جامع العلوم والحكم/المقدمة
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}
مقدمة
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وجعل أمتنا ولله الحمد خير أمة وبعث فينا رسولًا منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة أحمده على نعمه الجمة وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل الأمور المهمة وخصه بجوامع الكلم فربما جمع أشتات الحكم والعلوم في كلمة أو شطر كلمة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تكون لنا نورًا من كل ظلمة وسلم تسليمًا أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى بعث محمدًا ﷺ بجوامع الكلم وخصه ببدائع الحكم كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال بعثت بجوامع الكلم.
قال النووي رحمه الله جوامع الكلم فيما بلغنا أن الله تعالى يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك .
وخرج الإمام أحمد رحمه الله من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله ﷺ يومًا كالمودع فقال أنا محمد النبي الأمي قال ذلك ثلاث مرات ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه وذكر الحديث .
وخرج أبو يعلى الموصلي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال إنى أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصارًا.
وخرج الدارقطني رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارًا .
وروينا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ أعطيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه فقلنا يا رسول الله علمنا مما علمك الله عز وجل قال فعلمنا التشهد.
وفي صحيح مسلم عن سعيد بن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ سئل عن البتع والمزر قال، وكان رسول الله ﷺ قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه فقال أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة.
وروي هشام بن عمار في كتاب البعث بإسناده عن أبي سالم الحبشي قال حدثت أن النبي ﷺ كان يقول فضلت على من قبلي بست ولا فخر فذكر منها جوامع الكلم فقال وأعطيت جوامع الكلم، وكان أهل الكتاب يجعلونها جزءا بالليل إلى الصباح فجمعها لي ربي في آية واحدة {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
في جوامع الكلم التي خص بها النبي ﷺ نوعان:
أحدهما: ما هو في القرآن كقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}.
قال الحسن لم تترك هذه الآية خيرًا إلا أمرت به ولا شرًا إلا نهت عنه.
والثاني: ما هو في كلامه ﷺ وهو منتشر موجود في السنن المأثورة عنه ﷺ.
وقد جمع العلماء رضي الله عنهم جموعًا من كلماته ﷺ الجامعة فصنف الحافظ أبو بكر بن السني كتابًا سماه الإيجاز وجوامع الكلم من السنن المأثورة وجمع القاضي أبو عبدالله القضاعي من جوامع الكلم المجيزة كتابًا سماه الشهاب في الحكم والآداب وصنف على منواله قوم آخرون فزادوا على ما ذكره زيادة كثيرة وأشار الخطابي في أول كتابه غريب الحديث إلى يسير من الأحاديث الجامعة وأملي الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح مجلسًا سماه الأحاديث الكلية جمع فيه الأحاديث الجوامع التي يقال إن مدار الدين عليها وما كان في معناها من الكلمات الجامعة الوجيزة فاشتمل مجلسه هذا على ستة وعشرين حديثًا ثم إن الفقيه الإمام الزاهد القدوة أبا زكريا يحيى النووي رحمة الله عليه أخذ هذه الأحاديث التي أملاها ابن الصلاح وزاد عليها تمام اثنين وأربعين حديثًا وسمى كتابه بالأربعين واشتهرت هذه الأربعون التي جمعها وكثر حفظها ونفع الله بها ببركة نية جامعها وحسن قصده رحمه الله تعالى وقد تكرر سؤال جماعة من طلبة العلم والدين لتعليق شرح لهذه الأحاديث المشار إليها فاستخرت الله تعالى في جمع كتاب يتضمن شرح ما يسره الله تعالى من معانيها وتقييد ما يفتح به سبحانه من تبيين قواعدها ومبانيها وإياه أسأل العون على ما قصدته والتوفيق لصالح النية والقصد فيما أردته وأعول في أمري كله عليه وأبرأ من الحول والقوة إلا إليه وقد كان بعض من شرح هذه الأربعين قد تعقب على جامعها رحمه الله تركه لحديث ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولي رجل ذكر قال لأنه الجامع لقواعد الفرائض التي هي نصف العلم فكان ينبغي ذكره في هذه الأحاديث الجامعة كما ذكر حديث البينة على المدعي واليمين على من أنكر لجمعه لأحكام القضاء فرأيت أنا أن أضم هذا الحديث إلى أحاديث الأربعين التي جمعها الشيخ رحمه الله وأن أضم إلى ذلك كله أحاديث أخر من جوامع الكلم الجامعة لأنواع العلوم والحكم حتى تكمل عدة الأحاديث كلها خمسين حديثًا فهذه تسمية الأحاديث المزيدة على ما ذكره الشيخ رحمه الله في كتابه حديث ألحقوا الفرائض بأهلها، وحديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وحديث إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، وحديث أربع من كن فيه كان منافقا، وحديث لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، وحديث لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله تعالى.
وسميته: جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم
واعلم أنه ليس غرضي إلا شرح الألفاظ النبوية التي تضمنتها هذه الأحاديث الكلية فلذلك لا أتقيد بكلام الشيخ رحمه الله في تراجم رواة هذه الأحاديث من الصحابة رضي الله عنهم ولا بألفاظه في العزو إلى الكتب التي يعزو إليها وإنما آتي بالمعنى الذي يدل على ذلك لأني قد أعلمتك أنه ليس لي غرض في غير شرح معاني كلمات النبي ﷺ الجوامع وما يتضمنه من الآداب والحكم والمعارف والأحكام والشرائع وأشير إشارة لطيفة قبل الكلام في شرح الحديث إلى إسناده ليعلم بذلك صحته وقوته وضعفه وأذكر بعض ما روي في معناه من الأحاديث إن كان في ذلك الباب شيء غير الحديث الذي ذكره الشيخ وإن لم يكن في الباب غيره أو لم يكن يصح فيه غيره نبهت على ذلك كله وبالله التوفيق والمستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.