دمعة وابتسامة (1914)/ابتسامة ودمعة
ابتسامة ودمعة
لمت الشمس اذيالها عن تلك الحدائق الناضرة وطلع القمر من وراء الافق وسكب عليها نوراً لطيفاً وانا جالس هنالك تحت الاشجار اتأمل في انقلاب الجو ّ من حالة الى حالة وانظر من خلال الاغصان الى النجوم المنثورة كالدراهم عَلًى بساط ازرق واسمع من بعيد خرير جداول الوادي
ولما استأمنت الطيور بين القضبان المورقة واغمضت الازهار عيونها وسادت السكينة سمعت وقع اقدام خفيفة عَلًى الاعشاب فحولت نظري واذا بفتى وفتاة يقتربان مني. ثم جلسا تحت شجرة غضة وانا اراهما ولا ارى .
وبعيد ان تلفت الفتى الى كل ناحية سمعتهُ يقول – : « اجلسي بجانبي ياحبيبتي واسمعيني ، ابتسمي لان ابتسامتك هي رمز مستقبلنا وافرحي لان الايام قد فرحت من اجلنا . حدثتني نفسي بالشك الذي يخامر قلبك والشك في الحب اثم ياحبيبتي · عن قريب تصيرين سيدة هذه الاملاك الواسعة التي ينيرها ذلك القمر الفضي ، وربة هذا القصر المضاهي قصور الملوك ، تجرك خيولي المطهمة في المتنزهات وتذهب بك مركباتي الجميلة الى المراقص والملاهي · ابتسمي ياحبيبتي كما يبتسم الذهب في خزائني . وارمقيني كما ترمقني جواهر والدي . اسمعي ياحبيبتي فقد ابى قلبي الا يسكب امامك مخبآتهِ . امامنا سنة العسل · سنة نصرفها مع الذهب الكثير عَلَى شواطىء بحيرات سويسرا وفي متنزهات ايطاليا وقرب قصور النيل وتحت أغصان ارز لبنان .سوف تلتقين بالاميرات والسيدات فيحسدنك عَلَى حلاك وملابسك . كل ذلك لك مني . فهلا رضیت . آه ما احلى ابتسامك . ابتسامك يحاكي ابتسام دهري. » و بعد قليل رأَيتهما يمشيان عَلَى مهل ويدوسان الازهار باقدامها كما تدوس قدم الغني قلب الفقير .
غابا عن بصري وانا أُفكر بمنزلة المال عندالحب. أُفكر بالمال مصدر شرور الانسان وبالحب منبع السعادة والنور.
ظللت تائهاً في مسارح هذه الافكار حتى لمحت شبحين مرَّا من امامي وجلسا عَلَى الاعشاب . فتى وفتاة اتيا من جهة الحقول حيث اكواخ الفلاحين في المزارع . وبعد هنيهة من سكينة مؤثرة سمعت هذا الكلام صادراً مع تنهدات عميقة من فم مصدور . – « كفكفي الدمع ياحبيبتي ان المحبة التي شاءَت ففتحت اعينا وجعلتنا من عبادها تهبنا نعمة الصبر والتجلد . كفكفي الدمع وتعزّي لاننا تحالفنا عَلَى دين الحب ، ومن اجل الحب العذب نحتمل عذاب الفقر ومرارة الشقاء وتباريح الفراق ، ولا بد لي من مصارعة الايام حتى اظفر بغنيمة تليق بان اضعها بين يديك تساعدنا عَلَى قطع مراحل العمر . ان المحبة ياحبيبتي –وهي الله– تقتبل منا هذه التنهدات وهذه الدموع كبخور عاطر وهي تكافئناعليها بقدر مانستحق اودعكِ ياحبيبتي فانا راحل قبل ان يغيب القمر»
ثم سمعت صوتاً رقيقاً تقاطعه زفرات انفاس متلهبة . صوت عذراء لطيفة اودعته كل ما في جوارحها من حرارة الحب ومرارة التفرُّق وحلاوة التجلد يقول: «الوداع يا حبيبي»
ثم افترقا وانا جالس تحت اغصان تلك الشجرة لتجاذبني ايدي الشفقة وتتساهمني اسرار هذا الكون الغريب
ونظرت تلك الساعة نحو الطبيعة الراقدة وتأَملت ملياً فوجدت فيها شيئا لا حد له ولا نهاية . شيئاً لا يشترى بالمال . وجدت شيئاً لا تمحوه دموع الخريف ولا يميته حزن الشقاء . شيئاً لا توجده بحيرات سويسرا ولا متنزهـات ايطاليا . وجدت شيئاً يتجلد فيحيا في الربيع ويثمر في الصيف. وجدت فيها – المحبة .