تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب/الباب الأول
الباب الأول
اعلموا رحمكم الله أن الذين كتبوا الأناجيل أربعة هم متى وماركوس ويوحنا ولوقا وهؤلاء هم الذين أفسدوا دين النصارى وزادوا ونقصوا وبدلوا كلام الله تعالى مثل ما أخبر عنهم سبحانه في كتابه العزيز، وليس هؤلاء من الحواريين الذين أثنى الله عليهم في القرآن.
فأما متى وهو الأول منهم فما أدرك عيسى ولا رآه قط إلا في العام الذي رفعه الله فيه إلى سمائه وبعد أن رفع عيسى عليه السلام كتب متى الإنجيل بخطه في مدينة الإسكندرية وأخبر فيه بمولد عيسى عليه السلام وما ظهر عند ولادته من العجائب وبخروج أمه به إلى أرض مصر خائفة من الملك رودس الذي أراد قتله وسبب ذلك على ما ذكره متى في إنجيله أن ثلاثة نفر من المجوس الذين في دواخل المشرق وردوا إلى بيت المقدس وقالوا أين هذا السلطان الذي ولد في هذه الأيام فإننا رأينا نجمه طلع في بلادنا وهو دليل ميلاده وقد أتينا بهدية. فلما سمع الملك رودس بذلك تغير وجمع علماء اليهود وسألهم عن هذا المولود فقالوا له إن أنبياء بين إسرائيل عليهم السلام أخبرونا في كتبهم أن المسيح عيسى عليه السلام يكون مولده ببيت المقدس في بلد بيت لحم في هذه الأيام. فأمرهم أن يسيروا إلى بيت لحم ويبحثوا عن هذا المولود وإذا وجدوه يعرفونه به. وذكر لهم أن قصده الاجتماع به وأن يعبده، وليس الأمر كما ذكر بل كان ذلك منه مكرا وخديعة وكان عازما على قتله. فانصرف المجوس الثلاثة إلى بيت لحم فوجدوا مريم وابنها عيسى عليه السلام في حجرها وهي ساكنة في دويرة صغيرة فأعطوها الهدية وسجدوا لابنها وعبدوه. ثم رأوا في الليل ملكا من الملائكة يأمرهم أن يكتموا مولد عيسى عليه السلام وأن يرجعوا من غير الطريق الذي جاؤا منها ثم أقبل الملك على مريم وعرفها بمكر الملك رودس وأمرها أن تهرب بعيسى ابنها إلى أرض مصر ففعلت ما أمرها به. هذا نص كلام متى في إنجيله وهو باطل وكذب وزور وبيان ذلك أن بيت لحم بينها وبين بيت المقدس خمسة أميال ولو كان الملك رودس خائفا من هذا المولود وباحثا عنه لسار بذاته مع الثلاثة نفر أو يبعث من ثقاته من ينصحه في البحث عن ذلك المولود على أتم الوجوه. وهذا دليل على كذب متى في هذه الحكاية. وأيضا فإن لوقا وماركوس ويوحنا لم يذكروا شيئا من هذا في أناجيلهم ومتى لم يحضر المولود لكن نقله عن كذاب افتعله على ما نقله.
وأما لوقا فلم يدرك عيسى ولا رآه البتة وإنما تنصر بعد أن رفع عيسى عليه السلام وكان تنصره على يد بولص الإسرائيلي وبولص أيضا لم يدرك عيسى ولا رآه وكان من أكبر أعداء النصارى حتى حصل بيده أوامر من ملوك الروم بأنه حيث ما وجد نصرانيا يأخذه ويحمله إلى بيت المقدس ويسجه هنالك. وقد حكى لوقا المذكور في كتابه الذي سماه بقصص الحواريين أن بولص هذا كان يسير مع جملة فرسان وإذا به ينظر إلى ضوء كشعاع الشمس ويسمع صوتا من الضوء يقول له لأي شيء يا بولص تضرني، (هذه الحكاية كذبا وهي من خدع الشيطان) فقال له بولص: كيف ضررتك ومن تكون أنت يا سيدي؟ فقال له: أنا عيسى المسيح. فقال له بولص: وكيف ضررتك وأنا ما رأيتك؟ فقال له: إذا ضررت أمتي كأنك ضررتني فارفع يدك عن مضرتهم فإنهم على الحق واتبعهم تفلح. فقال بولص: وما تأمرني به يا سيدي؟ فقال له: سر إلى مدنية دمشق فابحث فيها عن رجل اسمه أنانيا فهو يعرفك ما يكون عملك عليه. فسار إلى دمشق وسأل عن الرجل فوجده وأخبره بما سمع من كلام عيسى وطلبه أن يدخل معه في دين النصارى فأجابه لما طلبه وعظمه بعد أن بين له إيمانه بعيسى عليه السلام. فهذا بولص تنصر على يد أنانيا ولوقا تنصر على يد بولص وأخذ كتاب الإنجيل عنه وكلاهما لم يدرك عيسى ولا رآه قط. فهذا هو التخليط وفيه دليل كذبهم وبطلانهم أبعدهم الله.
