تلبيس إبليس/الباب العاشر/فائدة العلم
فائدة العلم
[عدل]وكل من فاته العلم تخبط فإن حصل له وفاته العلم به كان أشد تخبيطا ومن استعمل أدب الشرع في قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } سلم في البداية بما صعب أمره في النهاية وقد ورد الشرع بالنهي عن مجالسة المردان وأوصى العلماء بذلك
والحديث بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: [ لا تجالسوا أبناء الملوك فإن النفوس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق ] والحديث بإسناده عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: [ لا تملأوا أعينكم من أولاد الملوك فإن لهم فتنة أشد من فتنة العذارى ] والحديث بإسناد عن الشعبي قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله ﷺ وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاة فأجلسه النبي ﷺ وراء ظهره وقال: [ كانت خطيئة داود عليه السلام النظر ] وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله ﷺ أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الأمرد وقال عمر بن الخطاب: ما أتى على عالم من سبع ضار أخوف عليه من غلام أمرد وبإسناد عن الحسن بن ذكوان أنه قال: لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى
وبإسناد عن محمد بن حمير عن النجيب السري قال: كان يقال لا يبيت الرجل في بيت مع المرد
وبإسناد عن عبد العزيز بن أبي السائب عن أبيه قال: لأنا أخوف على عابد من غلام من سبعين عذراء وعن أبي علي الروزباري قال: سمعت جنيدا يقول: جاء رجل إلى أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فقال له: من هذا؟ قال: ابني فقال أحمد: لا تجئ به معك مرة أخرى فلما قام قال له محمد بن عبد الرحمن الحافظ وفي رواية الخطيب فقيل له: أيد الله الشيخ إنه رجل مستور وابنه أفضل منه فقال أحمد: الذي قصدنا إليه من هذا الباب ليس يمنع منه سترهما على هذا رأينا أشياخنا وبه أخبرونا عن أسلافهم
وبإسناد عن أبي بكر المروزي قال: جاء حسن البزار إلى أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه فلما أراد أن ينصرف قال له أبو عبد الله يا أبا علي: لا تمش مع هذا الغلام في طريق فقال له: إنه ابن أختي قال: وإن كان لا يهلك الناس فيك
وبإسناد من شجاع بن مخلد أنه سمع بشر بن الحارث يقول: احذروا هؤلاء الأحداث وبإسناد عن فتح الموصلي أنه قال: صحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدون من الأبدال كلهم أوصوني عند فراقي لهم أتقي معاشرة الأحداث وبإسناد عن الحلبي أنه يقول: نظر سلام الأسود إلى رجل ينظر إلى حدث فقال له: يا هذا ابق على جاهك عند الله فإنك لا تزال ذا جاه ما دمت له معظما
وبإسناد عن أبي منصور عبد القادر بن طاهر يقول: من صحب الأحداث وقع في الأحداث وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال مظفر القرميسيني: من صحب الأحداث على شرط السلامة والنصيحة أداه ذلك إلى البلاء فكيف بمن يصحبهم على غير وجه السلامة
الإعراض عن المرد
[عدل]وقد كان السلف يبالغون في الإعراض عن المرد وقد روينا عن رسول الله ﷺ أنه أجلس الشاب الحسن الوجه وراء ظهره والحديث بإسناد عن عطاء بن مسلم قال: كان سفيان لا يدع أمردا يجالسه وروى إبراهيم بن هانئ عن يحيى بن معين قال: ما طمع أمرد بصحبتي ولأحمد بن حنبل قال في طريق
وبإسناد عن أبي يعقوب قال: كنا مع أبي نصر بن الحرث فوقفت عليه جارية ما رأينا أحسن منها فقالت: يا شيخ أين مكان باب حرب فقال لها: هذا الباب الذي يقال له باب حرب ثم جاء بعدها غلام ما رأينا أحسن منه فسأله فقال: يا شيخ أين مكان باب حرب فأطرق الشيخ رأسه فرد عليه الغلام السؤال وغمض عينيه فقلنا للغلام: تعال إيش تريد؟ فقال: باب حرب فقلنا له: هاهو بين يديك فلما غاب قلنا للشيخ: يا أبا نصر جاءتك جارية فأجبتها وكلمتها وجاءك غلام فلم تكلمه فقال: نعم يروى عن سفيان الثوري أنه قال: مع الجارية شيطان ومع الغلام شيطانان فخشيت على نفسي من شيطانيه
