الخصائص/باب في حمل الشيء على الشيء من غير الوجه الذي أعطى الأول ذلك الحكم
اعلم أن هذا باب طريقه الشبه اللفظي وذلك كقولنا في الإضافة إلى ما فيه التأنيث بالواو وذلك نحو حمراوي وصفراوي وعشراوي. وإنما قلبت الهمزة فيه ولم تقر بحالها لئلا تقع علامة التأنيث حشواً. فمضى هذا على هذا لا يختلف.
ثم إنهم قالوا في الإضافة إلى عِلباء: علباوي وإلى حِرباء: حرباوي فأبدلوا هذه الهمزة وإن لم تكن للتأنيث لكنها لما شابهت همزة حمراء وبابها بالزيادة حملوا عليها همزة علباء. ونحن نعلم أن همزة حمراء لم تقلب في حمراوي لكونها زائدة فتشبه بها همزة علباء من حيث كانت زائدة مثلها لكن لما اتفقتا في الزيادة حملت همزة علباء على همزة حمراء. ثم إنهم تجاوزوا هذا إلى أن قالوا في كساء وقضاء: كساوي وقضاوي فأبدلوا الهمزة واواً حملاً لها على همزة علباء من حيث كانت همزة كساء وقضاء مبدلة من حرف ليس للتأنيث فهذه علة غير الأولى ألا تراك لم تبدل همزة علباء واواً في علباوي لأنها ليست للتأنيث فتحمل عليها همزة كساء وقضاء من حيث كانتا لغير التأنيث.
ثم إنهم قالوا من بعد في قراء: قراوي فشبهوا همزة قراء بهمزة كساء من حيث كانتا أصلاً غير زائدة كما أن همزة كساء غير زائدة. وأنت لم تكن أبدلت همزة كساء في كساوي من حيث كانت غير زائدة لكن هذه أشباه لفظية يحمل أحدها على ما قبله تشبثاً به وتصوراً له. وإليه وإلى نحوه أومأ سيبويه بقوله: وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً.
وعلى ذلك قالوا: صحراوات فأبدلوا الهمزة واواً لئلا يجمعوا بين علمي تأنيث ثم حملوا التثنية عليه من حيث كان هذا الجمع على طريق التثنية ثم قالوا: علباوان حملاً بالزيادة على حمراوان ثم قالوا: كساوان تشبيهاً له بعلباوان ثم قالوا: قُرّاوان حملاً له على كساوان على ما تقدم.
وسبب هذه الحمول والإضافات والإلحاقات كثرة هذه اللغة وسعتها وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها والتركح في أثنائها لما يلابسونه ويكثرون استعماله من الكلام المنثور والشعر الموزون والخطب والسجوع ولقوة إحساسهم في كل شيء شيئاً وتخيلهم ما لا يكاد يشعر به من لم يألف مذاهبهم. وعلى هذا ما منع الصرف من الأسماء للشبه اللفظي نحو أحمر وأصفر وأصرم وأحمد وتألب وتنضب علمين لما في ذلك من شبه لفظ الفعل فحذفوا التنوين من الاسم لمشابهته ما لا حصة له في التنوين وهو الفعل. والشبه اللفظي كثير. وهذا كاف.