وأما ماركوس فما رأى عيسى وكان دخوله في دين النصارى بعد أن رفع عيسى عليه السلام وتنصر على يد بتروا الحواري وأخذ عنه الإنجيل بمدينة رومة وماركوس هذا قد خالف أصحابه الذين كتبوا الأناجيل في مسائل جمة حسبما نبين ذلك في الباب السادس إن شاء الله تعالى.
وأما يوحنا فهو غير ابن خالة عيسى عليه السلام ويزعم النصارى أن عيسى حضر في عرس يوحنا وأنه حول الماء خمرا في ذلك العرس وأنها أول معجزة ظهرت لعيسى عليه السلام، وأن يوحنا لما رأى ذلك ترك زوجته وتبع عيسى عليه السلام على دينه وسياحته. ويذكر النصارى أن عيسى عليه السلام أوصى بوالدته مريم إلى ابن خالته يوحنا المذكور، وذلك حين حضرته اليهود وأيقن بالموت على زعمهم لعنهم الله تعالى، وقال له: يا يوحنا، الله الله في والدتي فإنها أمك. وقال لها: يا والدتي الله الله في يوحنا فإنه ابنك. وأوصاها به. ويوحنا هو الرابع من الذين كتبوا الأناجيل الأربعة كما قلنا. ويوحنا إنجيله بالقلم اليوناني في مدينة سوس. فهؤلاء الأربعة هم الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وحرفوها وبدلوها وكذبوا فيها وما كان الذي جاء به عيسى إلا إنجيل واحد لا تدافع فيه ولا اضطراب ولا اختلاف وهؤلاء الأربعة ظهر عندهم ما بينهم من التدافع والاختلاف والاضطراب والكذب على الله تعالى وعلى نبيه عيسى عليه السلام ما هو معلوم ومشهور لم تقدر النصارى على إنكاره حسبما نورد منه كفاية إن شاء الله تعالى وتقدس.
فصل
فأما كذبهم فمنه ما قال ماركوس في الفصل الأول من إنجيله إن في كتاب شعيا النبي عن الله تعالى يقول إني بعثت لك ملكا أمام وجهك، يريد به عيسى عليه السلام. وهذا الكلام لا يوجد في كتاب شعيا وإنما هو في كتاب ملخيا النبي عليه السلام، فهذا من أقبح الكذب على أنبياء الله تعالى حيث يسند لأحد ما ليس في كتابه.
ومنه ما حكى متى في الفصل الثالث عشر من إنجيله أن عيسى عليه السلام قال يكون جسدي في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي بعد موتي كما لبث يونس في بطن الحوت. وهو من صريح الكذب والبهتان الذي كتبه متى في إنجيله لأنه وافق أصحابه الثلاثة على ما في أناجيلهم أن عيسى مات في الساعة السادسة من يوم الجمعة ودفن في أول ساعة من ليلة السبت وقام من بين الموتى صبيحة يوم الأحد فبقي في بطن الأرض يوما واحدا وليلتين. وعلى ما تقدم من قول متى إن عيسى قال إنه يبقى ثلاثة أيام وثلاث ليالي كما بقي يونس في بطن الحوت يظهر كذب متى وتناقضه في نقله. ولا شك في كذب هؤلاء الملاعين الذين كتبوا هؤلاء الأناجيل في هذه المسألة لأن عيسى لم يخبر عن نفسه ولا أخبر الله عنه في إنجيله بأنه يقتل ويدفن يوما وليلة ولا ثلاثة أيام بل هو كما أخبر الله عنه في كتابه العزيز المنزل على نبيه الصادق الكريم أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه. فلعنة الله على الكاذبين.
ومنه ما قال ماركوس إن سيدنا المسيح لما قام من بين الموتى كلم الحواريين ثم صعد إلى السماء من يومه وخالفه لوقا في كتابه الذي سماه بقصص الحواريين فإنه ذكر فيه أن عيسى عليه السلام صعد إلى السماء بعد قيامه من بين الموتى بأربعين يوما. وحسبك بهذا دليلا على كذبهم في هذا من أصله. فوالله الذي لا إله إلا هو ما قتل عيسى ولا دفن ولا قام من قبر بعد يوم ولا بعد أربعين يوما فلعنة الله على الكاذبين.