التيجان في ملوك حمير/حديث هلاك عاد
حديث هلاك عاد
قال معاوية ― فحدثني يا عبيد عن هلاك عاد وكيف كان هلاكهم ― قال عبيد يا معاوية إنه كان عاد بن عوص بن سام بن نوح - وهو الذي أحدث له عشرة من الولد وهم شداد وهو أول من ملك منهم وطال ملكه وهو الذي عمل أرم ذات العماد والخلود وهم رهط النبي هود صلى الله عليه وسلم وتيم بن عاد وبر وبهار والعنود والحقود والصور وهم رهط أبي سعيد المؤمن وصدوهم رهط لقمان بن عاد صاحب النسور ووفد وثمود ومتاب وهم رهط صاحب السحابات وأس وفد غار١ ورمل - وكانت عاد عشر قبائل وكانوا عرباً وكانت مساكنهم الأحقاف - وهي الرمال ما بين حضر موت وبحر عدن - وذلك قول الله تعالى ﴿وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ﴾ وكانوا قد كثروا وانتشروا في البلاد من ارض اليمن كلها وما قاربها من البلاد وقسوا في البلاد وكان الله قد أعطاهم بسطة في الجسم وقوة في الأبدان وسعة في الأرزاق ومهلاً في الأعمار لم يعطه أحداً من الخلق من بعد قوم نوح وذلك قول الله عز وجل ﴿وَزَادَكُمۡ فِی ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةࣰۖ﴾ وقال سبحانه ﴿أَمَدَّكُم بِأَنۡعَـٰمࣲ وَبَنِينَ وَجَنَّـٰتࣲ وَعُيُونٍ﴾ فكفروا ربهم وطغوا بما فضلوا به على غيرهم فافسدوا في الأرض وعتوا عتواً كبيراً واغتروا بجهلهم وقالوا لنبيهم هود ― أن هذا إلا خلق الأولين ظن وقال الله عز وجل ﴿فَأَمَّا عَادٌ﴾ ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾الآية ― فلما كثر عتوهم وكفرهم وظهرت فيهم المعاصي بعث الله نبيه هودا صلى الله عليه حجة عليهم لينذرهم وابعثه إليهم وكان من أوسطهم بيتاً وأكرمهم حسباً وأعزهم رهطاً ليمنع من سفاهتهم حتى يبلغ رسالات الله وقد سمعت ابن عمك عبد الله ابن عباس يقول إن الله لم يبعث نبياً قط إلى قومه إلا من أوسطهم بيتاً وأعزهم ليمتنع من سفاهتهم حتى يبلغ رسالات الله قال صدقت يا أخا جرهم فهل تعرف أحداً من شعر العرب ذكر هوداً في شعره وإن في كتاب الله لشفاء من العمى وبياناً من الجهلة ونحب أن نزداد فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول {إن من الشعر لحكمة} قال عبيد يا معاوية قال فيه حسان ابن ثابت الأنصاري حيث يقول
قال معاوية ― صدقت يا ابن شريه فحدثني حديثك عن عاد ― قال يا معاوية وكان لعام أصنام يعبدونها دون الله تسمى صداء وبغاء وصمود قال معاوية فهل قيل فيها شعر ― قال عبيد نعم ― قال أبو سعيد المؤمن وهو من بيت سعيد حيث قال
قال معاوية ― صدقت فخذ في حديثك عن عاد قال فبعث الله إليهم نبيه هوداً صلى الله عليه برسالاته وداعياً إلى عباداته فبلغهم الرسالة ونصح لهم ما استطاع فردوا نصيحته وطرحوا قوله وكرهوا ما جاءهم به وكان من قولهم ما ذكر الله في كتابه في غير آية ولا آيتين ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾} قد سمعت ابن عمك يقول ― أصابك بعض آلهتنا بجنون ― قال هود ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ الآية وسمعت ابن عمك يقول إني بريء من آلهتكم الذين تزعمون أنها أصابتني بسوء فأصيبوني بأعظم من ذلك أن أخببتم ― وقوله تعالى ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ ― يعني بكل نجد والربع هو النجد مما ينصبون من الحجارة في النجاد وهي للناس٢ سمعت ذلك من ابن عمك أيضا*
