رسالة ابن فضلان (ت. سامي الدهان) /مخطوطة الرسالة
مخطوطة الرسالة
منذ عام ١٩٢٤ نشر مقال بالروسية١ في التعريف بهذه النسخة الخطية الثمينة التي اكتشفت في خزانة المخطوطات بمشهد، و بعد سنتين ١٩٢٦ صدر فهرس هذه الخزانة، وفيه وصف هذه النسخة، تحت رقم ٢ «أخبار البلدان» عربي، فاذا المخطوطة تحوي أربع رسائل٢:
١ – الأولى: رسالة أبي داف.
٢ – الثانية: رسالة أولها: أما بعد حمد الله. وخاتمتها، «عبرة لأولي الألباب».
٣ – الثالثة: رسالة في أخبار البلدان.
٤ – الرابعة: كتاب ابن فضلان. وأوله: « قال أحمد بن فضلان لمَّا وصل
كتابُ الحسن بن بلطوار، ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين وآخره: «وله يذعن الملوك الذين يصاقبونه».
وقد كتبت المخطوطة بخط نسخ، في كل صفحة منها ١٩ سطراً، وقف ابن خاتون «وتاريخ الوقف ١٠٦٧هـ ». وأوراقها ۲۱۲ ورقة، آخرها مبتور مخروم، وهو بذلك ينقص من أوراق رسالة ابن فضلان مع الأسف.
ومنذ ظهور المخطوطة توجه المستشرقون إلى دراستها والتعريف بها، فنهض العالم التركي زكي وليدي طوغان، إلى تحقيقها والتعليق عليها وترجمتها. فأكمل ما فيها، وقابلها على ياقوت وغيره، وأتبعها بنصوص من الجغرافيين العرب، ونشرها بالحروف العربية والترجمة الألمانية، وطبعها سنة ١٩٣٩٣. ونشر هو نفسه قبل ذلك مقالاً بين فيه أهمية الرسالة وفائدة هذا الكشف٤. وظهرت بعد ذلك مقالات في الصحف الغربية عن الرسالة لافائدة من تعدادها هنا كلها٥ لأنها في الفوائد اللغوية والتصحيحات الجغرافية.
وفي السنة نفسها صدرت دراسة بالروسية، برعاية المستشرق الكبير كراتشكوفسكي، في مدينة موسكو، وقد جاءت مقدمتها الروسية في دراسة الرحلة وصاحبها، على إحدى وخمسين صفحة. ثم تلتها ترجمة الرسالة إلى الروسية في مئة وعشرين صفحة، ورقة فورقة، في ملاحظات قيمة ثمينة جداً، وأعقبتها الملاحق، والفهارس. وفي آخر هذه الدراسة نشرت صورة شمسية (فوتوغرافية) للرسالة كلها عن مخطوطة «مشهد» بحجم كبير واضح، ورقمت أوراقها٦.
والحق أن هذه الدراسة هي أدق ما صدر عن ابن فضلان ورسالته وهي أصح التعليقات وأقربها إلى فهم النص، وخاصة فيما يلم بالبلغار وروسية، فهي تعتمد على المقالات والدراسات التي نشرت قبلها، وترجع إلى المصادر الحديثة الواسعة، على قوة في الملاحظة، ووقوف على العربية. ولكنها جُعلت للمستشرقين عامة والروس منهم خاصة، لأنها اكتفت بنشر الصور الفوتوغرافية «الشمسية» كما هي، ولم تُعن بطبع النص العربي محققاً ومصححاً بحروف الطباعة العربية، كما فعل زكي وليدي، وإنما اكتفت بالصور، يصحح روايتها القارىء الروسي من التعليقات، ويبذل بذلك جهداً في التنقل بين المخطوطة وبين الحواشي والتعقيبات. أما القارىء العربي فلن يفيد منها أمراً إلا إذا صحح عن الروسية هذه الصور وقوّم العبارات فيها، وأكمل المبتور والناقص والمخروم بيده، وفي ذلك جهد جديد لا ينهض به إلا ناشر أو محقق، وليس هذا من عمل القراء في شيء.
وإذن فرسالة ابن فضلان طبعت مرة واحدة بالحروف العربية على يد زكي وليدي طوغان مع الترجمة والتعليق، ونشرت صورها الشمسية مرّات، وصدرت عنها دراسات ومقالات في الألمانية والروسية٧ والإنكليزية. وهذه الطبعة والصور والدراسات هي في الغالب مفقودة في خزائننا العربية العامة، لا تكاد تملك منها طبعة أو دراسة، فكأنَّ الرسالة لم تنشر أو كأنها بقيت مخطوطة. ومع ذلك فإن طبعة زكي وليدي الوحيدة تحتاج إلى تصحيح وعناية وتقويم، فهي تغص بالأخطاء، كما أشار المعلقون من المستشرقين، وهي على أخطائها نادرة لا تصل إليها الأيدي لأنها ظهرت في مجلة ألمانية من الصعب الحصول على نسخة منها، وناشرها نفسه لا يكاد يملك فيما قال لنا إلا نسخته الخاصة.
