رحلة ابن جبير/مواقف خزي ومهانة
مواقف خزي ومهانة
وببلاد هذا الصعيد المعترضة في الطريق الحجاج والمسافرين، كإخميم وقوص ومنية ابن الخصيب من التعرض لمراكب المسافرين وتكشفها والبحث عنها وإدخال الأيدي أوساط التجار، فحصاً عما تأبطوه أو احتضنوه من دراهم أو دنانير، ما يقبح سماعه وتشنع الأحدوثة عنه، كل ذلك برسم الزكاة دون مراعاة لمحها أو مايدرك النصاب منها، حسبما ذكرناه في ذكر الإسكندرية من هذا المكتوب. وربما الزموهم الأيمان على ما بأيديهم، وهل عندهم غير ذلك، ويحضرون كتاب الله العزيز تقع اليمين عليه. فيقف الحجاج بين أيدي هؤلاء المتناولين لها مواقف خزي ومهانة تذكرهم أيام المكوس. وهذا أمر يقع القطع على أن صلاح الدين لا يعرفه. ولو عرفه لأمر بقطعه كما أمر بقطع ما هو أعظم منه، ولجاهد المتناول له، فان جهادهم من الوجبات لما يصدر عنهم من التعسف وعسير الإرهاق وسوؤ المعاملة مع غرباء انقطعوا الله عز وجل، وخرجوا مهاجرين حرمه الأمين، ولو شاء اله لكانت عن الخطة مندوحة في اقتضاء الزكاة على أجمل الوجوه من ذوي البضائع في التجارات مع مراعاة رأس كل حول الذي هو محل الزكاة، وبتجنب اعتراض الغرباء المنقطعين ممن تجب الزكاة له لا عليه، وكان يحافظ على جانب هذا السلطان العادل الذي قد شمل البلاد عدله وسار في الآفاق ذكره، ولا يسعى فيما يسيئ الذكر بمن قد حسن الله ذكره، ويقبح المقالة في جانب من اجمل الله المقالة عنه.
ومن أشنع ما شاهدناه من ذلك خروج شرذمة من مردة أعوان الزكاة، في أيديهم المسال الطوال ذوات الأنصبة، فيصعدون المراكب استكشافاً لما فيها، فلا تركون عكماً ولا غرارة إلا ويتخللونها بتلك المسال الملعونة مخافة أن يكون في تلك الغرارة أو العكم اللذين لا يحتويان سوى الزاد شيء غيب عليه من بضاعة أو مال. وهذا أقبح ما يؤثر في الأحاديث الملعنة، وقد نهى الله عن التجسس، فكيف عن الكشف لما يرجى ستر الصون دونه من حال لايريد صاحبها أن يطلع عليها، إما تستحقاراً أو استنفاساً دون بخل بواجب يلزمها، والله الآخذ على أيدي هؤلاء الظلمة بيد هذا السلطان العادل وتوفيقه، إن شاء الله.