انتقل إلى المحتوى

العقد الفريد/الجزء الثاني/16

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المراثي من رثي نفسه ووصف قبره وما يكتب على القبر

قال قال ابن قتَيْبة: بلغني أن أوّل مَنْ بكى على نفسه وذكرَ الموت في شِعْره يزيدُ بن خَذّاق فقال: هَل للفتى من بنات الدهر مِن وَاقِي أم هل له من حِمام المَوْتِ من رَاقِي قد رَجَّلوني وما بالشَّعر من شَعَثٍ وألبَسوني ثِيَاباً غيرَ أخْلاق وطَيَّبوني وقالوِا أيما رَجُلٍ وأدرَجوني كأنّي طيّ مخْرَاق وأرسَلوا فِتْيَةً من خيْرِهِمْ حَسَباً لِيُسْنِدُوا في ضرَيح القَبْر أطباقي وقَسمُوا المال وارفضّت عوائدُهم وقال قائلُهُم مات ابن خَذّاق هَوِّن عليك ولا تُولَع بإشفاق فإنّما مالُنا للوارث الباقي وقال أبو ذُؤيب الهُذليّ يَصِفُ حُفرته: مُطأْطَأةً لم ينبطوها وإنها لَيَرْضى بها فُرَّاطها أُمَّ واحدِ فكنتُ ذَنُوبَ البِئر لما تَبَسَّلت وأدرجتُ أكفاني ووُسَدْت ساعدي وقال عُروة بن حِزام لما نَزل به الموتُ: مَن كان مِن أخَوَاتي باكياً أبداً فاليومَ إني أُراني اليوْمَ مَقْبُوضَا يُسْمِعْنَنِيه فإنّي غيرُ سامِعِه إذا علوتُ رِقابَ القول مَعْروضا وقال الطرمِّاح بن حَكِيم: فيا رَبّ لا تَجعل وَفاتِيَ إن أتَتْ على شَرْجَعٍ يُعْلَى بخُضْر المَطَارفِ ولكنْ شهيداً ثاوياً في عِصابة يُصابون في فَجٍّ من الأرْض خائف إذا فارَقُوا دًنْياهُم فارَقُوا الأذىَ وصارُوا إلى مَوْعُود ما في الصَّحَائف فأقْتَلَ قَعْصاً ثم يُرْمى بأعْظُمِي مُفَرقةً أوصالُها في التَنَائف ويُصْبِحَ لَحْمِي بَطْنَ نَسْر مقيلُه بجَوَ السماءِ في نُسورعواكف وقال مالك بن الرّيْب يَرْثى نَفْسه ويصِف قَبْرَه وكان خرَج مع سَعيد بن عثمان بن عفّان لما وَليَ خُراسان فلما كان ببعض الطَّريق أراد أن يَلْبَس خُفَّه فإذا بأفعى في داخلها فلسعَتْه فلما أحسّ الموت استلقى على قَفاه ثم أنشأ يقول: دَعاني الهَوَى من أهل أودَ وصُحْبَتي بذِي الطَّبَسينْ فآلتفتُّ ورَائِياً ألم تَرَني بِعْتُ الضلالةَ بالهدَى وأصبحتُ في جَيْش ابن عَفّان غازيا فللّه درِّى حين أَتْرُك طائعاً بَنيَّ بأعْلَى الرقْمَتين وماليا ودَرّ كبيرَىَّ اللذين كِلاهما علَيَّ شفيقٌ ناصح لو نهانيا ودرُّ الظِّبَاء السانحات عَشيةً يُخَبَرْن أني هالكٌ من أماميا تقول ابنتي لما رأت وَشْك رِحْلتي سِفَارُك هذا تارِكي لا أباليا ألا ليتَ شِعْري هل بَكتْ أمالك كما كنتُ لو عالَوْا نَعِيك باكيا على جَدَث قد جرَّت الرِّيح فوقَه تُرَابا كسَحْق المَرْنبانيّ هابيا فيا صاحَبيْ رَحْلِي دَنا الموت فاحفِرَا برابية إنّي مُقيم لياليا وخُطّا بأطراف الأسِنَّة مَضْجعِي ورُدَّا عَلَى عَيْني فَضْلَ رِدَائيا ولا تَحْسداني بارَك الله فيكما من الأرض ذاتِ العَرْض أن توسِعاليا خُذَاني فَجُراني بِبُرْدِي إليكما وقد كنت قبلَ اليوم صَعْباً قيَاديا تفَقَّدْت مَنْ يَبكى عليّ فلم أجد سوى السَّيف والرُّمح الردَيّنيِّ باكيا لعمري لَئِن غالت خُراسانُ هامتي لقد كنتُ عن بابَيْ خرَاسان نائيا تَحَمَّل أصحابي عِشَاءَ وغادَرُوا أخا ثِقَةٍ في عَرْصَة الدَار ثاوِيا يَقُولون لا تَبْعَد وهم يَدْفِنُونني وأينَ مَكان البُعْدِ إلا مَكانيا وقال رجُل من بني تَغْلب يقال له أفْنُون وهو لَقبه واسمه صُرَيم بن مَعْشر بن ذُهْل بن تَيْم بن عمرو بن مالك بن حَبيب بن عمرو بن عُثمان بن تَغْلِب ولَقِيَ كاهناً في الجاهلية فقال له: إنك تموت بمكان يقال له إلاهَة. فمكث ما شاء الله ثم سافر في رَكْب من قومه إلى الشام فأتَوْها ثم انصرفوا فضلّوا الطَّريق فمالوا لرجل: كيف نَأخذ فقال: سِيرُوا حتى إذا كنتم بمكان كذا وكذا ظَهَر لكم الطريق ورَأيتم إلاهة - وإلاهة قارة بالسّماوة - فلما أتَوْها نزل أصحابُه وأبى أن يَنْزل فبينما ناقتُه تَرْتعى وهو راكبها إذ أخَذتْ بمشْفر ناقته حَيَّة فاحتكت الناقةُ بمشْفرِها فلدغتْ ساقه فقال لأخيه وكان معه واسمَه مُعاوية: احفر لي فإني ميّت ثَم تغنِّى قبل أن يموت يبكى نفسه: فلستُ على شيء فُروحَنْ مُعاويا ولا المُشْفِقاتُ إذ تَبِعْنَ الحوَازيا ولا خَيْرَ فيما يَكْذِب المرْءُ نفسَه وتَقْوَالِه للشيء يا ليت ذا ليا وإن أعْجَبَتك الدهرَ حال من آمرىء فَدَعْه ووَاكلْ حاله واللّياليا فطأ مُعْرضاً إنِّ الحُتُوف كثيرةٌ وأنَّك لا تبْقى بنَفْسِك باقيا لعَمْرك ما يَدْري آمرؤ كيف يَتَّقىِ إذا هو لم يَجْعل له الله وَاقيا كفي حَزناً أن يَرحل الرَّكب غُدْوَةَ وأنزِلَ في أعلَى إلاهة ثاويا قال: فمات فَدَفَنوه بها. وقال هُدْبة العذُرِي لما أيْقن بالموت: ألا عَلَلاني قبل نَوْح النوائح وقبلَ آطّلاع النَّفس بين الجَوَانح وقَبل غدٍ يالَهْفَ نفْسي على غَدٍ إذا راح أصحَابي ولستُ برائح إذا راح أصحابي بِفَيض دُموعهم وغُودِرتُ في لَحْدٍ عليّ صَفَائحي يَقولون هل أصلحتمُ لأخِيكُم وما الرمْس في الأرض القِوَاء بصالح وقال محمد بن بَشير: ويلٌ لمن لم يَرْحَم الله ومَن تكون النار مثْوَاهُ والوَيل لي من كل يوم أتى يُذَكِّرُني الموتَ وأنسَاه كأنّه قد قيل في مَجْلًس قد