انتقل إلى المحتوى

صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/41

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
فلما كانت الليلة ٥

ثم إن الحكيم قال للملك: أيكون هذا جزائي منك فتجازيني مجازاة التمساح؟! قال الملك: وما حكاية التمساح؟ فقال الحكيم: لا يمكنني أن أقولها وأنا في هذه الحال، فبالله عليك أبقني يُبْقِك الله. ثم إن الحكيم بكى بكاءً شديدًا، فقام بعض خواص الملك، وقال: أيها الملك، هَبْ لي دمَ هذا الحكيم؛ لأننا ما رأيناه فعَلَ معك ذنبًا، وما رأيناه إلا أبرأك من مرضك الذي أعيا الأطباء والحكماء. فقال لهم الملك: لم تعرفوا سببَ قتلي لهذا الحكيم؛ وذلك لأني إن أبقيته فأنا هالك لا محالة، ومَن أبرأني من المرض الذي كان بي بشيء أمسكته بيدي، فيمكنه أن يقتلني بشيء أشمه، فأنا أخاف أن يقتلني، ويأخذ عليَّ جعالة؛ لأنه ربما كان جاسوسًا، وما جاء إلا ليقتلني، فلا بد من قتله، وبعد ذلك آمن على نفسي. فقال الحكيم: أبقني يُبْقِك الله، ولا تقتلني يقتلك الله. فلما تحقَّقَ الحكيم — أيها العفريت — أن الملك قاتِلَه لا محالةَ، قال له: أيها الملك، إن كان ولا بد من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري فأخلِّص نفسي، وأوصي أهلي وجيراني أن يدفنوني، وأهِبُ كتبَ الطب، وعندي كتاب خاص الخاص أهبه لك هدية تدَّخره في خزانتك. فقال الملك للحكيم: وما هذا الكتاب؟ قال: فيه شيء لا يُحصَى، وأقل ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعتَ رأسي وفتحته، وعددتَ ثلاث ورقات، ثم تقرأ ثلاث أسطر من الصحيفة التي على يسارك، فإن الرأس يكلِّمك ويجاوبك عن جميع ما سألتَه عنه. فتعجَّبَ الملك غايةَ العجب، واهتزَّ من الطرب، وقال له: أيها الحكيم، وهل إذا قطعتُ رأسك تكلَّمت؟ فقال: نعم أيها الملك، وهذا أمر عجيب. ثم إن الملك أرسله مع المحافظة عليه، فنزل الحكيم إلى داره، وقضى أشغاله في ذلك اليوم، وفي اليوم الثاني طلع الحكيم إلى الديوان، وطلعت الأمراء والوزراء والحُجَّاب والنوَّاب وأرباب الدولة جميعًا، وصار الديوان كزهر البستان، وإذا بالحكيم دخل الديوان، ووقف قدام الملك، ومعه كتاب عتيق، ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال: ائتوني بطبق. فأتوه بطبق، وكبَّ فيه الذرور وفرشه، وقال: أيها الملك، خذ هذا الكتاب، ولا تعمل به حتى تقطع رأسي، فإذا قطعته فاجعله في ذلك الطبق، وَأْمُر بكبسه على ذلك الذرور، فإذ فعلتَ ذلك فإن دمه ينقطع، ثم افتح الكتاب، ففتحه الملك، فوجده ملصوقًا، فحطَّ أصبعه في فمه وبلَّه بريقه، وفتح أول ورقة والثانية والثالثة، والورق ما ينفتح إلا بجهد، ففتح الملك ست ورقات ونظر فيها فلم يجد فيها كتابةً، فقال الملك: أيها الحكيم، ما فيه شيء مكتوب. فقال الحكيم: قلِّب زيادة على ذلك، فقَلَّبَ فيه زيادةً فلم يكن إلا قليل من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته، فإن الكتاب كان

٤١