قال صدقت يا عبيد وجئت بالبرهان الواضح فحدثني عن هود ― قال نصح لهم هود بجهده وآتاهم بالحق من ربه فلم يزدادوا إلا طغيانا وكفرا وتماديا في معصيته ― وأسلم مع هود منهم نفر يسير لا يبلغون أربعين رجلا وأسلم رجل من أشرافهم وساداتهم وذوي أحسابهم يقال له أبو سعيد بن سعد بن عفير وكان يكتم إيمانه وهو رأس الوفود وصاحب البر والتقوى وودها وقد بلغني يا معاوية إنه كان سائرا ذات يوم إذ مر بجماعة منهم في نادي قومهم فدعاهم إلى الله ووعظهم فحمل عليه رجل من سفهائهم بحجر فأدمى كعبه فدعا عليهم هود عليه السلام أن يبتليهم الله بالقحط ويحبس القطر عنهم ثلاث سنين فاستجاب الله له فحبس عنهم المطر وابتلاهم بالقحط ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك ― قال معاوية لله أنت يا عبيد فهل قيل في ذلك شعرا ― قال عبيد ― نعم ― قال فاسمعني ذلك ― قال لما دخلت السنة الأولى عليهم علموا أنها سنة قحط وأزمة فسموها حجرة فقال في ذلك رجل من المسلمين - يقال له حماد هذا الشعر
فأجابه رجل من المشركين ― قال ― وما أسمه ― قال اسمه الخلجان ابن الوهم فأنشأ يقول
قال ― فلما دخلت الثانية سموها كحلا فقال رجل من المسلمين يقال له مبتدع شعرا يقول فيه
فأجابه رجل من المشركين يقال له جيحون
قال فلما دخلت السنة الثالثة سموها كلح ― فقال رجل من المسلمين هذا الشعر
فأجابه رجل من المشركين يقال له الخلجان أيضا
قال معاوية ― لقد جئت بالبرهان في حديثك يا عبيد فماذا فعلوا ― قال يا معاوية لما تولت عليهن سنون ب متها وحطمتها فاشتد فيها قحطهم وهم في ذلك غير تائبين ولا مطيعين لنبيهم هود صلى الله عليه ― ثم قام رجل من أشرافهم وذوي أنسابهم يقال له زميل بن عنز أخو القيل بن عنز وكان القيل رأس عاد وسيدها في زمانه وصاحب السحابات والريح التي أهلكت عادا بإذن الله عز وجل ― فقام زميل فنادى قومه ― فقال يا قوم إني فكرت لما نزل بكم من هذا القحط ورأيت رأيا وقلت فيه قولا وأنا عارض ذلك عليكم ― أن رأيتم ذلك ― فقالت له الجماعة ― إن رأيك لأصيل وإن فعلك لجميل فقل نسمع ما تقول فقام زميل فيهم منشدا هذا الشعر حيث يقول
قال ― فلما سمعوا مقالته أجمعوا على المسير إلى بيت الله الحرام يستسقون الغيث ― قال معاوية ― لله أنت يا عبيد وكيف كانوا يطمعون إن الله يستجيب لهم وهم مقيمون على الشرك بالله وعبادة الأصنام قال عبيد يا معاوية ― كان الناس في ذلك الزمان العرب وغيرهم من المشركين إذا نزل بهم فادحة أو نابهم نائبة أو جهدهم قحط أو غيره فزعوا إلى الله فيأتوا إلى البلد الحرام يطلبون من الله الفرج فيطيعون مسائلهم ويعرفون من الله الاستجابة عند بيته الحرام فيجتمع بمكة بشر كثير مختلفة أديانهم يطلبون من الله حوائجهم كلهم عارف بمكة وحرامها فلا يبرحون حتى يعطى السائل سؤاله مما سأل*