كنتُ آتية وأغْشاه: صار البَشيريّ إلى رَبّه يَرْحَمًنا اللهّ وإياه أذْنَ حَيّ تسمعي اسمعي ثم عِي وَعي أنا رَهْنٌ بمَضْجَعيِ فاحنَرِي مثلَ مَصْرَعي عِشْتُ تسعين حِجّةَ ثم وافيتُ مَضجَعي لي شيءٌ سِوى التُّقَى فخذِي منه أو دَعِي وعارَضه بعضُ الشعراء في هذه الأبيات وأوْصى بأن تُكتب على قَبره أيضاً فكُتبت وهي: أَصبح القبرُ مَضْجَعي ومَحلِّي. وِمَوْضِعي صَرَعَتْني الحُتوف في التُّرْب يا ذُلَ مَصْرَعي أين إخوانيَ الذي ن إليهم تَطلُّعي متُّّ وَحْدِي فلم يَمُتْ واحد مِنْهُمُ مَعي وُجِد على قَبْر جارية إلى جَنْب قبر أبي نُواس ثلاثةُ أبيات فقِيل إنها من قول أبي نواس وهي: أقول لِقَبْر زُرْتُه مُتَلثِّماً سَقَى اللهّ بَرْدَ العفو صاحبة القبر لقد غَيَّبُوا تحت الثَّرَى قَمَرَ الدُّجى وشَمْس الضُحى بين الصَّفائح والعفْو إن كان لا يَرْجوك إلا مُحْسِنٌ فَبِمن يَلوذ ويستجير المُجْرِمُ أدْعُوك ربِّ كما أمرتَ تَضرُّعاً فإذا رَدَدْتَ يدِي فمن ذا يَرْحم مالي إليك وسيلةٌ إلا الرّجا وجَميلُ عَفوك ثم أني مُسْلِمُ الخُشنىّ قال: أخبرنا بعضُ أصحابنا ممن كان يَغْشى مجلس الرِّياشي قال: رأيتُ علي قبر أبي هاشم الإياديّ بواسط: الموتُ أخْرَجَني من دار مَمْلكتِي والموتُ أضْرَعني من بَعد تَشْريفِي لله عَبْدٌ رَأى قَبري فأعْبرَه وخاف من دَهْره رَيْبَ التَصارِيف الأصمعي قال: أخذ بيدي يحيى بن خالد بن بَرْمك فوقفني على قبره بالحِيرة فإذا عليه مكتوب: إنَّ بَنِي المُنذر لما آنقضَوْا بحب شاد البَيْعة الراهب تنفَح بالمِسْك مَحاريبهم وعنبرٍ يقطبه قاطِبُ والخُبز واللَحم لهم راهنٌ وقهْوَة راوُوقها ساكِب والقُطْنُ والكَتّان أثوابُهم لم يَجْلِب الصُوفَ لهم جالِب فأَصْبَحوا قُوتاً لدُود الثَّرى والدَهرُ لا يَبْقى له صاحِب الشَيبانيّ قال: وُجد مكتوباً على بعض القبور: مَل الأحِبّةُ زَوْرتي فجفيت وسَكنتُ في دار البلَى فنسيتُ الحيّ يَكْذِب لا صَديقَ لِمَيِّتٍ لو كَان يَصْدُق مات حين يَمُوت يا مُؤْنِسا سَكن الثَّرى وَبَقِيتُ لو كنتُ أصدُق إذ بليتُ بَليت أو كان يعمَى للبكاء مُفَجًع من طُول ما أبكِي عليك عَمِيت وقال محمدُ بن عبد الله: وعمّا قلَيلٍ لنْ تَرى باكياً لنا سَيَضْحك من يَبْكى وُيعْرض عن ذِكْري تَرى صاحبي يبكى قليلاً لِفًرْقتي ويَضْحك من طُول اللَيالي على قَبري ويُحْدِث إخواناً ويَنْسى مَودَتي وتَشْغله الأحباب عنّي وعن ذِكْري من رثى ولده: فمن قولى في وَلدي: بَلِيت عِظامُك والأسىَ يتجَدَد والصبْر يَنْفَد والبُكا لا يَنْفَدُ يا غائباً لا يُرْتَجَىِ لِإيَابه ولقائه دونَ القِيامة مَوْعد ومن قولي فيه أيضاً: واكَبِدَا قد قُطعت كَبِدي وحَرَّقتها لواعجُ الكَمدِ ما مات حَيٌ لميِّتٍ أسَفآَ أعذر من والدِ على وَلد يا رَحْمةَ الله جاوِرِي جَدَثاً دفَنْتُ فيه حُشَاشتي بِيَدي ونَوِّري ظًلْمة القُبور على مَن لم يَصِلْ ظُلْمُه إلى أحد من كان خِلْواً من كل بائقِةِ وطَيِّبَ الرُّوح طاهرَ الجَسَد يا موت يَحيى لقد ذهبتَ له ليس بُزمَّيْلَةٍ ولا نَكِد يا مَوْتَه لو أقلتَ عَثْرته يا يومَه لو تركتَه لِغَدِ يا موتُ لو لم تَكُن تعاجله لكان لا شكّ بَيْضَة البَلد أو كنتَ راخيتَ في العِنان حاز العُلا واحتَوَى على الأمد أي حسام سلبت رَوْنَقه وأيَّ رُوح سًللت من جَسد وأيَ ساقٍ قطعت من قَدَم وأيَ كَفٍّ أزلْت من عَضدُ لو لم أَمُتْ عند مَوْته كمَداً لَحُقّ لي أن أموت من كَمَدي يا لَوْعةً ما يزال لاعِجُها يَقْدح نارَ الأسى على كَبِدي وقلت فيه أيضاً: قَصَد المَنُون له فمات فَقِيدَا ومَضى على صَرْف الخطُوب حَمِيدا بأبي وأمِّي هالِكاً أفْرِدتُه قد كان في كلِّ العُلوم فَرِيدا سُود المقَابر أصبحتْ بِيضاً به وغَدت له بيضُ الضمائر سُودا لم نُرْزَه لما رزِينا وَحْدَه وإن استقلّ به المنون وَحِيدا لكنْ رُزِينا القاسمَ بنَ محمّد في فَضْله والأسْودَ بنَ يَزيدا وابن المُبارك في الرقائق مُخْبِراً وابن المُسيِّب في الحديث سَعِيدا والأخفَشيَنْ فَصاحةً وبلاغةً والأعْشَيَيْن رِوايةً ونشيدا كان الوَصيَّ إذا أردتُ وصيّةً والمُستفادَ إذا طلبتُ مفِيدا وَلَّى حَفيظاً في الأذمّة حافظا ومَضى ودودا في الوَرَى مَوْدُودا تأبَى القُلوب المسْتَكِينة للأسى مِن أن تَكون حجارةً وحَدَيدا إن الذي باد السُّرورُ بِموْته ما كان حُزني بعده لِيَبِيدا الآنَ لما أن حَوَيتَ مآثرِاً أعْيَت عَدُوّا في الوَرَى وحَسُودا ورأيتُ فيك من الصلاح شمائلاً ومن السَّماح دلائلاً وشُهودا أبْكِي عليك إذا الحمامة طَرَّبت وَجْهَ الصَّباح وَغَرِّدت تَغْريدا لولا الحَياء وأنْ أزَنّ بِبِدْعة مما يُعدِّده الوَرى تعْدِيدا لجعلتُ يومَك في المَنائح مَأتما وجعلتُ يومَك في الموالد عِيدا وقلت فيه أيضاً: لا بَيْتَ يُسْكن إلا فارَق السكَنَا ولا امتلا فَرَحاً إلا امتلا حَزَنَا لَهْفِي على مَيِّت مات السُّرور به لو كَان حَيًّا لأحْيَا الدينَ والسُّنَنا واهاً عليك أبا بَكْرٍ مُرَدَّدةً لو سَكَّنتْ ولَهاً أو فَتَرت شَجَنا إذَا ذكرتُك يوماً قُلت واحَزَنا وما يَرُد