دمعة وابتسامة (1914)/شعراء المهجر
شعراء المهجر
لو تخيَّل الخليل أن الأوزان التي نظم عقودها وأحكم أوصالها ستصير مقياسًا لفضلات القرائح، وخيوطًا تعلق عليها أصداف الأفكار، لنثر تلك العقود وفصم عُرَى تلك الأوصال.
ولو تنبَّأ المتنبي وافترض الفارض أن ما كتبناه سيصبح موردًا لأفكار عميقة، ومقودًا لرءوس مشاعير يومنا؛ لهراقا المحابر في محاجر النسيان، وحطَّما الأقلام بأيدي الإهمال.
ولو دَرَتْ أرواح هوميروس وفرجيل وأعمى الْمَعَرَّةِ وملتون أن الشعر المتجسم من النفس المشابهة الله سيحط رحاله في منازل الأغنياء لبعدت تلك الأرواح عن أرضنا واختفت وراء السيارات.
ما أنا من المتعنتين، لكن يعزُّ علي أن أرى لغة الأرواح تتناقلها ألسنة الأغبياء، وكوثر الآلهة يسيل على أقلام المُدَّعِينَ، ولست منفردًا في وهدة الاستياء بل رأيتني واحدًا من كثيرين نظروا الضفدع ينتفخ تمثلًا بالجاموس.
الشعر يا قوم روح مقدسة متجسمة من ابتسامة تحيي القلب أو تنهدة تسرق من العين مدامعها، أشباح مسكنها النفس وغذاؤها القلب ومشربها العواطف، وإن جاء الشعر على غير هذه الصور فهو كمسيح كَذَّابٍ نَبْذُهُ أَوْقَى.
فيا إلهة الشعر — يا إدانو — اغتفري ذنوب الألى يقتربون منك بثرثرة كلامهم، ولا يعبدونك بشرف أنفسهم وتخيلات أفكارهم.
ويا أرواح الشعراء الناظرة إلينا من أعالي عالم الخلود، ليس لنا عذر لتقدمنا من مذابح زيَّنتموها بلآلئ أفكاركم وجواهر أنفسكم، سوى أن عصرنا هذا قد كثرت فيه قلقلة الحديد وضجيج المعامل، فجاء شعرنا ثقيلًا ضخمًا كالقطارات، ومزعجًا كصفير البخار.
وأنتم أيها الشعراء الحقيقيون سامحونا، فنحن من العالم الجديد نركض وراء الماديات، فالشعر عندنا صار مادة تتناقلها الأيدي ولا تدري بها النفوس.