رحلة ابن جبير/معجزة البناء
معجزة البناء
وبمقربة من هذه القنطرة المحدثة الأهرام القديمة، المعجزة البناء، الغريبة المنظر، المربعة الشكل، كأنها القباب المضروبة قد قامت في جو السماء، ولا سيما الاثنان منها، فانهما يغص الجو بهما سمواً، في سعة الواحد منها من أحد أركانه الركن الثاني ثلاث مئة خطوة وست وستون خطوة. قد أقيمت من الصخور العظام المنحوتة. وركبت تركيباً هائلاً بديع الإلصاق دون أن يتخللها ما يعين على إلصاقها، محددة الأطراف في رأي العين، وربما أمكن الصعود إليها على خطر ومشقة فتلفى أطرافها المحددة كأوسع ما يكون من الرحاب، لو رام أهل الأرض نقض بنائها لأعجزهم ذلك.
للناس في أمرها اختلاف: فمنهم من يجعلها قبوراً لعاد وبنيه، ومنهم من يزعم غير ذلك. وبالجملة فلا يعلم شأنها إلا الله عز وجل.
ولأحد الكبيرين منها باب يصعد إليه على نحو القامة من الأرض أو أزيد ويدخل منه بيت كبير سعته نحو خمسين شبراً وطوله نحو ذلك. وفي جوف ذلك البيت رخامة طويلة مجوفة شبه التي تسميها العامة البيلة يقال أنها قبر والله أعلم بحقيقة ذلك.
ودون الكبير هرم سعته من الركن الواحد الركن الثاني مئة وأربعون خطوة.ودون هذا الصغير خمسة صغار وثلاثة متصلة والاثنان على مقربة منها متصلان.
وعلى مقربة من هذه الأهرام بمقدار غلوة صورة غريبة من حجر قد قامت كالصومعة على صفة آدمي هائل المنظر، وجهة الأهرام وظهره القبلة مهبط النيل، تعرف بأبي الأهوال.
وبمدينة مصر المسجد الجامع المنسوب لعمر بن العاص رضي الله عنه. وله أيضاً بالإسكندرية جامع آخر هو مصلى الجمعة للمالكيين. وبمدينة مصر آثار من الخراب الذي أحدثه الإحراق الحادث بها وقت الفتنة عند انتساخ دولة العبيديين، وذلك سنة أربع وستين وخمس مئة، وأكثرها الآن مستجد والبنيان بها متصل. وهي مدينة كبيرة والآثار القديمة حولها، وعلى مقربة منها ظاهرة تدل على عظمة اختطاطها فيما سلف.