عليّ القَوْلُ: واحَزَنا لو كنتُ أعطَي به الدنيا مُعاوَضةً منه لما كانت الدُنيا له ثَمنا وقال أبو ذُؤيب الهُذلي وكان له أولادٌ سبعة فماتوا كلّهم إلا طفلا فقال يرثيهم: أمِنَ المَنون وَرَيْبه نَتَوجع والدَهر ليس بمًعْتِب من يَجْزَعُ قالت أمَيمة ما لجسْمك شاحباً منذ ابتُذِلْت ومثلُ مالك يَنْفع أم ما لجسمك لا يُلائِم مَضْجَعاً إلا أقَضَّ عليك ذاك المَضْجع فأجبتُها أن ما لجسْمي أنّه أوْدىَ بنَي من البِلاَد فودَعوا أودى بَنيّ وأعقَبُوني حَسْرةً بعد الرُّقاد وعَبْرةً ما تُقلِع سَبَقُوا هًوىّ وأعْنَقُوا لهواهمُ فَتُخرِّموا ولكلِّ جَنْبٍ مَصرَع فَبقِيت بعدهُم بعَيْشٍ ناصِبٍ وإخَال أنِّي لاحقٌ مسْتتبِع ولقد حَرَصْت بأن أدافع عنهم وإذا المَنيّة أقبلتْ لا تُدْفَع وإذا المنيَّة أنْشَبت أظفارَها ألفيتَ كلَّ تَمِيمة لا تَنْفع فالعين بَعدهُم كأنّ حِدَاقها سُمِلت بشَوْك فهي عُورٌ تَدْمَع والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبْتَها وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تَقنَعُ وقال الأصمعي: هذا أبْدَع بَيْت قالته العرب. وقال أعرابيٌّ يَرْثى بَنِيه: أسُكّان بَطْن الأرْض لو يُقْبَلُ الفِدَا فَدَينا وأعْطينا بكم ساكِني الظَّهْرِ فيا ليتَ مَن فيها عليها وليتَ مَن عليها ثَوَى فيها مُقِيماً إلى الحَشْر وقاسَمني دهرِي بَنيّ بِشَطْره فلما تَقَصىَّ شَطْرُه مالَ في شَطْري فصارُوا دُيوناً للمَنايا ولم يَكُن عليهم لها دَيْن قَضَوْه على عُسْر كأنهمُ لم يَعْرف الموتُ غيرَهم فثُكْلٌ على ثُكلِ وقبر إلى قَبْر وقد كنتُ حَيَّ الخَوْفِ قبل وَفاتهم فلما تُوفّوا مات خوْفي من الدَّهر فلله ما أعْطى وللّه ما حَوَى وليس لأيّام الرزَّية كالصَّبر وقيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسنَ عزاءَك قالت: إن فَقْدي إياه امنَني كل فَقْدٍ سواه وإن مُصيبتي به هونت عليّ المصائب بعده. ثم أنشأت تقول: مَن شاء بعدك فَلْيَمُتْ فَعَليك كنت أحاذِرُ إنِّي وَغَيري لا محا لةَ حيثُ صِرْتَ لصائر أخذ الحسنُ بن هانئ معنى هذا البيت الأول فقال في الأمين: طَوَى الموت ما بَيْني وبين محمد وليس لمَا تَطْوِي المِنيّة ناشر وكنتُ عليه أحذر الموتَ وحدَه فلم يَبْق لي شيءٌ عليه أحاذير لئن عَمَرت دُورٌ بمن لا أحبّه لقد عَمَرت ممّن أحبّ المقابر وقال عبدُ الله بن الأهتم يَرْثي ابنا له: دَعوتُك يا بُنيِّ فلم تجِبْني فَرُدّت دَعْوِتي يأساً عليِّ بموتك ماتت اللّذات منّي وكانت حَيَّةَ ما دُمتَ حياً فيا أسفَا عليك وطُولَ شَوْقي إليك لو ان ذلك رَدّ شَيّا وأصيب أبو العتاهية بابن له فلما دَفنه وقَف على قبره وقال: كَفي حَزَناً بَدَفْنك ثم أنِّي نَفَضْتُ تُراب قَبْرك مِن يَدَيّا وكانت في حياتك لي عِظاتٌ فأنت اليومَ أوْعظُ منك حَيّا ومات ابن لأعرابيّ فاشتد حُزْنه عليه وكان الأعرابيّ يُكْنى به فقيل له: لو صَبرتَ لكان أعظمَ كيف السُّلوّ وكيف أنسى ذِكْره وإذا دُعِيت فإنما أدْعَي به خرج عمرُ بن الخطّاب رضي اللهّ عنه يوماً إلى بقيع الغَرْقد فإذا أعرابي بين يديه فقال: يا أعرابيّ ما أدخلك دارَ الحق قال: وَدِيعة لي ها هنا منذُ ثلاث سنين قال: وما وَديعتك قال: ابنٌ لي حين تَرَعْرع فقدتُه فأنا أنْدُبه قال عمر: أسْمِعني ما قلتَ فيه فقال: يا غائباً ما يؤوب من سَفَره عاجَله موتُه على صِغَره يا قُرّة العَين كُنْتَ لي سَكَناً في طُول لَيْلى نَعم وفي قِصرَه شَرِبْتَ كأساً أبوكَ شاربُها لا بدُ يوماً له على كِبرَه أشربُها والأنامِ كلهم مَن كان في بَدْوِه وفي حَضَره فالحَمْد لله لا شريك له الموتُ في حُكمه وفي قَدَره قد قَسَّم الموتَ في الأنام فما يَقْدِر خَلْقٌ يَزِيد في عُمرُه قال عمر: صدقتَ يا أعرابي غَير أن الله خيرٌ لك منه. الشَيباني قال: لما مات جَعفر بن أبي جعفر اْلمَنصور اشتدّ عليه حزنه فلما فَرغ من دَفْنه التفت إلى الرَّبيع فقال: يا ربيع كيف قال مُطيع بن إياس في يحيى بن زياد فأنشد: يا هل دواء لِقَلْبيَ القَرِح وللدُّموع الذوارِفِ السُّفُح يا خير من يَحسُن البُكاءُ به الْيومَ ومَن كان أمس للمِدَح قد ظَفِر الحُزنُ بالسُّرِور وقد أديل مَكْروهُه مِنَ الفَرح وقالت أعرابيةً تَنْدُب ابناً لها: ابنيّ غَيّبك المَحلّ المُلْحَدُ إمّا بَعُدت فأين من لا يَبْعُدُ أنت الذي في كل مُمْسىَ لَيْلةٍ تَبْلى وحُزْنك في الحَشىَ يتجدَّد وقالت فيه: لئن كنتَ لهواً للعُيون وقُوَّةً لقد صِرْت سُقْماً للقُلوب الصَّحائح وهَوَّن حُزْني أنّ يومَك مُدْرِكي وأني غداً من أهل تلك الضَّرائح وقال أبو الخطّار يَرْثي ابنه الخَطّار: ألا خَبِّراني بارك الله فِيكماِ مَتى العَهْدُ بالخَطّار يا فَتَيان فتى لا يَرى نَومَ العِشاء غَنِيمةً ولا يَنْثَني من صَوْلة الحَدَثَان وقال جرير يرْثي ولده سَوَادَة: قالوا نَصِيبَك من أجر فقلتُ لهم كيف العزَاء وقد فارقتُ أشْبالي وقال أبو الشَّغْب يَرْثي ابنه شَغْباً: قد كان شَغْبُ لو آن الله عَمّره عِزًّا تُزاد به في عِزّها مُضَرُ ليتَ الجبالَ تَدَاعت قبل مَصرعه دَكَّا