف وقتل الأحول أكلتوم واستمرت الهزيمة على لمتونة وتبعهم الموحدون بالسيف حتى أدخلوهم مدينة مراكش. فأقاموا عليها محاصرين لها أياما، ثم ارتحلوا عنها إلى الجبل لما تكاثرت عليهم جيوش لمتونة وذلك في ثلاث شعبان المكرم من سنة ست عشرة وخمس مائة فانتشر أمر المهدی بجميع بلاد المغرب والأندلس، وقسم الغنائم التي غنموا من عسكر لمتونة على الموحدين وتلا عليهم قوله تعالى: (وَعَدَكُمُ الله مَغَانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه.) الآية