قال ― معاوية فهل كان في ذلك الوقت يعرف موضعه قال عبيد نعم يا معاوية قد كان موضعا منذ وضعه الله لآدم إلى أن بناه إبراهيم عليه السلام معروفا مكانه ولم مبينا يومئذ فلما أجمعت على المسير إلى مكة ليستسقوا جهزوا من عظمائهم وأشرافهم وذوي أحسابهم سبعين رجلا ثم وضعوا على السبعين أربعة منهم قيل بن عنز وهو رأسهم وصاحب أمرهم ولقمان بن عاد هو صاحب النسور وأبو سعيد مرثد ابن سعد وهو خير النفر وجلهمة بن الخيبري فساروا حتى أتوا مكة وسكانها يومئذ العماليق وهم يومئذ ملوك الحجاز وأرضها فنزلوا على رجل منهم يقال له بكر بن معاوية قد تزوج امرأة من عاد وهي أخت جلهمة بن الخيبري فولدت ابنه معاوية بن بكر وجميع ولده وكانت أخت لبكر بن معاوية وهي هزيلة ابنة هزال بن معاوية متزوجة في عاد وزوجها أبو سعيد المؤمن مرثد ابن سعد٨ فولدت عمرا وعامرا وعميرا أبناء مرثد بن سعد وهي وولدها التي نجت من العذاب يوم الريح وبنو أبي سعيد هؤلاء هم عاد الآخرة فلما قدم وفد عاد إلى الحرم نزلوا على صهرهم بكر بن معاوية وابنه معاوية وكان منزلهما بظهر مكة خارجا من الحرم ففرحا بالوفد وأكرماهم وأحسنا منزلتهم عند ابن أختهم معاوية ابن بكر وكان معاوية قد كبر وضعف وكانت الرئاسة لابنه بعده فأنزل أخواله وحبسهم عنده شهرا يأكلون الخبز واللحم ويشربون الخمر وتغنيهم قينتان يقال لهما الجرادتان ويقال إنه أول من اتخذ القينات في الأرض للغناء وكان أكثر العرب مالا في زمانه فأقبل وفد عاد في اللهو والشراب وتركوا ما جاءوا له فلما رأى ذلك معاوية بن بكر غمه ذلك وقال لئن تركت أخوالي وأصهاري إنها لهلكتكم وهلك من خلفوا من أهلهم وقومهم في بلادهم وهم أيضا ضيفي ووجوه قومي ― وأنا استحي أن آمرهم بالشخوص لما قاموا له ― فلما طال مقامهم ولم ينظروا في ما قدموا له قال شعرا ثم حفظه لجاريتيه وأمرهما إذا انتشى القوم وأخذ فيهم الشراب أن تقوما على رأس كبيرهم وشريفهم قيل بن عنز وغنياه فأضاف لهم الطعام والشراب فلما انتشوا قامت الجاريان على رأس قيل بن عنز وأنشأتا تقولان
قال ― فلما قالتا الشعر ووعته أسماعهم فزعوا لذلك وتركوا ما هم فيه من اللهو وحلو الحياة وقال بعضهم ― يا قوم إنما بعثكم قومكم لهذا البلاء الذي قد نزل بهم وقد أبطأتم فسرتم شهرا من بلدكم وأهلكم إلى ها هنا ولكم منذ شهر ها هنا فانطلقوا إلى بنية ربكم واطلبوا الغوث من ربكم لقومكم*
فقال أبو سعيد المؤمن يا قوم هلمكم لأمر أدعوكم إليه تذكرون به حاجتكم وتغيثون به قومكم ― قالوا وما ذاك ― قال تؤمنون بنبيكم هود عليه السلام وتؤمنون بربكم فذلكم خير لكم ― قال فكرهوا قوله وردوا النصيحة
قال معاوية ― فهل قيل في ذلك شعر ― قال عبيد نعم ― قال في ذلك أبو جلهمة قال فغضب من ذلك رجل من الوفد من قوم أبي سعيد فأجابه