فلم يَبْقَ من أحجارها حَجَر فارقتُ شَغْبا وقد قُوِّسْت من كِبَرٍ بِئْس الخلِيطان طولُ الحُزْن والكِبَر ولما تُوفي أيوبُ بن سُليمان بن عبد الملك في حياة سُليمان وكانَ ولِيّ عهده وأَكبر ولده رثاه ابن عبد الأعلى وكان من خاصّته فقال فيه: ولقد أقولُ لذي الشَّماتة إذ رَأَى جَزَعي ومن يَذُق الحوادثَ يَجْزَع أَبْشِر فقد قَرَع الحوادِثُ مَرْوَتي وآفرحْ بِمَرْوَتك التي لم تُقْرَع إنْ عِشْتَ تُفجَع بالأحِبّة كلِّهم أو يُفْجَعوا بك إن بهم لم تُفْجَع أَيًّوبُ من يَشْمَت بِموْتك لم يُطِقْ عن نَفْسه دَفْعاً وهل مِن مَدْفع الأصمعيّ عن رجلِ من الأعراب قال: كُنّا عشرةَ إخْوة وكان لنا أخ يقال له حسن فَنُعِي إلى أبينا فبقي سَنَتين يَبْكي عليه حتى كُفَّ بَصَرُه وقال فيه: أَفلحتُ إن كان لم يَمُت حَسَنُ وكُفّ عنّي البُكاءُ والحَزَنُ بل أَكْذَب الله مَن نَعى حَسَناً ليس لتَكْذِيب قَوْله ثَمَن بُدِّلْتُهم منك ليتَ أنهمُ كانُوا وبَيْني وبَيْنهم مُدُن قد عَلِموا عند ما أنافرهم ما في قَناتي صَدْع ولا أُبَن قد جَرَّبوني فما ألاوِمُهم ما زال بَيني وبَينهم إحَن قد بُرى الجسمُ مذ نُعيتَ لنا كما بَرى فَرْع نَبْعة سَفَن فإن نَعِشِ فالمُنى حَياتُكَ وال خُلْد وأنت الحديثُ والوَسَن إن تَحْيَ نحْيَ بخير عَيْشٍ وإن تَمْض فتِلْك السَّبيلُ والسَّنن بَريدُك الحمدُ والسَّلامُ مَعاً فكُلّ حَيٍّ بالموت مُرْتَهَن يا ويح نَفْسي أن كنتَ في جَدَثٍ دونَك فيه الترابُ والكَفن علي لله إن لقيتك من قَبْل الممات الصَيامُ والبُدُن أسوقُها حافياً مُجلَّلةً أدْما هِجَاناً قد كظَّها السِّمَن فلا نُبالي إذا بَقيتَ لنا من مات أو مَن أوْدى به الزَمن كُنتَ خليلَي وكنتَ خالِصتي لِكل حيٍّ من أهلْهِ سَكَن فإِن يَنْقَطع منك الرَّجاء فإنه سَيَبْقى عليك الحُزْن ما بَقِيَ الدَّهر وقال أعرِابِيّ يرثي ابنه: بُنَيّ لئن ضنَّت جُفونٌ بمائها لقد قَرِحَتْ منّي عليك جُفُونُ دَفنتُ بكفّي بَعْضَ نفسي فأصبحتْ وللنفس منها دافِنٌ ودَفِين وهذا نظير قوِلِي في طِفل أصبْت به: على مِثْلها من فجْعة خانني الصَّبْر فِراق حبيب دون أوْبته الحَشْرُ ولي كَبِدٌ مَشْطُورة في يَدِ الأسى فَتَحْتَ الثّرى شَطرٌ وفوق الثّرى شَطر يَقولون لي صَبِّر فُؤادَك بعدَه فقلتُ لهم مالي فؤادٌ ولا صَبر فُرَيخ من الحُمْر الحواصل ما اكْتَسى من الرِّيش حتى ضَمّه الموتُ والقَبْر إذا قلتُ أسْلو عنه هاجت بلابلٌ يُجدِّدها فِكْر يُجدِّده ذِكْر وأنظر حَوْلي لا أرى غير قَبْرِه كأنّ جَمِيعِ الأرْض عندي له قَبر أفَرْخ جِنَان الخُلْد طِرْتَ بمُهْجتي وليس سِوى قَعْرِ الضَّريح له وَكْر وقالت أعرابيّة تَرْثي ولدها: أيقنتُ بعدكَ أنِّي غيرُ باقيةٍ وكيف يَبْقى ذراعٌ زال عن عَضُد تُوفي ابنٌ لأعرابيّ فَبكى عليه حينا فلما هَمّ أن يَسْلُو عنه تُوفيِّ له ابن آخر فقال في ذلك: إنْ أُفِقْ مِن حَزَنٍ هاج حَزَنْ فَفُؤادي ما له اليومَ سَكَنْ وكما تَبْلَى وُجوهٌ في الثَّرى فَكذا يَبْلَى عليهنّ الحَزَن وقال في ذلك: عُيون قد بَكَيْنَك مُوجَعاتٍ أضرَّ بها البُكاء وما يَنِينَا إذا أنْفَذْن دَمْعاً بعد دمْعٍ يُرَاجِعْن الشُؤونَ فيستقينا أبو عبد الله البَجَلي قال: وقفتْ أعرابيةٌ على قبر ابن لها يقال له عامر فقالت: أقمتُ أَبْكِيه على قَبْرِه مَنْ ليَ مِن بَعْدك يا عامرُ تَرَكْتَني في الدّار لي وَحْشَةٌ قد ذلَّ مَن ليس له ناصِر وقالت فيه: هو الصَّبْرُ والتَسْلِيم للِهّ والرضّا إِذ نَزلتْ بي خُطَّة لا أَشاؤُهَا إذا نحنُ أُبْنا سالمِينَ بأنْفُسٍ كِرَام رَجَتْ أمْراً فَخاب رجاؤُها هو ابنىَ أَمْسى أجره " لي " وعَزَّني على نَفْسِه رَبُّ إليه وَلاَؤُها فإنْ احْتَسِب أوجَر وإن أبكِه أكنْ كباكيةٍ لم يُحْي مَيّتَاً بُكاؤُها الشَيبانيّ قال: كانت امرأة من هُذَيل لها عَشرة إخْوة وعَشْرَة أعمام فَهَلكوا جمعياً في الطاعون وكانت بِكْراً لم تَتزوّج فَخَطبها ابن عمّ لها فتزوّجها فلم تَلْبث أنْ اشتملت على غُلام فولدتْه فنَبت نباتاً كأنما يُمد بناصِيَته وبلغ فزوّجتْه وأخذتْ في جَهازه حتى إذا لم يَبْق إلا البِنَاء " بأهْله " أتاه أجلُه فلم تَشُقِّ لها جَيْباً ولم تَدْمَع لها عَين فلما فَرغوا من جَهازه دُعِيت لتوديعه فأكبَّت عليه ساعةَ ثم رَفعت رأسَها ونظرت إليه وقالت: ألا تلك المَسَرَّة لا تَدُوم ولا يَبْقَى على الدَّهر النَّعيمُ ولا يبقى على الحَدَثان غُفْر بشَاهِقَةٍ له أمٌّ رءُوم ثم اكبَّتْ عليه أخرى فلم تقطع نَحيبها حتى فاضت نَفسُها فَدُفِنا جميعاً. خَليفة بن خَيّاط قال: ما رأيت أشدَّ كَمَداً من آمرأة من بني شَيبان قُتِل ابنها وأبوها وزَوجُها وأمّها وعَمَّتها وخالتُها معِ الضَّحّاك الحَرُورِيّ فما رأيتُها قطُّ ضاحكةً ولا مُتَبَسِّمَةَ حتى فارقت الدنيا وقالت ترثيهم: مَنْ لِقَلْبٍ شَفَّه الحَزَنُ ولنَفْس ما لها سَكَن مَعْشر قضَوْا نُحوبهم كل ما قد قدَّموا حَسَن صَبَرُوا عند السّيُوف فلم يَنْكلُوا عنها ولا جَبُنُوا فِتْيةٌ باعُوا نًفوسَهُم لا وَرَبِّ البَيْتِ ما غُبِنُوا