انتقل إلى المحتوى

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الحدود/باب حد الشرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



باب حد الشرب


شرب الخمر كبيرة وعليه أهل العلم .

من شرب مسكراً مكلفاً مختاراً وقد تقدم دليله جلد على ما يراه الإمام إما أربعين جلدة أو أقل أو أكثر ولو بالنعال لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي () جلد في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين وفي مسلم من حديثه أن النبي () أتي برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين . قال : وفعله أبو بكر . فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر وفي البخاري وغيره من حديث عقبة بن الحرث قال : جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شارباً فأمر رسول الله () من كان في البيت أن يضربوه ، فكنت فيمن ضربه بالنعال والجريد وفيه أيضاً من حديث السائب بن يزيد قال : كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله () وفي أمرة أبي بكر وصدراً من أمرة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدراً من إمرة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين وفيه أيضاً من حديث أبي هريرة نحوه . وفي الباب أحاديث يستفاد مجموعها أن حد السكر لم يثبت تقديره عن الشارع ، وأنه كان يقام بين يديه على صورة مختلفة بحسب ما يقتضيه الحال . فالحق أن جلد الشرب غير مقدر بل الذي يجب فعله هو إما الضرب باليد ، أو العصا ، أو النعل ، أو الثوب على مقدار يراه الإمام من قليل أو كثير فيكون على هذا من جملة أنواع التعزير . وفي الصحيحين عن علي أنه قال : ما كنت لأقيم حداً على أحد فيموت وأجد في نفسي شيئاً إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله () لم يسنه قلت : وعليه أهل العلم إلا أن الشافعي يقول : أصل حد الخمر أربعون، وما زاده عمر على الأربعين ، كان تعزيراً لما روي أن النبي () أتي بشارب فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين فضرب أربعين حياته ثم عمر حتى تتابع الناس فاستشار عمر فضرب ثمانين ثم قال علي : حين أقام الحد على وليد بن عقبة لما بلغ أربعين . حسبك جلد النبي () أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة ، وهذا أحب إلى قال في الحجة البالغة : ثم قال أي النبي () بكتوه فأقبلوا عليه يقولون ما اتقيت الله ما خشيت الله ما استحييت من رسول الله وروي أنه () أخذ تراباً من الأرض فرمى به وجهه انتهى . وروى مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر فقال : بلغني أن عليه نصف الحد في الحر وأن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر . ولا يجوز للإمام أن يعفو عن حد . قال سعيد بن المسيب : ما من شئ إلا يحب الله أن يعفو عنه ما لم يكن حداً . قلت : وعليه أهل العلم .

ويكفي إقراره مرة أو شهادة عدلين لمثل ما تقدم ولعدم وجود دليل يدل على اعتبار التكرار .

ولو على القيء لكون خروجها من جوفه يفيد القطع بأنه شربها والأصل عدم المسقط ، ولهذا حد الصحابة الوليد بن عقبة لما شهد عليه رجلان أحدهما أنه شربها والآخر أنه تقيأها فقال عثمان : أنه لم يتقيأها حتى شربها كما في مسلم وغيره .

وقتله في الرابعة منسوخ لما رواه الترمذي والنسائي عن جابر عن النبي () إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ثم أتي النبي () بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله ومثله أخرج أبو داود والترمذي من حديث قبيصة بن ذؤيب وفيه ثم أتي به يعني في الرابعة فجلده ورفع القتل وفي رواية لأحمد من حديث أبي هريرة فأتي رسول الله () بسكران في الرابعة فخلى سبيله . أقول : قد وردت الأحاديث بالقتل في الثالثة في بعض الروايات وفي الرابعة في بعض وفي الخامسة في بعض ، وورد ما يدل على النسخ من فعله () ، وأنه رفع القتل عن الشارب ، وأجمع على ذلك جيمع أهل العلم ، وخالف فيه بعض أهل الظاهر

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الحدود
باب حد الزاني | باب السرقة | باب حد القذف | باب حد الشرب | بيان أن المعاصي التي لا توجب حداً يجب فيها التعزيز | باب حد المحارب | باب من يستحق القتل حداً