قال معاوية ― فما فعل الوفد يا عبيد ― قال إن الوفد لما أرادوا المسير إلى الكعبة سألوا بكرا وابنه أن يحبسا أبا سعيد ففعلا وكلماه في ذلك فقال نعم ― ووقف عنهم هو ولقمان بن عاد ومضى سائر الوفد إلى البيت يتقدمهم قيل بن عنز وصف الوفد حوله ولاذ بالكعبة ودعا وتضرع فسمع مناديا ينادي من السماء يقول ― يا قيل بن عنز ما جئت تطلب فاسأل تعط ― فقال جئت أطلب القطر الذي ينبت الشجر ويكثر الثمر ويحيي به البشر ويصلح به قومي وبلادي قال فأنشأ الله ثلاث سحابات بيضاء وحمراء وسوداء ثم قيل له اختر أيها شئت ― قال أما البيضاء فجهام ليس فيها مطر ولا لغيثها روي ― وأما الحمراء فجهام غير أتى الذي١٠ ينفي السراء ويأتي بالضراء ولا حاجة لنا فيها وأما السوداء فكثيرة الماء والروي معقبة لرخاء مبلغة المنى غائطة الأعداء وقد اخترتها لقومي وبلادي – فناداه المنادي رمادا أرمد لا يبقى من عاد بن عوص أحدا لا والد ولا ولدا إلا القبيل الأبعد*
قال معاوية – لله أنت من يعني بقوله إلا القبيل إلا بعد ― قال من ولد عملوق بن لاوذ وهي أخت بكر بن معاوية - يعني هزيلة بنت هزيل العمليقة وهي أخت بكر بن معاوية وهي زوجة أبي سعيد المؤمن – وقد بلغني يا معاوية أن هزيلة كانت امرأة فاضلة في عقلها وأدبها وكانت محبة لهود عليه السلام وأصحابه وتلطف بهم وتوسع عليهم في مالها وكانت كثيرة المال وقد كان الإسلام وقع في قلبها وهي تكتم ذلك في قومها فنجاها الله من العذاب وولدها وانصرف وفد عاد إلى منزلهم عند بكر بن معاوية فرحين مسرورين أنهم قد أصابوا الغيث ولما رجعوا انطلق أبو سعيد المؤمن ولقمان إلى البيت العتيق فقدم أبو سعيد المؤمن إلى البيت فلاذ بالكعبة ودعا وتضرع وقال – رب إني جئتك في حاجتي فأعطني سؤالي – فسمع مناد من السماء يقول – يا أبا سعيد ابن مرثد ما جئت تطلب سل تعط ― قال جئت أطلب البر والتقوى فنودي – إلا قد أوتيتهما ولك بهما الفضل الكبير
قال معاوية – أقيل في ذلك شعرا ― قال عبيد – نعم يا معاوية قد قالت العرب في ذلك أشعارا فإن أحببت انشدتكها وإن شئت في آخر الحديث فإنه أصلح لحديثك قال معاوية سمعنيها في آخر الحديث فهو أحسن ― قال ثم تقدم لقمان ابن عاد فلاذ بالكعبة ودعا وتضرع وقال – اللهم إني لم آتك وافدا إلا لنفسي فأعطني سؤلي – فسمع مناديا من السماء يقول – يا لقمان بن عاد ما جئت تطلب وما تريد فاسأل تعط ― قال جئت أطلب العمر ― قال فنودي اختر عمر سبعة أنسر حين تنفلق عن الفرخ البيضة أحب إليك إلى أن تبقى كثيرا – فإذا هلك نسر أعقب نسر آخر أو تبقى سبع بقرات سمر من سنوات عفر في جبل وعر لا يمسها قطر١١ – فقال لقمان – بل عمر سبعة أنسر – فنودي أن قد أوتيت سؤلك ولا سبيل إلى الخلود – فانصرف لقمان وأبو سعيد إلى الوفد في منزل بكر وابنه وأقاموا معا حتى آتاهم هلاك عاد ― قال عبيد وكان هلاك عاد يا معاوية أن السحابة السوداء التي اختارها قيل بن عنز لقومه جعلها الله سبحانه ريحا عقيما عقوبة من الله وذلك قول الله عز وجل ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ قال سمعت ابن عباس يقول إنما عقمت من الرحمة ولقحت بالعذاب ― قال الله سبحانه ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ سمعت ابن عباس يقول عتت يومئذ على خزنتها خزنة الريح خرج منها مثل منخر الثور فيه أهلك الله عادا ― قال وسارت الريح يزجيها أمر الله وقدرته معها جنود الله وملائكته ملائكة العذاب يقودونها بازمه حتى انتهت إلى بلاد عاد فأتتهم من قبل واد يقال له مغيث كان يأتيهم من قبله الغيث فلما رأوه فرحوا واستبشروا وطمعوا أنها غيث من قبل الله ولم يعلموا أنها نكال عليهم وعقوبة ― قال الله تعالى ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ وقولهم لنبيهم هود عليه السلام ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ سمعت ابن عباس يفسر ذلك قال معاوية صدقت فماذا ― قال – قال كان أول ما تبين به إنها ريح عقوبة من الله لهم جارية يقال لها مهد١٢ فإنها لما رأتها صاحت ثم صرخت ثم غشي عليها فاجتمع إليها قومها فلما استفاقت قامت تنوح وهي تقول
ويقال يا معاوية أنها أول نائحة ناحت في الأرض فقال لها قومها ويحك ماذا ترين وماذا دهاك ― قالت ― الويل لعاد التي طغت في البلاد فأكثروا فيها الفساد ― أي رياحا كأمثال الجبال لها لجم بأيدي رجال كأن في وجوههم شهب النار والرجال الذين ذكرت ملائكة الله عز وجل مع الريح قال معاوية هل قيل فيه شعر ― قال عبيد ― نعم يا معاوية قد قال أمية بن أبي الصلت أو النابغة الذبياني في ذلك شعرا حيث يقول
قال معاوية ― خذ في حديثك ― قال فلما تبين لهم إنها ريح عقوبة من الله عليهم قاموا إلى صعيد واحد ووضعوا العيال والذراري ― قال ثم بنوا عليهم بالأبنية والمتاع كالردم العظيم فوقهم ليقيهم بزعمهم من الريح فاجتمع جميع أولي القوة والجلد والبأس وصفوا بينهم وبين الريح على فم الوادي وانتدب منهم رجال كالاطواد العظام وهم عمرو بن خلي والحارث بن أسد والمقدم بن سفر والخلجان بن الوهم وصيد بن سعيد وزميل بن عمرو وزمر بن أسود فبرزوا دون قومهم وقالوا نرد هذه الريح عنكم١٣*
قال معاوية ― فما كان من أمر هود عليه السلام ― قال عبيد ― أن هودا كان فيهم وكان يدعوهم إلى طاعة الله فلما رأى أن العذاب قد نزل بهم وعلم أن الله مهلكهم اعتزل عنهم في ثلاثين رجلا ممن أسلم معه وانطلقوا حتى وقفوا على حظيرة على تل قريب من الوادي يسمعون كلامهم وينتظرون ما الله فاعل بهم فلما انتهت الريح إلى عاد قام عمرو بن خلي أحد الجبابرة السبعة وهو رأسهم فبرز دون أصحابه يلقى الريح وأنشأ يقول
فسمع هود صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه المسلمون قوله فأجابه رجل منهم وأنشأ يقول
قال ثم عصف الريح بعمرو بنخلي فقام مقامه الحارث بن أسد وأنشأ يقول
فصرعته الريح ― قال ثم قام مقامه صيد بن سعيد وأنشأ يقول
فصرعته الريح فقام مقامه زمر بن أسود وأنشأ يقول
فصرعته الريح ثم قام بعده الخلجان بن الوهم وأنشأ يقول
ثم صرعته الريح مع أصحابه فهلكت الجبابرة السبعة بإذن الجبار*
