قدرًا من السكر، وأخذت مرش ماء ورد ممسك، وحصى لبان ذكر، وعودًا وعنبرًا ومسكًا، وأخذت شمعًا إسكندرانيًّا، وضعت الجميع في القفص، وقالت: احمل قفصك واتبعني.
فحمل القفص وتبعها به إلى أن أتت دارًا مليحة، وقدامها رحبة فسيحة، وهي عالية البنيان، مشيدة الأركان، بابها بشقتين من الأبنوس، مصفَّح بصفائح الذهب الأحمر، فوقفت الصبية على الباب ودقَّتْ دقًّا لطيفًا، وإذا بالباب انفتح بشقتيه، فنظر الحمَّال إلى مَن فتح لها الباب، فوجدها صبية رشيقة القد، قاعدة النهد، ذات حسن وجمال، وقَدٍّ واعتدال، وجبين كغرة الهلال، وعيون كعيون الغزلان، وحواجب كهلال رمضان، وخدود مثل شقائق النعمان، وفم كخاتم سليمان، ووجه كالبدر في الإشراق، ونهدَيْن كرمانيتين باتفاق، وبطن مطوي تحت الثياب كطيِّ السجل للكتاب؛ فلما نظر الحمال إليها سلبت عقله، وكاد القفص أن يقع من فوق رأسه، ثم قال: ما رأيت عمري أبرك من هذا النهار. فقالت الصبية البوابة للدلالة والحمَّال: مرحبًا. وهي من داخل الباب، ومشوا حتى انتهوا إلى قاعة فسيحة مزركشة مليحة، ذات تراكيب وشازروانات ومصاطب، وسدلات وخزائن عليها الستور مرخيَّات، وفي وسط القاعة سرير من المرمر مرصَّع بالدر والجوهر، منصوب عليه ناموسية من الأطلس الأحمر، ومن داخله صبية بعيون بابلية، وقامة ألفية، ووجه يُخجِل الشمسَ المضيَّة، فكأنها بعض الكواكب الدرية، أو عقيلة عربية، كما قال فيها الشاعر:
فنهضت الصبية الثالثة من فوق السرير، وخطرت قليلًا إلى أن صارت في وسط القاعة عند أختَيْها، وقالت: ما وقوفكم؟ حطوا عن رأس هذا الحمال المسكين. فجاءت الدلالة من قدامه، والبوابة من خلفه، وساعدتهما الثالثة، وحططن عن الحمَّال، وفرَّغن ما في القفص، وصفوا كل شيء في محله، وأعطين الحمَّال دينارين، وقلن له: توجَّهْ يا حمَّال. فنظر إلى البنات، وما هن فيه من الحسن والطبائع الحسان، فلم يَرَ أحسن منهن، ولكن ليس عندهن رجال، ونظر ما عندهن من الشراب والفواكه والمشمومات، وغير ذلك؛ فتعجب غاية العجب، ووقف عن الخروج، فقالت له الصبية: ما لك لا تروح؟! هل أنت استقلَلْتَ الأجرة؟ والتفتت إلى أختها وقالت لها: أعطيه دينارًا آخر. فقال الحمال: والله يا سيداتي إن أجرتي نصفان، وما استقلَلْتُ الأجرة، وإنما اشتغل قلبي وسري بكن، وكيف حالكن