وبإسناد عن عبد الله بن المبارك يقول: دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه غلام صبيح فقال: أخرجوه أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا ومع كل غلام عشرة شياطين وبإسناد عن محمد بن أحمد بن أبي القسم قال: دخلنا على محمد بن الحسين صاحب يحيى بن معين وكان يقال أنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة وكان معنا غلام حدث في المجلس بين يديه فقال له: قم من حذائي فأجلسه من خلفه وبإسناد عن أبي أمامة قال: وكنا عند شيخ يقرئ فبقي عند غلام يقرأ عليه فردت الانصراف فأخذ بثوبي وقال: اصبر حتى يفرغ هذا الغلام وكره أن يخلو مع هذا الغلام وبإسناد عن أبي الروزباري قال: قال لي أبو العباس أحمد المؤدب: يا أبا علي من أين أخذ صوفية عصرنا هذا الأنس بالأحداث؟ فقلت له: يا سيدي أنت بهم أعرف وقد تصحبهم السلامة لي كثير من الأمور فقال: هيهات قد رأينا من كان أقوى إيمانا منهم إذا رأى الحدث قد أقبل فر كفراره من الزحف وإنما ذلك حسب الأوقات التي تغلب الأحوال على أهلها فتأخذها عن تصرف الطباع ما أكثر الخطر ما أكثر الغلط
صحبة الأحداث
[عدل]وصحبة الأحداث أقوى حبائل إبليس التي يصيد بها الصوفية أخبرنا ابن ناصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: قال يوسف بن الحسين: نظرت في آفات الخلق فعرفت من أين أتوا ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد والرفاق النسوان وبإسناد عن ابن الفرج الرستمي الصوفي يقول: رأيت إبليس في النوم فقلت له: كيف رأيتنا أعرضنا عن الدنيا ولذاتها وأموالها فليس لك إلينا طريق فقال: كيف رأيت ما اشتملت به قلوبكم باستماع الغناء ومعاشرة الأحداث
وبإسناد عن ابن سعيد الخراز يقول: رأيت إبليس في النوم يمرغني ناحية فقلت: تعال فقال: إيش أعمل بكم أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس قلت: ما هو؟ قال: الدنيا فلما ولى التفت إلي فقال: غير أن فيكم لطيفة قلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث قال أبو سعيد وقل من يتخلص منها من الصوفية
عقوبة النظر إلى المردان
[عدل]في عقوبة النظر إلى المردان عن أبي عبد الله بن الجلاء قال: كنت أنظر إلى غلام نصراني حسن الوجه فمر بي أبو عبد الله البلخي فقال: إيش وقوفك؟ فقلت: يا عم أما ترى هذه الصورة كيف تعذب بالنار؟ فضرب بيده بين كتفي وقال: لتجدن غبها ولو بعد حين قال: فوجدت غبها بعد أربعين سنة أن أنسيت القرآن
وبإسناد عن أبي الأديان قال: كنت مع أستاذي وأبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه فقال: يا بني لتجدن غبه ولو بعد حين فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي فما أجد ذلك الغب فنمت ذات ليلة وأنا مفكر فيه فأصبحت وقد أنسيت القرآن كله وعن أبي بكر الكتاني قال: رأيت بعض أصحابنا في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: عرض علي سيئاتي وقال: فعلت كذا وكذا فقلت نعم ثم قال وفعلت كذا وكذا فاستحييت أن أقره فقلت: إني أستحي أن أقر فقال: إني غفرت لك بما أقررت فكيف بما استحييت فقلت له: ما كان ذلك الذنب؟ فقال: مر بي غلام حسن الوجه فنظرت إليه وقد روي نحو هذه الحكاية عن أبي عبد الله الزراد أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي كل ذنب أقررت به في الدنيا إلا واحدا فاستحييت أن أقر به فوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي فقيل له: ما الذنب؟ فقال: نظرت إلى شخص جميل
وقد بلغنا عن أبي يعقوب الطبري أنه قال: كان معي شاب حسن الوجه يخدمني فجاءني إنسان من بغداد صوفي فكان كثير الالتفات إلى ذلك الشاب فكنت أجد عليه لذلك فنمت ليلة من الليالي فرأيت رب العزة في المنام فقال: يا أبا يعقوب لم لم تنهه؟ وأشار إلى البغدادي عن النظر إلى الأحداث فوعزتي إني لا أشغل بالأحداث إلا من باعدته عن قربي قال أبو يعقوب: فانتبهت وأنا أضطرب فحكيت الرؤيا للبغدادي فصاح صيحة ومات فغسلناه ودفناه واشتغل عليه قلبي فرأيته بعد شهر في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: وبخني حتى خفت ألا أنجو ثم عفا عني
قلت: إنما مددت النفس يسيرا في هذا الباب لأنه مما تعم به البلوى عند الأكثرين فمن أراد الزيادة فيه وفيما يتعلق بإطلاق البصر وجميع أسباب الهوى فلينظر في كتابنا المسمى بذم الهوى ففيه غاية المراد في جميع ذلك