ولقد بلغني يا معاوية أن أحدهم يلقى الجاري بيديه فلا يجري – ثم عصفت الريح على جماعة آل عاد فأهلكتهم بقدرة الله تعالى لم تدع منهم عينا تطرف لا صغيرا ولا كبيرا ثم طفقت الريح تقلب أجسامهم بين السماء والأرض في الجو مصعدين ومنحدرين سبع ليال وثمانية أيام حسوما حتى تركتهم كأنهم أعجاز نخل خاوية وذلك قول الله عز وجل {كأنهم أعجاز نخل خاوية} وهدمت البيوت وتركتهم كأنهم جذوع النخل اليابسة وخربت القصور والحيطان والبساتين أقلعتها من أصولها حتى كأنها لم تكن على وجه الأرض ولم تترك منهم أحد إلا هزيلة بنت هزال العملقية وبينها - وهي امرأة أبي سعيد المؤمن - فإن الله نجاهم من العذاب بإيمان أصحابهم وأمر الله سبحانه وتعالى الريح فحملتهم برفق وشفقة هي وولدها لم تؤذهم ولم تضرهم حتى أتت بهم مكة فألقتهم في منزل بكر بن معاوية الذي فيه وفد عاد وأصحابه قال فبينما القوم في لهوهم ولذتهم إذ أقبلت هزيلة ببنيها حتى هجمت على عمها الشيخ بكر بن معاوية في منزله فلما رآها فزع منها فزعا شديدا وقال ويحك ما دهاك وما وراءك ومن قدم معك من أصحابك فاستعبرت هزيلة باكية وقالت الخبر أفظع وأوجع واجزع من أن أصفه لك ― قال ويحك خبريني ما ذاك فقد أكثرت وجدي! قالت وأينوفد عاد ― قال هم أولاء في منزل ابني معاوية قالت ما فعلا ― قال فزعوا إلى بيت ربهم فأعطى السائل منهم سؤاله قالت كلا ورب الكعبة قد أعطوا الخزي الطويل والذل الذليل ― قال ثكلتك أمك يا هزيلة اخبريني ما ذاك قالت ما أنا مخبرتك بشيء حتى تحضر إلي جميع الوفد فأرسل إليهم بكر فأخبرهم بمكان هزيلة فأقبلوا يبتدرون فزعين مرعوبين فلما توافوا عندها قالوا لها ويحك أخبرينا من الذي جاء بك ومن جاء بصحبتك وما وراءك وكيف تركت قومك قالت بل أخبروني عن مسيركم وأمركم فأخروها قالوا سرنا شهرا وأقمنا شهرا عند عمك وابنه ثم فزعنا إلى البيت العتيق فأعطى السائل منا سؤاله وقد توجهت السحابة نحوكم بالغيث فما عندك من الخبر ― فقالت هزيلة ― إن الخبر أفظع وأشد وأوجع من أن اسمعكموه قيلا ولكني سأقول شعرا وأرويه الجرادة تسمعكموه فقالت هزيلة هذا الشعر
وقال المهيل بن ناعض المسلم رحمه الله تعالى رحمة واسعة
وقالت هزيلة بعد مصيرها إلى عمها حين نظرها تبكي على عاد وهي تقول
قال – فلما سمعوا قولها يا معاوية وعلموا ما انزل الله بقومهم من العذاب والعقوبة ورأى أبو سعيد مرثد بن سعد ما صنع الله له إذ نجى أهله وإذا هم غليه سالمين ازداد إيمانا ويقينا بالله وأظهر إسلامه عند ذلك وأنشأ يقول
وكان لأبي سعيد أخ يقال له جنحوي بن سعج - وكان كافرا غاشا متبعا لعاد ولم يكن رأيه رأي أخيه وكانت له امرأة من قومه يقال لها جفينة لها منه ابن يقال له عفير وابنة يقال لها عنجهور - فسال أبو سعيد امرأته عن أخيه وأهله فأخبرته بهلاكهم وكيف رأت الريح تفعل بهم فرق لهم عند ذلك وأنشأ يرثيهم وهو يقول