فأصاب القومُ ما طَلَبوا مِنَّةً ما بعدها مِنَن وقال عبدُ الله بن ثَعلبة يَرْثي ولداً له: أأخْضِب رَأسي أم أطَيِّبُ مَفْرِقي ورَأْسُك مَرْموسٌ وأنتَ سلِيبُ نَسِيبُك من أمْسى يُناجِيك طَرْفُه وليس لمن تحت التراب نَسِيب غَرِيبٌ وأطْرافُ البُيوت تُكِنّه ألاَ كلّ مَن تحت التراب غريب قال العُتْبِيّ - محمدُ بن عُبيد الله - يرثِي ابنا له: أَضْحَتْ بخدي للدُّموع رُسُومُ أسَفاً عليك وفي الفؤاد كُلُومُ والصَّبْر يُحمد في المَوَاطن كلِّها إلاّ عليك فإنّه مَذْمُوم خَرج أعرابيّ هارباً من الطاعون فبينما هو سائر إذْ لدغته أفعَى فمات فقال أبوه يَرْثيه: طافَ يَبْغِي نَجْوَة مِنْ هَلاَكٍ فَهَلَكْ كلُّ شيءٍ قاتِلٌ حين تَلْقى أجلَك لما قَتل عبد الله المأمون أخاه محمدَ بنَ زبيدة أرسلت أمه زُبيدة بنت جَعْفر إلى أبي العَتاهية أن يقول أبياتاً على لسانها للمأمون فقال: ألا إن رَيْبَ الدّهر يُدْنىِ ويًبْعِد وللدَّهْرِ أيَّام تُذَمّ وتُحْمَدُ أَقول لرَحيب الدَّهر إن ذَهبتْ يدٌ فقد بَقِيتْ والحمدُ للهّ لِي يَد إذا بَقِيَ المأمونُ لِي فالرَّشِيدُ لِي وليِ جَعْفَرٌ لم يَهْلِكَا ومحمّد وكَتبت إليه من قوله: لخير إمام مِن خَير مَعْشَر وأكرم بَسَّام على عُودِ مِنْبَرِ كَتبتُ وَعينىِ تستهلُّ دُموعُها إليْك ابن يَعْلي من دمُوعي ومحْجري فُجِعْنا بأدنىَ الناس مِنك قَرَابةً ومَن زلَّ عن كِبْدي فقَلّ تَصبُّري أتىَ طاهرٌ لا طهَّر الله طاهراً وما طاهرٌ في فِعْله بمُطَهَّر فأبْرزَني مَكْشوفَة الوَجْه حاسِراً وأنْهَب أمْوالِي وخَرَّب أدْوُرِي وعَزَّ على هارونَ ما قد لَقِيتُه وما نابني مِن ناقِص الخَلْق أعْوَرِ ذلك الوقت وقَبِلتْ منه ما وجّه " به " إليها. فلما صارتْ إليه بعد ذلك قال لها: مَن قائل الأبيات قالت: أبو العَتاهية قال: وبكم أمرْتِ له فقالت: بعشرين ألفَ دِرْهم قال المأمون: وقد أمرنا له بمثل ذلك. واعتذر إليها من قَتْل أخيه محمد وقال " لها ": لستُ صاحبَه ولا قاتِلَه. فقالت: يا أميرَ المؤمنين إنّ لكما يوماً تَجْتمعان فيه وأرْجو أنْ يَغْفِر اللهّ لكما إن شاء الله. أبُو شَأس يَرثي ابنه شأسا: ورَبيَّتُ شأساً لِرَيْب الزمان فلله تَرْبيتي والنَّصبْ فلَيتَك يا شأسُ فيمن بَقِي وكنتُ مكانَك فيمنْ ذَهَب " من رثى إخوته الرِّياشي قال: صَلَّى مُتَمِّم بن نوَيْرة الصُّبح مع أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله تعالى عنه ثم أنشد: نِعْم القَتِيلُ - إذا الرِّياحُ تَنَاوَحَتْ بين البيُوت - قَتَلْت يا بنَ الأزْور أدعَوْتَه بالله - ثم قَتَلْتَه لو هو دَعاكَ بِذِمَّة لم يَغْدِر لا يُضْمِر الفَحْشاءَ تحت رِدَائه حلْوٌ شمائلُه عَفِيفٌ المِئزَر قال: ثمّ بكى حتى سالت عَينُه العَوْراء. قال أبو بَكر: مَا دعوتُه ولا قتلتُه. وقال مُتَمِّم: ومُسْتَضْحِكٍ منّي أدّعى كَمصيبتي وليس أخو الشَّجْو الحَزِين بضاحكِ يَقُول أتَبكي مِن قُبُور رأيتَها لِقَبْر بأطْراف المَلاَ فالدَّكادك فقلتُ له إنّ الأسى يَبْعَث الأسىَ فَدَعني فَهذِي كلُّها قَبْرُ مالك وقال مُتَمّم يَرْثي أخاه مالكاً وهي التي تُسمَّى أمَّ المَراثي: لَعَمْرِي وما دَهْرِي بتأبين هالكٍ ولا جَزَع ممّا أَلمّ فَأوْجَعَا لقد غَيَّب اْلمِنْهَالُ تحت رِدَائه فَتىً غَيرَ مبطَانِ العَشِيّات أَرْوعَا تَراه كنَصْل السّيف يهتز للنَّدَى إذا لم تَجد عند امرىء السَّوء مَطْمَعا فَعَيْنىّ هلا تَبْكيان لمالكٍ إذا هَزَّت الرِّيحْ الكَنِيفَ المُرفَّعا وأرملَة تَمْشي بأَشْعَثَ مُحْثَل كَفَرْخ الحُبَاري ريشهُ قد تَمَزَّعا وما كان وَقّافا إذا الْخَيْل أحْجَمت ولا طالباً من خَشْية اْلمَوِت مَفْزَعا ولا بكهامٍ سَيْفُه عَن عدوّه إذا هو لاقَى حاسراً أو مُقَنَّعا أبى الصَّبرً آياتٌ أراها وأنّني أرى كُلَّ حَبْل بعد حَبْلِك أقْطَعَا وأنّي متى ما أدْعُ باسمك لم تُجب وكُنت حَرِيًّا أن تُجيب وتسمعا تَحِيَّتَه منّي وإن كان نائيَاً وأمسى تُراباً فوِقهَ الأرضُ بَلْقَعا فإن تَكُنِ الأيّام فَرقْن بَيْننا فقَد بان مَحْموداً أخِي حِين وَدَّعا فَعِشْنا بِخيْر في الحَياة وقَبْلَنا أصاب المَنايا رَهْطَ كِسْرَى وتُبَّعا وكُنَا كَنَدْمَاًني جَدِيمة حِقْبَةً من الدَهر حتى قِيل لن يَتَصَدًعا فلمّا تَفَرَّقْنا كأنِّي ومالِكا لِطُول اجتماع لم نَبِت ليلةً معا سَقى الله أرضاً حَلَّها قَبْرُ مالك ذِهابُ الغَوَادي المُدْجنات فأمْرَعا قيل لعمرو بن بَحْر الجاحظ: إنّ الأصمعيّ كان يُسَمِّي هذا الشعرَ أمَّ المَراثي فقال: لم يَسمع الأصمعيًّ: أي القلوب عليكم ليس يَنْصَدعُ وأي نَوْم عليكم ليس يَمْتَنعً وقال الأصمعيُّ: لم يَبْتدى أحدٌ مَرْثِية بأحسنَ من ابتداء أوس بن حَجَر: أيتُها النَّفْسً أجملِي جَزَعا إِنّ الذي تَحْذرين قد وَقَعا وبعدها قولُ زُمَيل: أجارتَنَا مَن يجتمع يَتَفَرَّقِ ومَن يَكُ رَهْنَاً للحوادث يَعْلَقِ قال ابن إسحاق صاحبُ المغازي: لما نزل رسول الله الصَّفْراء - وقال ابن هشام: الأثيل - أمَر عليَّ بن أبي طالب بضَرْب عُنق النضر بن الحارث بن كَلَدَة