وبذلك أصاب ابن فضلان ظلم كثير في الأقطار العربية، فلم ينهض له ناشر أو محقق يجمع شتات التعليقات والمعلومات، ويعود إلى الصورة المخطوطة، فيتناولها بالقراءة والدراسة والتقويم كلمة كلمة، وينشرها في جمهور المثقفين المتشوقين إلى تراثنا الخالد، وخاصة في هذه الأيام، ليعرف العرب أي يد كانت لهم منذ القرن العاشر للميلاد في نُصرة البلغار على الخزر، وعون هؤلاء الأقوام على أطراف الفولغا ضد الخزر اليهود، فقد طغت اليهودية على هذه الأمة وهددت كيانها، وسلبت نساءها، وأذلتها في عقر دارها، وفرضت عليها رسوماً وضرائب كانت تدفعها عن يدٍ وهي صاغرة. فهبّ العرب من بغداد لنجدة القوم المستضعفين، وأرسلوا إليهم المال، ووعدوهم بتحصين الحدود، وقدموا لهم ما يملكون من وسائل الحضارة مما يُعينُهم على العيش الكريم، فكانت هذه البعثة الرسمية التي وصف مهمتها ابن فضلان في رسالته، ورسم المراحل التي اجتازتها، والعقبات التي مرّت بها. فهي وثيقة سياسية تاريخية هامة، عُني بها الغربيّون من جانبهم وبقي على العرب أن يُعنوا بها، وهم أصحاب الفضل واليد، منذ عشرة قرون كان الغرب قبلها يتخبط في الجهل والظلم، وهذا سبب من الأسباب التي دفعتنا إلى العناية بها وتحقيقها.
طريقتنا في التحقيق
لهذا نهضنا بالمهمة منذ سنة ۱۹٥١، نزولاً على إشارة الرئيس المرحوم العلامة محمد كرد علي، واتخذنا الصورة الشمسية للرسالة أصلاً للتحقيق. فنقلناها ورحنا نقرأ عباراتها لنفهم منها ما يقيم ألفاظها، فإذا بها قد كتبت ييد ناسخ عاش في القرن الحادي عشر للهجرة، متأخر، لم يفهم الرسالة ولم يفقه مراميها، فتصحفت عليه وجوه القراءة فرسمها كما استطاع، ولم يكن من السهل عليه أن يفهم كل ما فيها ففيها من الصعوبات ما يشق عليه تذليله. ويبدو أنه كان ضعيفاً في العربية، لا يعرف قواعد النحو البسيطة، مثل قاعدة الأعداد، أو المفعول به أو الممنوع من الصرف٨، وذلك من اليسير ردّه وتصحيحه على الناشر. والأمثلة عليه كثيرة لا نريد أن نثقل بها هذه المقدمة، ففي حواشينا أدلة متوفرة كافية للبرهان على
- ↑ P.A.H المجاد ٦، ص ۲۳۷ - ۲۳۸، وصف المخطوطة.
- ↑ جلد سوم - أزفهرست كتب كتبخانة مباركة استان قدس رضوى على مشرفها آلاف السلام، شهر المحرم ١٣٤٥ هـ، دار الطباعة، طوس (مشهد مقدس)، ص ۲۹۹.
- ↑ Ibn Fadlan, s Reiseberichte Abhandlungen Für Die Kunde Des Morgenlendes XXIV, 1939
- ↑ A. 204, 149
- ↑ منها مقالة الاستا ريتر في الملاحظات على نشرة وليدي، صدرت سنة ١٩٤٢ في مجلة ZDMG ص ۹۸ - ۱۲٦، ومقالة بالمجرية في مجلة Acta Orientalia، سنة ١٩٥١، ص ۲۱۷، ۲٦۰، أشرنا إليها في تمهيدنا، ومقالة للاستاذ دنلوب Dunlop في مجلة «عالم الشرق» بالإنكليزية، صدرت في مدينة شتوتغارت في أربع صفحات، ومقالة للأستاذين فراي وبلاك R. Frye, R. Blake بالإنكليزية كذلك، صدرت سنة ١٩٤٩، في ٣٧ صفحة.
- ↑ من منشورات المجمع العلمي بالاتحاد السوفيتي بعنوان ، رحلة ابن فضلان إلى البلغار ، مع مقدمة للمستشرق الأكاديمي أغناطيوس كراتشكوفسكي في موسكو ۱۹۳۹، ۱۹۳ صفحة + ٣٢ صورة شمسية.
- ↑ آخر الدراسات عن ابن فضلان، صدرت في خاركوف سنة ١٩٥٧ بعناية كوفالفسكي في ٣٠٩ صفحات بحجم الربع، مع ٣٣ صفحة للنص العربي في صورة المخطوطة، وفيها شروح وتعليقات بالروسية.
- ↑ أما عن طريقة الناسخ في رسم الحروف والكلمات فقد عرضنا صفحات بالتصوير كنماذج لخطه جعلناهــا بعد هذه المقدمة.