قال معاوية ― لله درك فقد جئت بالبرهان فما فعل أبو سعيد وما كان من هود وأصحابه ― قال عبيد ― يا معاوية تحمل أبو سعيد بأهله وولده حتى أتى هودا وأصحابه مؤمنا مسلما ووجدهم على ساحل البحر مما يلي أرض عاد فأقاموا جميعا يعبدون الله على أحسن حال ― ووهب الله لأبي سعيد المال والولد حتى كان أكثر العرب مالا وولدا في زمانه ذلك وبلغنا يا معاوية أن عادا الآخرة من نسله*
قال معاوية ― وهل عاد غير هذه ― قال نعم يا معاوية فإن أحببت أخذت في الحديث حتى آتي بحديثهم قال بل خذ في حديثك ― قال عبيد كان هود وأصحابه يعبدون الله حتى ماتوا وانقرضوا*
وذكر٢٤ بعض أصحاب السير عن عبيد بن شرية بأمر هود ― قال أخبرني البختري عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أن رجلا من حضر موت جاء يسأله العلم فقال له علي عليه السلام يا حضرمي أرأيت كثيبا أحمر تخلطه مدرة حمراء فيه أراك وسدر في موضع كذا وكذا من بلدك هل رأيته قط أو تعرفه ― قال الحضرمي ― نعم والله يا أمير المؤمنين ― قال علي فإن فيه قبر النبي هود صلى الله عليه وسلم*
رجع الحديث إلى عبيد بن شرية ومعاوية ― قال معاوية يا عبيد أخبرني عن وفد عاد ما فعلوا بعد هلاك قومهم قال عبيد ― يا معاوية إن الوفد لما سمعوا قول هزيلة فيما أصاب قومهم أقبلوا على قيل بن عنز يعذلونه ويلومونه وقالوا أنت شأمتنا وجررت علينا الهلاك فقام رجل من أشرافهم يقال له موت بن يعفر بن عرعر وهو يقول*
وقال موت يذكر الريح والوادي الذي جاءت منه ومنه اهلكوا وأنشأ وهو يقول
قال عبيد – ثم إنهم أقاموا بالحرم عند بكر بن معاوية وابنه ما شاءوا ومكثوا على ذلك ما شاء الله – وقد بلغني أنهم أقاموا سبع سنين ثم أنهم تذكروا الأوطان وحنت نفوسهم إلى البلاد فأرادوا المسير إلى بلادهم فأقبل عليهم بكر بن معاوية وابنه وقالا – يا قوم إنا نكره لكم أن تأتوا أرضا قد هلك فيها قومكم فترون مل تكرهون وأنتم هاهنا في حرم الله وأمنه والسعة والرحب
ولكم الأثرة في المال ما بقينا – فامكثوا فقالوا لهما إن النفوس قد حنت إلى الأوطان والآثار ولا بد لنا من إتيانها والنظر إليها – فأجمعوا في ذلك فأرسلوا إلى ركابهم وكانت في بادية لبكر من بوادي مكة - فأتوا بها سمانا حسانا فقال في ذلك حسان أبو كلهدة هذه الأبيات وأنشأ يقول
قال - ثم ارتحل وفد عاد جميعا سوى أبي سعيد المؤمن ولقمان بن عاد حتى أتوا أرضهم ومنازلهم بالأحقاف فنظروا إليها مقلوبة مهدومة موحشة من الأهل والمال ورأوا ما نزل بقومهم من العقوبة والنكال فدعوا إلى الله عز وجل فقالوا اللهم ألحقنا بقومنا وانزل بنا ما أنزلت بهم فأماتهم الله بصاعقة من السماء فدمرتهم فماتوا إلى النار فسحقا لأصحاب السعير*
قال معاوية وأبيك لقد أتيت وذكرت عجبا من حديثك عن عاد وقد علمت أن الشعر ديوان العرب والدليل على أحادثيها وأفعالها والحاكم بينهم في الجاهلية وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول {إن من الشعر لحكما} قال لقد صدقت يا معاوية ولقد سمعت ابن عمك يذكر عن رسول الله ذلك وأخبرك يا معاوية إنه لما كان من وفد عاد ما كان وما قد حدثتك عنه وصارت عاد ووفدها أمثالا وأحاديث وقالت العرب فيها أشعارا - منها ما حفظنا ومنها ما لم نحفظ ― قال معاوية فهات أسمعني ما حفظت من ذلك ― قال عبيد ان أبا سعيد المؤمن من مرثد