بن عَلْقمة بن عبد مَناف صَبْراً بين يدي رسول الله فقالت أُخته قُتَيْلة بنت الحارث تَرْثيه: يا راكباً إنّ الأثَيل مَظَّنَة من صُبْح خامسةٍ وأنت مُوَفَّقُ أبْلغْ بها مَيْتاً بأنْ تَحيَّةً ما إن تَزال بها النَّجائِبُ تَخْفِقً هل يَسْمَعنِّي النَضْر إن ناديتُه أم كيف يَسْمع مَيِّتٌ لا يَنْطِق أمحمدٌ يا خير ضِنْء كريمةٍ في قومها والفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِق ما كان ضَرَّك لو مَنَنْتَ وربما مَنَّ الفتى وهو المَغِيظُ المُحْنِق فالنَّضر أَقْرَبُ مَنْ أسَرْتَ قَرَابَةً وأحقُّهم إن كان عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلَّت سُيوف بني أبيه تَنْوشه لله أرحام هُناك تشقَّق صَبْراً يًقَاد إلى المنيَّة مُتْعَباً رَسْفَ المُقَيد وهو فانِ مُوثَق قال ابن هشام: قال النبي الصلاُة والسلام لما بلغه هذا الشًّعر: لو بلغني قبلَ قَتْله ما قتلتُه. الأصمعيًّ قال: نَظر عمرُ بن الخَطاب إلى الخَنساء وبها نًدوب في وَجْهها فقال: ما هذه النُدوب يا خَنْساء قالت: من طُول البُكاء على أخَوَيّ قال لها: أخَواك في النار قالت: ذلك أطْول لِحُزني عليهما إني كنتُ أشْفِق عليهما من النار وأنا اليوم أبْكي لهما من النار وأنشدتْ: وقائلةٍ والنَّعشُ قد فات خَطْوَها لِتًدْرِكه: يا لَهْفَ نفسي عَلَى صَخْرِ ألا ثَكِلت أُمُ الذين غَدَوْا به إلى القَبرِ ماذا يَحْمِلون إلى القَبر دخلت خَنساء على عائشة أمّ المؤمنين رضي اللهّ تعالى عنها وعليها صِدَار من شَعَر قد استشعرته إلى جِلْدِها فقالت لها: ما هذا يا خَنساء فوالله لقد تُوفي رسول الله فما لَبِسْتُه قالت: إنّ له مَعْنى دَعاني إلى لِباسه وذلك أنّ أبي زَوَجني سيّد قومه وكان رجلاً مِتْلافاً فأسْرف في ماله حتى أنْفده ثم رَجِع في مالي فأنْفده أيضاً ثم التفت إليّ فقال: إلى أين يا خَنْساء قلتُ: إلى أخي صَخر. قالتَ: فأتيناه فَقَسَّم مالَه شَطْرَين ثم خَيَّرنا في أحْسن الشَّطْرين فَرَجْعنا من عنده فلم يَزَل زَوْجي حتى أذْهَبَ جَمِيعَه. ثم التفت إليّ فقال لي: إلى أينِ يا خَنْساء قلت: إلى أخي صَخْر. قالت: فَرَحَلْنا إليه ثمٍ قَسَّم ماله شَطْرين وخيَّرنا في أفضل الشَّطْرين. فقالت له زوجتُه: أما تَرْضى أن تشَاطِرهَم مالك حتى تُخَيِّرهم بين الشَطرين فقال: والله لا أمْنَحها شِرَارَها فلو هَلَكْت قَدَّدَتْ خِمَارَها واتخذَتْ من شَعَر صِدَارَها " وهي حَصَان قد كَفتْني عارها " فآليت أن لا يُفارق الصِّدارُ جَسَدي ما بَقِيت. قيل للخَنْساء: صِفِي لنا أخَوَيك صَخْراً ومُعاوية قالت: كان صَخْرٌ والله جُنةَ الزمان الأَغْبر وزُعافَ الخَميس الأحمر وكان والله مُعاوية القائلَ والفاعل. قيل لها: فأيهما كان أسْنَى وأفْخَر قالت: أمّا صَخْر فَحَرُّ الشِّتاءِ وأما مُعاوية فَبَرْد الهواء. قيل لها: فأيهما أوْجع وأفْجَع قالت: أسَدان مُحْمَرَّا المَخالب نَجْدَةً بَحْران في الزَمن الغَضُوب الأمْمرٍ قمرَان في النَّادِي رَفِيعا مَحْتدٍ في المَجْدِ فَرْعا سُودَدٍ مُتَخَير وقالت الْخنساء تَرْثِي أخاها " صَخْر بن الشرِيد ": قَذىً بعَيْنِك أمْ بالْعَينْ عُوَّارُ أم أقْفَرت إذ خَلَتْ من أهْلها الدًارُ كأنَّ عَيْني لذِكْراه إذا خًطَرتْ فَيْضٌ يَسِيلُ على الخَدَّين مِدْرار فالعَينْ تَبكِي على صَخْر وحُق لها ودُونه من جَديد الأرض أسْتار بُكاءَ والهةٍ ضَلَّت أليفَتها لها حَنينان إصْغار وإكبار ترعى إذا نسيت حتى إذا ذكرت فإنما هي إقبالٌ وإدبار وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علمٌ في رأسه نار حامي الحقيقة محمود الخليقة مه ديُّ الطريقة نفاع ضرار وقالت أيضاً: ألا ما لعيني ألا مالها لقد أخضل الدمع سربالها أمن بعد صخرٍ من آل الشريد حلت به الأرض أثقالها سأحمل نفسي على خطة فإما عليها وإما لها وقالت أيضاً: أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى ألا تبكيان الجريء الجواد ألا تبكيان الفتى السيدا طويال النجاد رفيع العما د ساد عشيرته أمردا يحمله القوم ما غالهم وإن كان أصغرهم مولدا جموع الضيوف إلى بابه يرى أفضل الكسب أن يحمدا وقالت أيضاً: فما أدركت كف امرئ متناولاً من المجد إلا والذي نلت أطول وما بلغ المهدون للمدح غاية ولول جهدوا إلا الذي فيك إفضل وما ألغيث في جعد الثرى دمث الربى تعبق فيها الوابل المتهلل بأفضل سيباً من يديك ونعمةً تجود بها بل سيب كفيك أجزل من القوم مغشي الرواق كأنه إذا سيم ضيماً خادرٌ متبسل أيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يريد العز إلا من التقى ولا المال إلا من قناً وسيوف ولا الذخر إلا كل جرداء صلدمٍ وكل رقيق الشفرتين حليف فقدناه فقدان الربيع فليتنا فديناه من سادتنا بألوف خفيفٌ على ظهر الجواد إذا عدا وليس على أعدائه بخفيف عليك سلام الله وقفاً فإنني أرى الموت وقاعاً بكل شريف وقال آخر يرثي أخاه: أخٌ طالما سرني ذكره فقد صرت أشجى إلى ذكره وقد كنت أغدو إلى قصره فقد صرت أغدو إلى قبره وكنت أراني غنيا به عن الناس لو مد في عمره وكنت إذا جئته زائراً فأمري