دمعة وابتسامة (1914)/بين الخرائب
بين الخرائب
وشح القمر تلك الخمائل المحاطة بمدينة الشمس برقعاً لطيفاً وظفر الهدو باعنة الكائنات وبانت تلك الخرائب الهائلة كانها جبار يهزأ بعاديات الليالي ·
في تلك الساعة انبثق من لا شيءٍ خيالان يشبهان ابخرة متصاعدة من بحيرة زرقاء وجلسا عَلَى عمود رخامي استأَصله الدهر من ذلك البناء الغريب يتأَملان بمحيط يحاكي مسارح السحر · وبعد هنيهة رفع احدهما رأَسه و بصوت يشبه الصدى الذي تردده خلايا الأودية البعيدة قال: – « هذه بقايا هياكل بنيتها من اجلك يامحبوبتي وتلك رمم قصر رفعته لاستحسانك وقد دكت ولم يبقَ منها سوى اثر يحدث الامم بجد صرفت الحياة لتعميمه وعزٍ استخدمت الضعفاء لتعظيمه – تأَملي يامحبوبتي فقد تغلبت العناصر عَلَى مدينة شيدتها واستصغرت الاجيال حكمة رأَيتها واضاع النسيان ملكاً رفعته ولم يبق لي سوى دقائق المحبة التي اولدها جمالك ونتائج الجمال الذي احياه حبك · بنيت هيكلا في اورشليم للعبادة فقدسه الكهانُ ثم سحقته الايام وبنيت هيكلا بين اضلعي للمحبة فقدسه الله ولن تقوى عليه القوات صرفت العمر مستفسراً ظواهر الاشياء مستنطقاً اعمال المادة فقال الانسان و ما ” احكمه ملكا ‘‘ وقالت الملائكة ” ما اصغره حكيما ‘‘ ثم رأيتك يامحبوبتي وغنيت فيك نشيد محبة وشوق ففرحت الملائكة اما الانسان فلم ينتبه · · · كانت ايام ملكي كالحواجز بين نفسي الظمآنة والروح الجميل المستقر في الكائنات ولما رأَيتك استيقظت المحبة وهدمت تلك الحواجز فأسفت عَلَى عمر صرفته مستسلماً لتيارات القنوط حاسباً كل شيء تحت الشمس باطلا · حبكت الدروع وطرقت التروس فخافتني القبائل ولما انارتني المحبة احتقرت حتى من شعبي، ولكن عند ما جاءض الموت اودع تلك الدروع والتروس والتراب وحمل محبتي الى الله »
وبعيد سكينة قال الخيال الثاني : – « مثلما تكتسب الزهرة عطرها وحياتها من التراب كذلك تستخلص النفس من ضعف المادة وخطإِها قوةً وحكمةً »
عندئذٍ تمازج الخيالان وصارا خيالا واحداً وسارا . وبعد هنيهة اذاع الهواء هذه الكلمات في تلك الانحاء : « لا تحفظ الابدية الا المحبة لانها مثلها » · · ·