بن سعد عند هلاك القوم ― قال شعرا وقال في ذلك العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي وهو يعظ رجلا من قومه كان ظالما لعشيرته ويزجره عن الظلم فيها وأنشأ يقول
وقال في ذلك عبيد بن الأبرص الأسدي بن نعمان بن المنذر وأنشأ يقول
وفي ذلك يقول الأعشى بن نصير أعشى بني وائل وأنشأ يقول
وفي ذلك يقول أسد بن ربيعة الكلابي وهم القرون الأولى فأنشأ يقول
وفي ذلك يقول كريم بن معشر التغلبي لبعض قومه في جرهم
قال معاوية ― لله درك يا عبيد حدثتنا عجبا من أمر عاد فالحمد لله القادر على ما يشاء من أمره فهات يا ابن شرية فحدثني عن لقمان بن عاد صاحب النسور وكيف كانت نسوره وكيف يناديه المنادي وكيف كان يجيبه وما كان عمر نسوره وعمره وما قيل في ذلك من الشعر
قال عبيد يا معاوية إنه لما وقع من وفد عاد وقتل أصحابه من التشاجر فارقهم مرثد بن سعد المؤمن واعتزلهم لقمان ― قال لقمان بن عوص ― قال لا يا معاوية ولكنه لقمان بن عاد بن هزيل بن همل بن صدر بن عاد بن عوص قال صدقت فحدثني حديثك عنه ― قال عبيد وأنه لما توجه لقمان مع الوفد حدثتك بحديثه وأنه اختار طول عمره فكان من دعائه حين سأل طول العمر وترك ما وفد له أن قال فيما دعا
فنودي أن قد أعطيت ما سألت ولا سبيل إلى الخلود فاختر إن شئت بقاء سبع بقرات من ظبيات عفر في جبل وعر لا يمسها قطر وإن شئت بقاء سبعة أنسر سحر كلما هلك نسر أعقب نسر فكان اختياره بقاء النسور*
- ↑ بالاصل — فدعاد*
- ↑ في الاصل ―الباس *
- ↑ كذا ― في الاصل والله اعلم ― ح
- ↑ كذا ― وجدناه في النسخ ― ح*
- ↑ كذا ― فلينظر ― ح
- ↑ كذا ― ولعله ― ذا اللذات ― ح*
- ↑ كذا بالأصل ― ح*
- ↑ كذا – في الاصل – وعبارة الكامل - ( ان لقيم بن هزال تزوج هزيلة بنت کر اخت معاوية وذكر الاولاد كما هنا وزاد عبيدا – ح*
- ↑ مضى هذا البيت في ص (٤٣) من التيجان مخالفا ما هنا – ح*
- ↑ كذا – ولم يظهر وجهه – ح *
- ↑ تقد مات بالفاظ أخرى في التيجان ص (۷۰) –ح
- ↑ في الكامل – فهدد – ح*
- ↑ قد تقد مت أسماؤهم في التيجان ص (٤٤) مخالفة لما هنا – ح*
- ↑ هاتان القطعتان فيها الفاظ لم تظهر لنا ― ح *
- ↑ كذا – ح *
- ↑ كذا ـ ولم يظهر – ح*
- ↑ كذا – فتأمله - ح *
- ↑ انظره – ح*
- ↑ أنظر أسماء القبائل أول حديث هلاك عاد – ح *
- ↑ هذا والله اعلم – ح
- ↑ بياض بالنسختين *
- ↑ كذا بالأصل – وما ظهر لنا – ح*
- ↑ لا يخفى على الناظر ما فيها من التحريف – ح*
- ↑ لعل هذه العبارة كانت حاشية فادمجها بعض النساخ في الأصل ومع ذلك فهذا عبيد بن شرية ليس له دخل في هذه القصة – ح*
- ↑ هذه الابيات كما تراها – ح *
- ↑ كذا – والابيات كما ترى – ح
- ↑ كذا – والقصيدة كثيرة التحريف – ح*
- ↑ كذا – فانظرها – ح *
- ↑ كذا – وقد مضت في التيجان ص (۷۷) – ح*