يجوز على أمره وقالت الخنساء ترثى أخاها صخراً: بكت عيني وعاودها قذاها بعوار فما تقضي كراها لئن جزعت بنو عمرو عليه لقد رزئت بنو عمرو فتاها له كف يشد بها وكفٌ تجود فيما يجف ثرى نداها ترى الشم الغطارف من سليم وقد بلت مدامعها لجاها أحامِيَكم ومُطْعِمَكم تركتُم لَدَى غَبْرَاءَ مُنْهَدم رَجاها فَمن للضَّيْف إِن هَبَّت شَمَالٌ مُزَعْزعة تُنَاوِحها صَبَاها وأَلْجأ برْدُها الأشْوالَ حُدْباً إلى الحُجُرات بادِيةً كُلاها هنالك لو نَزلْت بباب صَخْرِ قَرَى الأضيافَ شَحْماً من ذُرَاها وخَيْل قد دَلَفْتَ لها بِخَيْل فَدَارَتْ بين كَبْشَيْها رَحاها تُكَفْكِفُ فَضْلَ سابِغَة دِلاصٍ على خَيْفانةٍ خَفِقٌ حَشاها " وقال كعب يرثي أخاه أبا المِغْوار: تقول سُلَيْمى ما لِجِسْمك شاحباً كأنَّك يَحْمِيكَ الطَّعامَ طَبِيبُ فقُلتُ شجُون من خُطُوبٍ تَتابعت عليّ كِبَارٌ والزَّمانُ يَريب أخٌ كان يَكْفِيني وِكان يُعِيننِيِ على نائباتِ الدَّهْرِ حين تَنوب هو العَسَل الماذيُّ لِيناً وشِيمةً وليثٌ إذا لاقى الرجالَ قَطُوب هَوَتْ أُمُّه ما يَبْعَثُ الصُّبحُ غادِياً وماذا يَرُدّ الليلُ حين يؤوب كعالِية الرُّمْح الرُّدَيْنيّ لم يَكًن إذا ابتدر الخيلَ الرجالُ يَخيب وَدَاعٍ دَعَا يا مَن يُجيب إلى النَّدا فلم يَسْتَجبه عند ذاك مُجِيَب فقلت ادعُ أخرى وارفَع الصوت ثانيا لعلّ أبي المغْوَار منْك قَرِيب يُجبْك كما قد كان يَفْعَل إنّه بأمْثالها رَحْبُ الذّراع أريب وحًدّثتُماني أنّما المَوْتُ بالقُرى فكيفَ وهاتي هَضْبة وكئِيبُ فلو كانت المَوْتى تُباع اشتريتُه بما لم تَكُن عنه النُّفوس تَطيب بِعَيْني أو يمنى يَدَيّ وخِلْتُني أنا الغانمُ الجَذْلانُ حين يؤوب لقد أفسد الموتُ الحياةَ وقد أتى على يَوْمِهِ عِلْقٌ إليّ حَبيب أتى دون حُلْو العَيْش حتى أمَرَّه قُطُوبٌ على آثارهن نُكًوب أَلا يا عَين جُودي لي شَنينَا وبَكِّي للملوك الذَّاهبينا مُلُوك مِن بني صَخر بن عمرو يُقَادُون العَشِيَّة يقْتَلونا فلم تُغْسَل رُؤوسُهم بِسِدْر ولَكنْ في الدِّمَاءِ مُزَمَّلينا فَلَو في يَوْم مَعْرَكة أصِيبُوا ولكنْ في ديَار بَني مَرِينا وقال الأبَيْرد بن المُعذَّر الرياحي يَرْثي أخاه بُرَيداً: " تَطَاوَل لَيلي ولم أنمهُ تَقَلّباً كأنَّ فِرَاشي حالَ من دونه الجَمْرُ أراقب من ليل التِّمام نُجومَه لَدُن غاب قَرْنُ الشمس حَتَّى بدا الفجر تَذَكَّرَ عِلْق بَانَ منّا بنَصرِه ونائله يا حَبَّذا ذلك الذِّكْر فإن تَكُن الأيّام فَرَّقْن بَينَنا فقد عَذَرَتْنا في صَحابته العُذْر وكنتُ أرى هَجْراً فِراقك ساعةً ألا لا بَلِ الموتُ التفرُّق والهَجْرُ أحَقًّا عبادَ الله أَنْ لستُ لاقيا بُرَيْداً طَوَالَ الدَّهْرِ ما لألأ العُفْر فَتًى ليس كالفِتْيان إلاّ خِيارَهم مِن القَوْم جَزْلٌ لا ذَليلٌ ولا غُمْر فَليتَك كُنت الحيَّ في الناس باقياً وكنتُ أنا المَيْتَ الذي ضَمَّه القَبْر قتًى يَشتَري حُسْن الثَّناء بماله إذا السَّنَةُ الشَّهْباء قَلَّ بها القَطْر كأنْ لم يُصَاحِبْها بُرَيد بِغبْطةٍ ولم تَأْتنا يَوْماً بأَخْباره البُشْر لَعَمْري لَنِعْم المرءُ عالىَ نَعِيَّهُ لَنا ابنْ عَرِيْنٍ بعد ما جَنَح العَصْر تَمَضَّتْ به الأخْبار حتى تَغَلْغَلت ولم تَثْنِه الأطْباعُ عَنّا ولا الجُدْر فلمّا نَعى النّاعي بُرَيْداً تَغَوَّلَت بي الأرْض فَرْطَ الحُزْن وانْقَطَع الظَّهر عَساكِرُ تَغْشَى النَّفْس حتى كأنني أَخو نَشْوَةٍ ارت بهامَته الخَمْر إلى الله أشكُو في بُرَيْدٍ مُصِيبتي وبَثِّي وأحْزاناً يَجيش بها الصّدر وقد كُنتُ أَستَعفي الإله إذا اشتكى من ألأجر لي فيه وإِن سَرَّني الأجر وما زال في عَيْنَيّ بَعدُ غِشاوةٌ وسَمْعيَ عما كنتُ أَسْمعه وَقْر عَلى أنَّني أقنَى الحياءَ وأتَّقي شماتة أقوام عُيونُهم خُزْر فحيَّاكَ عَنّي اليلُ والصبحُ إذ بدا وهُوجٌ من الأرْواح غُدْوَتُها شَهْر ومُجْتَمع الحُجّاج حيث تَوَاقفَت رِفاقٌ من الآفاق تَكْبيرها جَأر " يَمينَ امريءٍ آلى وليسَ بكاذبٍ وما في يَمين بتَّها صادقٌ وِزْرُ لَئن كان أَمْسَى ابنُ المُعَذَّر قد ثَوَى بُرَيْدٌ لِنعْم المَرْء غَيَّبَه القَبْر هو المَرْء للمَعْرُوف والدِّين والنَّدَى ومِسْعَر حَرْب لا كَهَامٌ ولا غُمْر أَقام ونادَى أهلُه فَتَحَمَّلوا وصُرِّمَتِ الأسْباب واختَلفت النَّجْر فأيّ امريء غادرتُم في بُيوتكم إذا هي أَمْسَتْ لونُ آفاقِها حُمْر إذا الشَّول أَمْسَتْ وهي حُدْبٌ ظُهورها عِجَافا ولم يُسْمَع لِفَحْل لها هَدْر كَثِير رَماد النَّار يُغْشَى فِنَاؤه إذا نُودي الأيْسار واحْتُضِر الجُزْر فَتًى كان يُغلي اللحمَ نِيئاً ولحمُه رَخِيصٌ بكَفّيه إذا تَنْزِل القِدْر يُقَسِّمه حتى يَشِيع ولم يَكُن كآخَر يُضْحى من غيبته ذُخْر فَتى الحيِّ والأضياف إنْ رَوَّحَتْهم بَلِيلٌ وزادُ القَوم إن أَرْمَل السَّفْر إذا جَهَد القومُ المَطِيَّ وأَدْرَجَتْ من الضُّمْر حتى يَبْلغ الحقَبَ الضَّفْر وإن خَشَعتْ أبصارهم وتَضَاءَلت من الأيْن جلى مثلَ ما يَنْظُر الصَقْر وإنْ جارةٌ حَلَت إليه وَفي لها فباتت ولم يُهْتك لجارته سِتر عَفِيفٌ عن السوآت ما التَبَسَت به صليبٌ فما يُلفي بِعُودٍ له كَسْر سَلَكْت سبيلَ العاَلمين فما لَهم وراءَ الذي لاقَيْت مَعْدًى ولا قَصر وكلًّ امرىء يوِماً مُلاَقٍ حِمَامه وإن دَانت الدُّنْيا وطال به العُمْر فأبليت خيراً في الحياة وإنما ثوابُك عِنْدي اليومَ أن يَنْطِق الشَّعر لِيَفْدِك مَوْلًى أو أخٌ ذو ذِمامَةٍ قليل الغناء لا عطاءٌ ولا نصرْ لِشبْل بن مَعْبَد البَجَلى: أتى دون حُلْوِ العَيْش حتى أمرَّه نُكُوبٌ على آثارهنّ نكُوبُ تَتَابَعْنَ في الأحْبَاب حتى أبَدْنَهم فلم يَبْقَ فيهمْ في الدِّيار قَريبُ بَرَتني صُروف الدَّهْرِ من كلّ جانب كما يَنبري دون اللحَاء عَسِيب فأصبحتُ إلا رحمةَ الله مُفْرَدًاً لَدَى الناس طُرًّا والفُؤاد كَئِيب فقلتْ لأصْحابي وقد قَذَفَتْ بنا نَوَى غُربةٍ عمن نُحِب شَطُوب مَتَى العهدُ بالأهْل الذين تَرَكْتُهم لهم في فُؤادي بِالعِرَاق نَصِيب فَما تَرَك الطاعونُ من ذِي قَرابة إليه إذا حانَ الإيابُ نَؤُوب فقد أصبحوا لا دارهمِ منك غرْبَةٌ بعد ولاهُمْ في الحياة قَريب وكُنْتَ تُرَجَّى أنْ تؤُوب إليهمُ فغالَتْهمُ من دون ذاك شَعُوب مَقادِير لا يُغْفِلن مَن حان يَوْمُه لهنّ على كلِّ النُّفوس رَقيب سَقَينْ بكَأس المَوْت مَن حان حَيْنُه وفي الحَيِّ مِن أنفاسِهنَّ ذَنًوب وإنَّا وإيّاهمْ كَوَارِد مَنْهَلٍ على حَوْضِه بالتَّاليات يُهِيب إِلَيه تَنَاهِينا ولو كان دُونه مياهٌ رَوَاء كلّهن شرُوب فهوَّن عني بَعْضَ وَجْدِيَ أنَّني رأيْتُ المَنايا تَغْتَدِي وَتَؤُوب ولَسْنا بأحْيَا مِنْهُم غيرَ أننا إلى أجَلٍ نُدْعَى له فَنجِيب وِإني إذا ما شِئْت لاقيتُ أسْوَةً تَكاد لها نَفْس الحَزِين تَطِيب دُمُوع مَرَاها الشجْوُ حتى كأنها جَدَاوِلُ تَجْري بَيْنَهن غروب إذا ما أردْتُ الصبرَ هاج لِيَ البُكا فُؤادٌ إلى أهل القًبُور طَرُوب بكَى شَجْوه ثم ارْعَوى بعد عَوْله كما واتَرَتْ بين الحنين سَلُوب دَعَاها الهَوَى من سَقْبها فَهِيَ والِهٌ ورُدّت إلى الألاَّفِ فَهي تَحُوب فَوَجْدِي بأهلِي وَجْدُها غيرَ أنهم شَبَابٌ يَزِينون النَّدى ومَشِيب من رثت زوجها قالت أسماء بنتُ أبي بكر ذاتُ النِّطاقين " رضي الله عنها " تَرْثي زَوْجَها الزُّبير بن العَوَّام وكان قَتله عَمْرو بن جُرْمُوز المُجاشِعيّ بوادي السِّباع وهو مًنْصَرف من وَقْعة الجَمَل. " وتروى هذه الأبيات لزوجته عاتكة التي تَزوّجها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ": غَدَر ابن جُرْمُوز فارس بهُمِةٍ يَومَ الهِيَاِج وكان غَيْر َمُعَرِّد يا عَمْرُو لو نَبَّهْتَه لوَجَدَتْه لا طائشاَ رَعِشَ الجَنَانِ ولا اليَد ثَكِلْتك أمًّك إن قَتَلْت لمُسْلِماً حَلَّت عليك عُقوبة المُتَعَمِّد الهلاليّ قال: تَزَوّج محمد بن هارون الرشيد لُبانة بنت علي بن رَيْطة وكانت من أجمل النّساء فقُتل محمد عنها ولم يَبْنِ بها فقالت تَرْثيه: أبْكِيكَ لا لِلنعِيم والأنُسٍ بل للمَعَالي والرُّمْح والفَرَس يا فارساً بالعَرَاء مطَّرَحاً خانَتْه قواده مَع الحرس أَبْكِي على سَيِّدٍ فجِعْتُ به أرْمَلَني قَبْل ليلة العُرُس أمْ مَن لِبِرِّ أمْ مَن لعائدة أم مَن لِذكْر الإله في الغَلَس وقالت أعرابيّة تَرْثي زَوْجَها: كُنَا كغُصنَين في جُرْثومةٍ بَسَقَا حِيناً على خير ما يَنْمِي به الشَّجَر حَتّى إذا قِيلَ قد طالت فُرُوعُهما وطابَ قِنْواهُما واسْتُنْظِر الثَّمر أخْنَى على واحد رَيْبُ الزَمان وما يُبْقِي الزمانُ على شيء ولا يَذَر كُنِّا كأنْجمُ ليلٍ بينها قَمَر يَجْلو الدُجَى فَهَوَى مِن بَينها القَمر الأصْمعيّ قال: دخلتُ بعضَ مَقابر الأعراب ومعي صاحبٌ لي فإذا جاريةٌ على قبر كأنها تِمثال وعليها من الحَلْى والحُلَل ما لم أر مِثْلَه وهي تَبْكي بعين غَزيرة وصوت شَجيّ. فالتفتُّ إلى صاحبي.


العقد الفريد - الجزء الثاني لابن عبد ربه
العقد الفريد/الجزء الثاني/1 | العقد الفريد/الجزء الثاني/2 | العقد الفريد/الجزء الثاني/3 | العقد الفريد/الجزء الثاني/4 | العقد الفريد/الجزء الثاني/5 | العقد الفريد/الجزء الثاني/6 | العقد الفريد/الجزء الثاني/7 | العقد الفريد/الجزء الثاني/8 | العقد الفريد/الجزء الثاني/9 | العقد الفريد/الجزء الثاني/10 | العقد الفريد/الجزء الثاني/11 | العقد الفريد/الجزء الثاني/12 | العقد الفريد/الجزء الثاني/13 | العقد الفريد/الجزء الثاني/14 | العقد الفريد/الجزء الثاني/15 | العقد الفريد/الجزء الثاني/16 | العقد الفريد/الجزء الثاني/17 | العقد الفريد/الجزء الثاني/18 | العقد الفريد/الجزء الثاني/19 | العقد الفريد/الجزء الثاني/20 | العقد الفريد/الجزء الثاني/21 | العقد الفريد/الجزء الثاني/22 | العقد الفريد/الجزء الثاني/23 | العقد الفريد/الجزء الثاني/24 | العقد الفريد/الجزء الثاني/25 | العقد الفريد/الجزء الثاني/26 | العقد الفريد/الجزء الثاني/27 | العقد الفريد/الجزء الثاني/28 | العقد الفريد/الجزء الثاني/29 | العقد الفريد/الجزء الثاني/30 | العقد الفريد/الجزء الثاني/31